ماكرون وصل بيروت ويستهل نشاطه بزيارة فيروز بعد ساعات من تسمية أديب رئيساً مكلفاً
النشرة الدولية –
وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الإثنين، 31 أغسطس (آب) إلى بيروت، بعد ساعات من تسمية مصطفى أديب رئيساً مكلفاً تشكيل حكومة جديدة، في زيارة هي الثانية منذ انفجار المرفأ المروع وتأتي عشية إحياء لبنان المئوية الأولى لتأسيسه. وعند وصول ماكرون كان في استقباله في المطار رئيس الجمهورية ميشال عون.
وبدأ ماكرون زيارته إلى بيروت بلقاء الفنانة فيروز التي تعتبر رمزاً لوحدة لبنان. ووصف ماكرون فيروز بأنها “جميلة وقوية للغاية”، وقال “تحدثت معها عن كل ما تمثله بالنسبة لي عن لبنان نحبه وينتظره الكثير منا… عن الحنين الذي ينتابنا”.
وعندما سئل عن أغنيته المفضلة لفيروز أجاب بأنها “لبيروت” التي كانت تذيعها القنوات المحلية، بينما كانت تعرض صوراً للانفجار وتبعاته.
وظهر محتجون في بث تلفزيوني مباشر خارج منزل فيروز حاملين لافتات تعارض تشكيل حكومة مع “القتلة” وتُحذّر ماكرون من “الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ”. وقابل ماكرون مطالب المحتجين بانحاءة بسيطة. وصرخ البعض قائلين “أديب لا” وذلك في إشارة إلى رئيس الوزراء اللبناني الجديد.
وعند انتهاء الزيارة، توقف ماكرون للحديث مع المحتجين. وأمكن سماعه يقول في بث تلفزيوني “قطعت التزاماً لها (فيروز) مثلما أقطع التزاماً لكم هنا الليلة بأن أبذل كل شيء حتى تطبق إصلاحات ويحصل لبنان على ما هو أفضل. أعدكم بأنني لن أترككم”.
وتوجه ماكرون بعد زيارته فيروز إلى قصر الصنوبر (المقر الرسمي للسفير الفرنسي في لبنان) حيث استقبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في اول لقاء سياسي للرئيس الفرنسي بعد وصوله الى بيروت، وتناول اللقاء آخر المستجدات السياسية والاوضاع العامة في لبنان والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وكتب الرئيس الفرنسي على تويتر بعد وصوله إلى لبنان “أقول للبنانيين إنكم كأخوة للفرنسيين. وكما وعدتكم، فها أنا أعودُ إلى بيروت لاستعراض المستجدّات بشأن المساعدات الطارئة وللعمل سوياً على تهيئة الظروف اللازمة لإعادة الإعمار والاستقرار”.
وقبل مغادرته المطار، قال ماكرون في تصريح للصحافيين، إن من أهداف عودته “التأكّد من أن حكومة بمهمة محدّدة ستتشكّل في أسرع وقت، لتنفيذ الإصلاحات” التي يشترطها المجتمع الدولي مقابل تقديم دعم دولي للبنان يساهم في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية. وأضاف أنه عاد للتأكّد أيضاً “ممّا حصل في المساعدات الإنسانية التي تبعت انفجار مرفأ بيروت ولذكرى مئوية لبنان الكبير”.
وستكون للرئيس الفرنسي سلسلة لقاءات وجولات اليوم، يستهلها بزيارة محمية أرز جاج (إحدى المحميات الطبيعية في جبل لبنان)، للاحتفال بمئوية لبنان الكبير، وتلي هذه الزيارة جولة في مرفأ بيروت حيث وقع انفجار كبير في الرابع من أغسطس قتل حوالى 200 شخص وجرح أكثر من 6500 آخرين، ودمّر أحياء عدة من العاصمة، وستكون له لقاءات مع ممثلي الأمم المتحدة وهيئات المجتمع المدني المجندين لبناء المرفأ والمدينة على متن حاملة الطوافات “لو تونير”، ومع الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة التي ساعدت في البناء، وأيضاً مع فرق ساهمت في تنظيف وإزالة الأنقاض من المرفأ، ومن ثم ينتقل الرئيس الفرنسي إلى قصر بعبدا حيث يجري محادثات مع الرئيس اللبناني ميشال عون.
وفي جولة ماكرون أيضاً زيارة لمستشفى الرئيس رفيق الحريري الجامعي المخصص، إجمالاً، لمرضى كورونا، على أن يلتقي لاحقاً البطريرك الماروني بشارة الراعي، في قصر الصنوبر (المقر الرسمي للسفير الفرنسي في لبنان) حيث سيلتقي أيضاً مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين، على أن ينهي يومه بمؤتمر صحافي.
وكان الرئيس الفرنسي وصل بيروت بعد ساعات من إعلان الزعماء اللبنانيين ترشيح الدبلوماسي مصطفى أديب رئيساً جديداً للحكومة تحت ضغط فرنسي، وقال ماكرون فور وصوله إنه سيضغط لإجراء إصلاحات تهدف لانتشال البلاد من الهاوية الاقتصادية.
وكان الرئيس عون كلف سفير لبنان لدى برلين، مصطفى أديب، تشكيل حكومة جديدة، بعدما نال تأييد 90 نائباً خلال الاستشارات النيابية التي أجراها الإثنين.
وتعهد الرئيس المكلف، بعد لقائه رئيسي الجمهورية والبرلمان في القصر الرئاسي، بتشكيل حكومة “في أسرع وقت ممكن”، تضم فريقاً “متجانساً من أصحاب الكفاءة والاختصاص”، وبإجراء إصلاحات أساسية يشترطها المجتمع الدولي لدعم بلاده.
وقال أديب “الفرصة أمام بلدنا ضيقة، والمهمة التي قبلتها بناءً على أن كل القوى السياسية تدرك ذلك وتفهم ضرورة تشكيل الحكومة في فترة قياسية والبدء بتنفيذ الإصلاحات فوراً من مدخل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
أديب شخصية غير معروفة من اللبنانيين، وهو يواجه مهمة شبه مستحيلة بإحداث تغيير سياسي وإجراء إصلاحات ملحة لإنقاذ البلاد من أزمة غير مسبوقة.
ويتولى أديب (48 عاماً)، المتحدر من مدينة طرابلس في الشمال، مهام سفير لبنان في ألمانيا منذ عام 2013، وشغل من قبل منصب مستشار رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي.
برز اسمه إلى التداول فجأة عشية الاستشارات النيابية، خلفاً لحسان دياب الذي استقالت حكومته تحت ضغط الشارع إثر انفجار 4 أغسطس (آب). وأعلن بيان صدر عن أربعة رؤساء حكومة سابقين بينهم سعد الحريري، الزعيم السني الأبرز، ونجيب ميقاتي، ترشيحه، قبل أن تشير مصادر متطابقة إلى توافق بين القوى السياسية الأبرز، وهي، إضافة الى السنة، تيار رئيس الجمهورية ميشال عون المسيحي، و”حزب الله” وحركة أمل الشيعيان.
ولن تكون المرة الأولى التي يدخل فيها أديب الذي احتفل، الأحد، بعيد مولده، إلى السراي الحكومي؛ إذ عيّنه ميقاتي مديراً لمكتبه في رئاسة الحكومة عام 2011، بعدما عمل مستشاراً له بين عامي 2000 و2004، ثم عيّنه سفيراً من خارج الملاك في السلك الخارجي في وزارة الخارجية والمغتربين برتبة سفير.
وبحسب سيرة ذاتية منشورة على موقع سفارة لبنان في برلين، يحمل أديب دكتوراه في القانون والعلوم السياسية. وبدأ مسيرته المهنية أستاذاً جامعياً في جامعات عدة في لبنان، وعمل أستاذاً متفرغاً في الجامعة اللبنانية منذ عام 2010، وفي فرنسا. وشارك في إعداد أبحاث أكاديمية، وقدم استشارات في مجالات عدة، بينها الرقابة البرلمانية على قطاع الأمن واللا مركزية والقوانين الانتخابية.
دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الاثنين، إلى تغيير النظام الطائفي في البلاد، بعدما أظهر انفجار المرفأ المروّع “سقوط هيكل النظام السياسي والاقتصادي”، في دعوة تكررت مؤخراً على الساحة السياسية.
وقال بري في كلمة ألقاها خلال إحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه “عشية مئوية لبنان الكبير”، إن “أخطر ما كشفته كارثة المرفأ، عدا عن عناصر الدولة الفاشلة، هو سقوط هيكل النظام السياسي والاقتصادي بالكامل”، مضيفاً “لا بدّ بالتالي من تغيير في هذا النظام الطائفي فهو علّة العلل”. وليست المرّة الأولى التي يطالب فيها بري بإلغاء “الطائفية السياسية”.
وفق تقدير نشره الاثنين البنك الدولي، تسبب الانفجار في مرفأ بيروت بأضرار وخسائر اقتصادية راوحت بين 6,7 و8,1 مليارات دولار ويحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجدداً.
ويشير التقرير إلى أن القطاعات الأكثر تضرراً هي الإسكان والنقل والتراث الثقافي (بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية والمعالم الوطنية والمسارح ودور المحفوظات والمكتبات…).
وقدّرت هذه المؤسسة التي تتخذ في واشنطن مقراً قيمة الحاجات الفورية لإعادة الإعمار (بحلول نهاية العام) بـ 605 إلى 760 مليون دولار، و1,18 إلى 1,46 مليار دولار للعام 2021. ويعتبر قطاع النقل الأكثر حاجة إلى المساعدة، يليه قطاعا الثقافة والإسكان.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، لاحظ البنك الدولي أنه “نتجت من الانفجار ثلاثة آثار اقتصادية رئيسية: خسائر النشاطات الاقتصادية الناجمة عن فقدان رأس المال المحسوس واضطراب التبادل التجاري وفقدان جزء من مداخيل الدولة”.
نتيجة لذلك، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان بمقدار 0,4 نقطة إضافية في 2020 و0,6 نقطة العام المقبل.
وحتى قبل الانفجار الذي دمر أو ألحق أضرارا بمنازل حوالى 300 ألف شخص، كان لبنان يواجه أزمة متعددة الأوجه (اقتصادية ومالية ونقدية) تفاقمت بسبب وباء كوفيد-19 ودفعت البنك الدولي إلى توقع انخفاض بنسبة 10,9 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020.
لكن “هذه الكارثة لن تؤدي فقط إلى تفاقم انكماش النشاط الاقتصادي، بل ستؤدي أيضا إلى تفاقم الفقر الذي أصاب 45 في المئة من سكان لبنان قبل الانفجار مباشرة”، وفق المصدر نفسه.
إلى ذلك، أصدر المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان، اليوم الاثنين، خمس مذكّرات توقيف وجاهية جديدة، ليرتفع بذلك عدد الموقوفين إلى 21، بينهم المدير العام للجمارك بدري ضاهر ومدير المرفأ حسن قريطم، وفق ما أفاد مصدر قضائي وكالة الصحافة الفرنسية.
وتحقّق السلطات في انفجار المرفأ المروّع الذي تسبّب بمقتل 188 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، لمعرفة مسبّبات الانفجار والمسؤولين عن تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم منذ ست سنوات من دون تدابير وقاية.
وأفاد مصدر قضائي بأن صوان “استجوب مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي، ومدير الميناء في المرفأ محمد المولى (…) وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق كل منهما”. كما استجوب صوان ثلاثة سوريين كانوا موقوفين على ذمة التحقيق، هم الذين تولوا عملية تلحيم فجوة كانت في العنبر رقم 12، حيث خُزّنت كميات نيترات الأمونيوم، قبل ساعات من وقوع الانفجار، وأصدر مذكرات توقيف وجاهية بحقهم أيضاً.
ومن المفترض أن يستجوب صوان الثلاثاء أربعة ضباط من أمن المرفأ.