هل نكرر سيناريو فقاعة “الدوت كوم” مع ما شهدته الاسواق العالمية من حماس متصاعد من قبل شركات التكنولوجيا بطرح أسهمها؟

النشرة الدولية –

“ثورة الاكتتابات العامة”.. ربما يتناسب هذا الوصف مع ما شهدته الأسواق العالمية من حماس متصاعد من قبل شركات التكنولوجيا لطرح أسهمها للاكتتاب العام.

ورغم أزمتي الوباء العالمي والركود الاقتصادي، فإن شركات التكنولوجيا تسعى لاستغلال تعافي الأسواق المالية والطفرة الملحوظة لأسهم القطاع والتي تقود “وول ستريت” لمستويات قياسية غير مسبوقة.

تراجعت عمليات الاكتتابات العامة الأولية (IPOs) بشكل حاد مع بدء تفشي وباء “كورونا” وظهور تداعياته الاجتماعية والاقتصادية، وسط تراجع حاد للأسواق المالية وتشاؤم المستثمرين حيال مناخ الاستثمار.

في شهري أبريل ومايو الماضيين، شهدت الاكتتابات العامة تراجعاً حاداً في أحجام وقيم الطروحات بنسبة 48% و67% على الترتيب مقارنة بنفس الفترة قبل عام.

لكن مع تدخل البنوك المركزية والحكومات في الدول الكبرى لتحفيز الاقتصادات ودعم السيولة عبر ضخ تريليونات الدولارات، فإن الأسواق المالية بدأت في التعافي واستعادة معظم خسائرها.

ظهرت مقدمات تعافي نشاط الطروحات العامة في الولايات المتحدة خلال شهر يونيو الماضي والذي شهد وحده نحو ثلث الاكتتابات المسجلة في النصف الأول من العام الجاري، كما شهد يوليو طروحات عامة بقيمة 19 مليار دولار في أكبر مبيعات شهرية منذ سبتمبر 2014.

خلال شهر أغسطس الماضي أعلنت العديد من شركات التكنولوجيا الأمريكية تقدمها بطلبات لطرح أسهمها للاكتتاب العام، منها “سنوفليك” العاملة في تخزين البيانات، ومنصة ألعاب الفيديو “يونيتي”، و”أسانا” لمنتجات دعم الإنتاجية، و”بلانتير” لتحليل البيانات، و”إير بي إن بي”، وغيرها.

تنوعت طلبات الطرح بين الاكتتابات العامة – إصدار أسهم جديدة للمستثمرين – والإدراج المباشر – وبيع أسهم موجودة بالفعل -، مع حقيقة أن الأخيرة تعتبر أقل تكلفة وأسرع في التنفيذ.

لم يقتصر حماس الطروحات العامة على الولايات المتحدة فحسب، بل امتد الأمر إلى كثير من الدول الأخرى خاصة في آسيا.

تقدمت شركة “آنت جروب” ذراع التكنولوجيا المالية لمجموعة “علي بابا” بطلب للقيام بطرح مزدوج عبر إدراج أسهمها في بورصتي هونج كونج وشنغهاي، ما قد يسفر عن جمع نحو 30 مليار دولار وهو ما سيجعله الاكتتاب الأكبر على الإطلاق.

ومنذ بداية شهر يوليو تم تسجيل 241 اكتتاباً أولياً حول العالم، وهو ما يمثل أكبر مستوى منذ بداية النصف الثاني من أي عام منذ 2007.

جمعت الشركات عبر هذه الطروحات الأولية نحو 36.7 مليار دولار، بزيادة 140% مقارنة بنفس الفترة قبل عام واحد ومسجلة أعلى مستوى منذ 10 سنوات.

رغم أن أزمة وباء “كوفيد-19” والركود الاقتصادي العالمي المصاحب لها واقتراب معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد تبدو أسباباً للقلق والشعور بعدم اليقين، إلا أنها لم تشكل عائقاً أمام طفرة الطروحات العامة المعلنة في الأسابيع الماضية.

يقدم التعافي الملحوظ لسوق الأسهم الأمريكي بقيادة قطاع التكنولوجيا دعماً لخطط الشركات بشأن طرح أسهمها في السوق وجمع الأموال اللازمة لاستمرار النمو.

سعت الشركات للاستفادة من حماس المستثمرين في الإقبال على شركات التكنولوجيا، وهو ما ظهر في الصعود الحاد مؤخراً لأسهم القطاع في “وول ستريت”.

سجل مؤشر “ناسداك” ارتفاعاً لمستوى قياسي جديد يتجاوز 11700 نقطة، صاعداً بنسبة 31% منذ بداية العام وبحوالي 70% منذ القاع المسجل في مارس الماضي، كما كسر ” S&P 500″ حاجز 3500 نقطة لأول مرة في تاريخه.

تمكنت شركات التكنولوجيا الكبرى من فرض سيطرتها بشكل أكبر على سوق الأسهم الأمريكي لتشكل نحو 28% من إجمالي مؤشر ” “S&P 500، بعد مكاسب قوية دفعت “آبل” لافتتاح نادي التريليوني دولار، وارتفاع القيمة السوقية لشركات أمازون ومايكروسوفت أعلى 1.6 تريليون دولار.

حققت بالفعل أسهم الشركات التي تم طرحها في وقت سابق هذا العام صعوداً ملحوظاً، ما قدم دليلاً عملياً للراغبين في الطرح العام على صحة القرار.

ارتفع سهم “زووم إنفو” في أولى جلسات تداوله بعد الطرح العام في يونيو الماضي بنحو 62%، كما صعد “بيج كوميرس” بحوالي 200% منذ الطرح العام في أغسطس الماضي.

جمعت شركة تصنيع السيارات الكهربائية الصينية “إكس بينج” نحو 1.5 مليار دولار من عمليات الاكتتاب العام في بورصة نيويورك متجاوزة تقديراتها السابقة، كما صعد السهم بأكثر من 41% في أول جلسة تداول.

لا يزال الرقم القياسي لقيمة الاكتتابات العامة لأسهم التكنولوجيا مسجلا في عام 1999 حينما بلغ 62 مليار دولار، وهو ما يمثل ذروة حماس عصر “الدوت كوم” قبل انفجار الفقاعة بعد عام واحد.

تسبب تدافع المستثمرين آنذاك على حيازة أسهم شركات التكنولوجيا في ارتفاع حاد للسوق، وهو ما دفع الكثير من الكيانات الأخرى للتقدم بطلبات لطرح أسهمها والاستفادة من المناخ الداعم للقطاع.

في حال نجاح اكتتاب “آنت جروب” التابعة لرجل الأعمال الصيني “جاك ما”، فإن قيمة طروحات الأسهم الجديدة لشركات التكنولوجيا حول العالم ستتجاوز 57 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 1999.

رائحة ذكرى “الدوت كوم” لا تظهر فحسب في تسارع الطروحات الأولية، ولكن في الصعود القوي لأسهم شركات التكنولوجيا الناشئة والذي أثار مخاوف الفقاعة لدى بعض المحللين.

سجل سهم “زووم فيديو” للاجتماعات عبر الإنترنت ارتفاعاً يتجاوز 205% منذ الرقم المسجل في مارس الماضي، كما ارتفع سهم “كراود سترايك” للأمن الإلكتروني بنحو 270% في نفس الفترة.

بالفعل، يمتلك المستثمرون أسباباً في الوقت الحالي للمراهنة على طفرة أداء شركات التكنولوجيا، مع تداعيات الوباء والذي وفر طلباً متزايداً على منتجات شركات التواصل والتعليم والعمل عن بعد.

لكن حجم الصعود القوي لأسهم القطاع وحالة عدم اليقين الاقتصادي التي لا تزال تسيطر على الوضع مع حقيقة عدم التوصل للقاح ضد الوباء، تدفع البعض للتخوف من مدى استدامة هذا الصعود في بيئة معرضة للتحول سريعاً.

ينتظر المستثمرون في الأسابيع القليلة المقبلة موجة من الأسهم الجديدة لشركات التكنولوجيا والتي ستبدأ التداول في الأسواق المالية، ما سيظهر مدى استمرارية الحماس حيال واقع ومستقبل القطاع التقني.

ومثلما قادت أسهم التكنولوجيا صعود “وول ستريت” القياسي خلال العام الحالي، فإن شركات القطاع تبدو المحرك الرئيسي في طفرة الطروحات العامة المتوقعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى