لماذا هزت استقالة شينزو آبي أسواق طوكيو؟

النشرة الدولية –

تراجعت مؤشرات الأسهم في بورصة طوكيو عند نهاية التعامل في آخر أيام الأسبوع إثر نبأ إعلان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الاستقالة من منصبه لأسباب صحية. وبنهاية التعاملات، الجمعة، فقدت مؤشرات الأسهم اليابانية المكاسب التي فتحت عليها، إذ ارتفعت في بداية التعامل شأنها شأن بقية مؤشرات السهم الآسيوية متتبعة خطى مؤشرات وول ستريت في نيويورك الليلة الماضية، متأثرة إيجابياً بإعلان الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي تعديل سياسة مستهدف التضخم، بما يعني استمرار انخفاض أسعار الفائدة لسنوات.

وأغلق مؤشر نيكي في بورصة طوكيو متراجعاً بما يقارب النقطة ونصف النقطة المئوية (1.41 في المئة) عن إغلاق، الخميس، بعد ما كان مرتفعاً عن الفتح، الجمعة، بأكثر من 2.6 في المئة. أما مؤشر توبكس في بورصة طوكيو الذي يضم عدداً أكبر من الشركات المسجلة فأقفل تعاملات الأسبوع منخفضاً بأكثر من نصف نقطة مئوية (0.68 في المئة) مقابل إغلاق، الخميس، ليخسر نحو 47 مليار دولار من قيمة الأسهم المسجلة عليه.

وحسم رئيس الوزراء شينزو آبي التكهنات بإعلانه الاستقالة من منصبه لأسباب صحية، وكانت الأسواق متحسبة لذلك بعد زيارته لمستشفى في طوكيو مرتين خلال أسبوع واحد. من جهتهم، قال مقربون من رئيس الوزراء إنه “فضل الاستقالة الآن بدلاً من الانتظار واحتمال الاضطراب السياسي إذا تدهورت صحته”. ويعاني شينزو آبي من حالة مرضية نادرة سببها اضطراب جهاز المناعة، وعرضها الرئيس تكون قرح في المعاء والقولون باستمرار. وهي العلة الصحية التي استقال بسببها من رئاسة الوزراء في 2007 بعد عام واحد من انتخابه رئيساً للحكومة للمرة الأولى، لكن صحته تحسنت وعاد لرئاسة الوزراء في 2012.

أما سبب اضطراب السوق وهبوط مؤشرات الأسهم وارتفاع سعر صرف الين بنحو نصف نقطة مئوية، وكذلك سعر الذهب في أسواق طوكيو (باعتبار الين والذهب ملاذين آمنين في وقت الاضطراب يلجأ إليهما المستثمرون للحفاظ على القيمة) فيعود إلى القلق بشأن سياسات شينزو آبي الاقتصادية التي جعلت أسعار الأسهم في السوق اليابانية تتضاعف في فترة أقل من ثماني سنوات التي تولى فيها رئاسة الحكومة.

كذلك يسود القلق مجالس إدارات الشركات اليابانية حول مستقبل الإصلاحات الاقتصادية التي تمكن آبي من ترسيخها، ومنها طريقة إدارة الشركات وعلاقات الإدارة فيها بالمساهمين، وكذلك فتح الاقتصاد الياباني أمام الاستثمار الأجنبي، وحتى تحرير سوق العمل بما يسمح باستقدام عمالة مهاجرة.

وفي ظل عدم اليقين عمن سيخلف شينزو آبي في منصبه، تخشى الشركات وكذلك المستثمرون الأجانب في السوق اليابانية من أن تتراجع وتيرة الإصلاح الاقتصادي التي تمكنت من إخراج الاقتصاد الياباني من حالة الكساد العميق التي استمرت نحو عقدين قبل تولي آبي رئاسة الحكومة.

ورغم أن الحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم هو من سيختار خلفاً لرئيس الحكومة المستقيل إذ يُنتخب من البرلمان الذي يحظى الحزب فيه بأغلبية، فإن بعض الأسماء المرشحة ليست من أنصار آبي وسياسته في الحزب المحافظ الحاكم. ومنهم وزير الدفاع السابق شيغيرو إيشيبا الذي نافس شينزو آبي على زعامة الحزب في 2012 وخسر السباق. ويتهم إيشيبا سياسة آبي الاقتصادية، المعروفة إعلامياً بمصطلح “آبينوميكس”، بأنها تحابي الأغنياء على حساب الفقراء.

ثم هناك أيضاً المخاوف التقليدية، سواء في أوساط الأعمال اليابانية أو في الخارج، من أن تعود السياسة في اليابان لما كانت عليه قبل تولي شينزو آبي رئاسة الحكومة من رئيس وزراء يتغير كل عام أو على الأكثر كل عام ونصف العام. فعلى مدى العقدين السابقين لعام 2012 كان متوسط الفترة التي يتولى فيها أحد رئاسة الحكومة نحو 17 شهراً تقريباً.

ولا يمكن إغفال الأهمية الاقتصادية لاستمرار شينزو آبي في الحكم لأطول فترة كرئيس وزراء في تاريخ اليابان المعاصر، منذ تبنت نظام الحكم البرلماني الأوروبي. وقد مكنه ذلك الاستقرار في الحكم لأكثر من سبع سنوات ونصف السنة من ترسيخ إصلاحاته الاقتصادية، سواء من جانب الشركات والأعمال أو من جانب البيروقراطية الحكومية، هذا إضافة إلى تحسين علاقات اليابان التجارية مع العالم.

ففي هذا الجانب، شهدت العلاقات مع الصين وروسيا استقراراً جيداً في فترة حكم شينزو آبي انعكست بشكل إيجابي على الاقتصاد الياباني، كذلك رسخ علاقات جيدة مع بقية دول آسيا، ومع دول الخليج والعالم العربي عموماً. وتمكن آبي من إبرام اتفاقات تجارية غير مسبوقة، منها الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي، وكذلك الاتفاق مع الولايات المتحدة إضافة إلى اتفاق مع بريطانيا على وشك الانتهاء خلال أشهر وقبل نهاية العام.

ولعل من أهم إنجازات شينزو آبي تعيينه هاروهيكو كورودا محافظاً للبنك المركزي عام 2013، رغم أن سياساته النقدية لم تحقق هدفها بارتفاع التضخم إلى 2 في المئة، ولكن ذلك يرجع أيضاً للتبعات السلبية لأزمة وباء كورونا. لكن اعتماد شينزو آبي على السياسة النقدية للبنك برئاسة كورودا أدت إلى تحسن سوق العمل بشكل هائل، حيث اختفت البطالة تقريباً، بل إن بعض القطاعات تستجلب عمالاً أجانب نتيجة توفر فرص عمل أكثر من الباحثين عن عمل بين اليابانيين.

وأسهمت سياسات آبي الأخرى، مثل تعديل نظام توقيتات العمل وتشجيع المرأة على الدخول في سوق العمل، في امتصاص العمالة نتيجة مخرجات التعليم والتدريب المهني. وما كان لكل تلك التعديلات أن تتم، سواء في الإجراءات واللوائح والقوانين أو في سياسات الشركات واستراتيجياتها، لولا أن آبي أقنع الجميع بأنه مستمر في الحكم مدته القانونية، وبالتالي لا خوف من تغير مفاجئ يقضي على الإصلاحات قبل اكتمالها.

وهذا هو سبب الخوف الآن من احتمالات عدم اليقين بشأن من سيأتي بعد آبي، وما إذا كان سيستمر في سياسات “آبينوميكس” أم ستعود البلاد للتغيرات السريعة التي لا تضمن ثبات واستقرار الإصلاحات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى