كتاب الجسد* لمياء المقدم

النشرة الدولية –

(مقاطع)

فتحت عيني في منطقة مظلمة

بين الأرض والسماء

لم أسمع الموسيقى لأنني ولدت قبلها

ولم أبك لأنني بلا ماكينة في داخلي تحول الدم الى دموع

ولدت جسدا مخفيا

من مادة متعفنة تركتها الشمس تسقط من قلبها

كبرت وترعرعت كما تفعل الاحجار

وعندما ولدت رأيت نفسي في المرآة فظننتني امرأة

ثم ظننتني رجلا

وعندما تذكرت

عرفت أنني جسد

جسد فقط.

***

هاجمني الضوء

فأوجد لي عينين غارقتين

ودخلتني الريح

فهزت قلبي من موضعه حتى صرخ

نادى قلبي لينقذه أحد من العاصفة

ومنذ ذلك اليوم وهو ينادي بلا توقف

الريح دفعت الدم في العروق

والريح صنعت الفكرة خلف الجلد

وهناك بين الدم والعروق

بين الحقيقة وظلها ولد شقائي الذي سميته

ساخرا: المتعة.

***

لم يعجنّي أحد بيديه

لا أحد وقف وراء خلقي

خلقت نفسي من الحاجة

كنت خشنا

ثم أصبحت مع الوقت طيعا

العقول التي تداولت علي عقلا وراء عقل

روضتني

منحتني اسما ضيقا

وصفات لم تسعني

واليوم

أنا الفائض خارج اسمه وصفته

أتكلم، ليس بوصفي المصلوب

العاري

أو المشلول

بل كما تتكلم الأحجار

التي خزنت المعرفة بأنواعها

حتى تصلبت

ثدي مهمل: حجر في قاع البحر

فم بلا قبلات: حجر في فم سمكة

أما أشد العداوات وأقساها

فهو عضو لا يلمس أو يتدفق ماؤه

هذا حجر جاهل

حجر من حجر.

***

واليوم أريد أن أخبركم عن المحنة:

كل ما هو مادة يمتلك عقلا ابديا

عقلا من المادة الخالصة

محنة الجسد الزمن

الحقيقة داخله

نوع من التذكر المستمر.

*

تكلم الثدي فقال:

أرضعت الكل ولا أحد أرضعني

من اللمسة جئت وكنت لا أزال أحبو حين انغرس ظفر في ظهري

وأفقدني القدرة على المشي

تعلقت كما تتعلق الأشجار بالحلم

وقاومت الأرض وجاذبيتها بأصغر أحلامي

وأقلها أهمية

عضني فم فتكلمت أول مرة

لا أتذكر ما قلته

ولكنه كاف ليحكم عليّ بالإعدام في ساحة عمومية

أعدمت وأعدمت ومن رقبتي سال دم كثير

وصلبت على أطرافي كالمسيح

لم أصرخ

إلا لأبكي الأيدي التي غادرتني

ويوم صرخت تعلمت الأرض أن تكون أمّا وكفت عن شد الكون إليها كطفلة

الأسنان التي قضمت حلمتي كانت علامة

أرشدتني إلى الجوع.

***

ثم تكلم الفم فقال:

يؤلمني الحب

القبل التي نسي أصحابها أن يدفنوها قبل أن يغادروا

تتكوم الشفتان كفكرة أولية عن الاجوبة

مع أن ما يسكنني ويحركني هو اللغز الذي في الداخل

لكن سعادتي متأتية من تخيل أن وراء كل شيء أحجية معقدة

تربطها ببعضها البعض

وأن ما يشد الشفة إلى الشفة هو الرغبة في الفهم

والتفكر وسط عالم واسع لا يفكر

كذلك يتعارض داخلي مع خارجي

وكذلك كنت لا أحاول الوصول لشيء

لا وعي خلف ما لا يمكن توضيحه لا أسفل ولا أعلى من

الفراغ

لا عدالة أصلا غير عدالة التقابل بمحض الصدفة

وقد كان لي رأس من ماء أدخله في المادة فتتفتت وفي الجلد فيتحول إلى نهر

تسلك غالبيتنا الدرب نفسه

الدرب الذي يوصلنا في نهاية الأمر

إلى الفجوة

حيث كل شيء يذهب بلا رجوع.

***

ثم تكلمت اليد فقالت:

مجددا وفي مواجهة حقيقة التذكر من جهة وحقيقة الجسد من جهة أخرى أنا

من يقترح المصالحة ويمسد على القروح.

متوحدة وغير مبالية بمن يظلم ومن يظلم

من يقع ومن يكمل

أركز جهدي كله لإيقاظ الحلم الميت في الأطراف الميتة

ومن بين أصابعي أطلق تلك الحرارة التي تعيد كل شيء الى مكانه

وكل فكرة إلى أصلها

تعيد الحب إلى أمه وأبيه

والطفلة إلى التراب

لا يهمني الخلود ولا أعبأ بالغايات لكنني اثق بالدم وبالوهم

من كان بلا أجنحة ستولد له يوما أجنحة

السباق ليس للأسرع والمعركة ليست للأقوى

***

جاء دور القلب. والقلب ليس الفرع المشاغب فقط ولكنه أيضا المنطقة التي تحاول دمج الكل في الكل، ومنه يبدأ الإيمان معزولا وهادئا

معادلا بين القديم والجديد

معادلة تبلغ حدود المحنة

منشغلا بما فقده أكثر من انشغاله بما ينتظره، ومستقرا في تلك المنطقة.

في الليل يخرج القلب للعراء ليتفقد النجمة هو يدرك أنها ليست هناك

إنها لم تكن أبدا هناك

لكنه لا يحب التفكير في المنطق الذي يحكم آلة الخارج ويفضل أن يفقد نفسه في المعارك الداخلية

سبق له أن كان متسعا حتى بدا له كل شيء معقولا

حتى اكتشف أن ما يبقيه حيا هو ولعه الدائم بالظلمة

وقبل أن يتكلم القلب يجب على الجميع أن يعوا جيدا

أن القلب لا يتكلم إلا للضرورة القصوى

وأنه لا يتكلم ليقول شيئا بعينه

ولكن لينذر بالنهايات

قال القلب وهو يضع يده على قلبه:

في كتاب أصيل كنت سأكون الحزب الشيوعي الذي يدافع عن الفقراء،

العلم الأبيض الذي يرفعه اللاجئون وهم يعبرون حدود الزمان والمكان

الفقرة الأساسية في نشيد أو أغنية تمجد الحياة على كوكب الأرض

وفي سيرة الوقت كنت سأكون المركب الصغيرة التي أوصلت الجميع إلى الضفة

دون أن تغرق منهم قشة

أو يسقط من كيس صبية أحمر شفاه في البحر

ولكني هنا، وفي هذا السياق، أريد أن أخبركم أنني لطالما تمنيت أن أكون عجلة مطاط

بالونا في الهواء تتقاذفه الرياح

حذاء في فم كلب

تمنيت كل هذا ومن التمني-

أقصد من الحرمان – نبتت قنوات أوصلت داخلي بداخل كل حي

وربطت بين مسامي ومياه الأرض

كنت رخوا طريا وبعد محاولات عديدة تعلمت أن أحل محل القذائف في الحرب

والفيروسات في الأوبئة

أنا قلب، وهذا واضح في كل ما أفعله

مكاني ليس في المادة وإنما في الروح

وكان يمكن أن أولد في وسط نهر

ولا أحد كان سيشعر بالفرق

(مقاطع من كتاب الجسد. يصدر قريبا)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى