تقرير: لبنانيون “فوق الطوائف” يساعدون حيث “تغيب الدولة”
النشرة الدولية –
آلاف اللبنانيين يقومون منذ أيام بمساعدة ضحايا الانفجار في بيروت. يقدمون المساعدة حيث فشلت الدولة منذ سنوات مثلا في توزيع الأدوية. سرين فرحات واحدة من هؤلاء الناس.
سرين فرحات ليست طبيبة، لكنها شابة لبنانية تعاني هي الأخرى من السكري وأخذت على عاتقها مساعدة الناس المحتاجين. لا يوجد هنا شيء مثل الدولة، ليس هناك حكومة. نحن نساعد بعضنا البعض، وبهذا يمكن لنا البقاء، تقول المرأة الشابة وهي تغادر بيت الزوجين.
بيد مرتجفة تفتح واضحة بطرس علب الأدوية الفارغة، تقول السيدة البالغة من العمر 84 وهي تبكي:” ليس بإمكاني اقتناء أدوية جديدة لزوجي المريض”. إلى جانبها يجلس زوجها البالغ من العمر 80 عاما رزق شندي على كرسي من البلاستيك وينظر بأعين دامعة وضمادة حول الرأس في الأفق. لقد أصيب في رأسه من جراء الانفجار في بيروت. وهو يعاني من الخرف والسكري ويحتاج إلى أدوية. وأمام الباب تقف سرين فرحات وتنظر إلى المشهد وتحمل حقيبة مبردة خضراء إضافة إلى جهاز قياس ضغط الدم. وتسير في اتجاه الزوجين المسنين وتقدم لواضحة شيئا بحجم قلم ـ إنها مادة الأنسولين الضرورية لزوجها.
وسرين فرحات ليست طبيبة، لكنها شابة لبنانية تعاني هي الأخرى من السكري وأخذت على عاتقها مساعدة الناس المحتاجين. “لا يوجد هنا شيء مثل الدولة، ليس هناك حكومة. نحن نساعد بعضنا البعض، وبهذا يمكن لنا البقاء”، تقول المرأة الشابة وهي تغادر بيت الزوجين.
سرين عمرها 28 عاما ومستشارة شركة، وهي واحدة من بين آلاف اللبنانيين الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع عقب الانفجار في بيروت لمساعدة الناس. وفي يونيو/ حزيران 2019 أسست منظمتها غير الحكومية باسم Positive on Glucose لدعم الناس المرضى بالسكري ولكن أيضا للتوعية حول هذا المرض. ترعرعت سرين في أحد الأحياء الشيعية في جنوب بيروت التي تُعتبر معقل حزب الله. وسرين شيعية، لكنها تعتبر نفسها حيادية من الناحية السياسية. إنه “تفكير نمطي” أن ينطلق المرء من أنه نظرا لدينها وأصلها هي تدعم تلقائيا الحزب. وهذا التفكير النمطي يسبب لها من حين لآخر مشاكل لاسيما عند توزيع منتجاتها الطبية. وهي لها تجربة كيف أن الناس ينتابهم الخوف عندما يعلمون أصولها.
وعندما وقع الانفجار في مرفأ بيروت، كانت سرين تجلس مع زوجها على الأريكة. “في البداية اعتقدنا أنه زلزال ، وفي اللحظة التالية أنه هجوم من قبل اسرائيل”. والخوف من هجوم من البلد المجاور كبير، لأن ذكريات حرب لبنان من عام 2006 ماتزال متجذرة لدى المرأة الشابة التي نجت بدون ضرر من تلك الحرب، كما تقول، علما أن المنازل في جوارها تدمرت كلها.
مشاهد الدمار التي تسبب فيها الانفجار تحيي لدى المرأة الشابة من اللحظة الأولى الشعور بضرورة تقديم المساعدة فورا. على موقع انستغرام وجدت مجموعة من الشباب اللبنانيين يعدون وجبات أكل ساخنة ويوزعونها على أشخاص، وتلتحق بهم فورا. وتقول سرين بأنه بالنسبة إليها بديهي أن يساعد الناس بعضهم البعض في الأوقات العصيبة بغض النظر عن الانتماء الديني أو الأصل. والهاتف النقال للشابة الناشطة لا يهدأ.خلال الرحلة إلى المدينة تلقت مكالمة هاتفية: شخص ما يرغب في التبرع لمنظمتها غير الحكومية بـ 500.000 ليرة لبنانية للتمكن من شراء أجهزة قياس ضغط الدم ومادة الأنسولين.
“المجتمع المدني يملأ فراغا كبيرا في الرعاية الطبية في بلدنا في الوقت الذي فشل فيه النظام السياسي”، يقول غسان حسباني، نائب رئيس وزراء سابق ووزير الصحة في حديث مع DW. الانفجار ضرب مجتمعا كان منغمسا في السابق في أزمة. ومداخيل المواطنين ضعيفة والبطالة تصل إلى 30 في المائة وأكثر من نصف مجموع السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، كما يقول الوزير السابق. وحسباني الذي بقي حتى يناير الماضي عضوا في الحكومة يتحدث عن “سيناريو دولة فاشلة”. وأمام هذه الخلفية يكون التزام المجتمع المدني ذا أهمية كبيرة. والكثير من المستشفيات تضررت وليس بإمكانها الاستمرار إلا من خلال المساعدة الدولية.
وحتى سرين تريد من خلال عملها محاولة ملئ هذه الثغرات ـ على الأقل في التموين بالأدوية. وهذا الالتزام الاجتماعي المدني تريد مجموعات سياسية مختلفة من النظام القائم احتواءه. وتفيد سرين بأن طلبات جاءتها من أحزاب تدعوها إن كانت لا تريد أن تكون “الوجه الشيعي” الذي يلتزم فوق الانتماءات الدينية في تحقيق أهدافها. “إنهم أوغاد”، تقول في غضب.
سرين تمثل الكثير من الشباب اللبنانيين الذين يحبون وطنهم، لكنهم يعرفون أنه يحتاج إلى تغييرات جذرية ليتطور. وعندما انطلقت في أكتوبر 2019 المظاهرات ضد الحكومة في بيروت، كانت سرين حاملا في الشهر السابع ومفعمة بالأمل. فهي تتمنى مستقبلا أفضل لبنتها ودولة وأشخاص يتعايشون بانتماءاتهم الدينية وحكومة تفكر في مصالح الناس وليس في الاستغناء الشخصي.وعندما همدت المظاهرات لاحقا ولاحظت سرين أن الفرقاء السياسيين عادوا إلى نماذجهم القديمة فقدت أولا الأمل في حصول تحول سياسي في البلاد. لكن الالتزام الاجتماعي المدني المنطلق مجددا بسبب الانفجار يجعلها تفكر بإيجابية. “أعلم أننا سننجح يوما ما، ربما ليس اليوم، وربما ليس غدا، نحن نحتاج إلى وقت، لكننا سننجح في إتمام المهمة”. وفي الأثناء لا تبالي سرين بالسياسيين الذين تنظر إليهم كعناصر يصعبون عليها وآخرين الحياة ويسلبونهم طاقتهم. وعلاوة على ذلك هم يتحملون حسب رأيها الذنب في وفاة ابنتها. “ماتت بسبب خطأ طبي في نظام فاسد”. والألم من جراء ذلك مازال عميقا، لكن هذه الخسارة الحزينة تقويها اليوم في عملها، كما تقول سرين.