أزمة الماء.. سبب آخر للموت في اليمن
تقرير – محمد المياس من اليمن –
تصوير – / خالد البناء –
بحثا عن الحياة المرتهنة بـ 20 لتر من الماء يُجبَر اليمنيون على تقديم حياتهم للخطر نتيجة النزاع المستمر وتفاقم أزمة المياه .
حيث بات الحصول على الماء حلما يراود الملايين من اليمنيين، وكابوسا يؤرق مضاجعهم، وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة مؤخرا ” أن زهاء 11,2 مليون يمني لا يحصلون على إمدادات المياه الأساسية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.”
أطفال يموتون
تعد مدينة تعز ( جنوبي اليمن) أكثر المناطق اليمنية معاناة بسبب الحرب حيث حولت أزمة المياه في تعز الأطفال الصغار للعمل في جلب المياه الى منازلهم، وينتشر مئات الأطفال في أحياء وشوارع المدينة رغم المواجهات المسلحة ويذهبون لجلب المياه من المساجد القريبة أو من خزانات وضعها فاعلو خير ومنظمات مدنية في الحارات فيما يعرف بـ ( مياه السبيل)، وقد سقط أطفال قتلى وجرحى وهم في طريقهم لجلب المياه .
في أبريل/ من هذا العام تعرض الـ طفل، صابر عبده قائد الصمادي (11 عاماً) لرصاصة قناص في الرأس أدت إلى مقتله فوراً، فيما شقيقه الأصغر محمد (9 سنوات) أصيب بطلقة نارية في ضلعه الأيسر، أثناء ذهابهما لإحضار الماء لوالدتهما وصادفتهما شجرة “ديمن” وتسمى “اللوز الهندي” في طريقهما. فصعدا الشجرة لاقتطاف ثمرة “ديمن” المحببة للأطفال، لكن القناص استهدفهما فأردى أحدهما قتيلا وأصاب الآخر.
وفي 20 اغسطس/ من هذا العام أيضا تعرضت الطفلة رويدا صالح البالغة من العمر 10 أعوام لعملية قنص أصابت رأسها وهي في طريقها لجلب الماء لأسرتها في حي الروضة شمالي مدينة تعز .
وقد تداولت وسائل إعلام محلية ودولية صورة للطفلة رويدا وهي ملقية على الأرض بعد أن أصيبت بطلقة قناص وبجانبها دبة الماء عبوة 20 لتر وصورة أخرى تظهر الطفلة وأخوها عمري الطفل البالغ من العمر 8 أعوام وهو يقوم بإنقاذ شقيقته المصابة.
مسألة حياة أو موت
في تموز / يوليو 2018 كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قد استنكرت بأشد العبارات تعرض مشروع مياه حيوي ومنقذ للحياة في اليمن للهجوم من جديد، بحسب ما جاء في تصريح منسوب إلى المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابالاري.
وقال السيد كابالاري إن “الهجمات المستمرة على شبكات المياه في اليمن تتسبب في انقطاع المياه عن الأطفال والعائلات، مما يزيد من احتمال انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه في هذا البلد الذي مزقته الحرب.”
وتابع قائلا، “بالنسبة للعائلات في اليمن، فإن هذه الخدمات الأساسية – التي هي أصلا على شفا الانهيار – هي مسألة حياة أو موت. الحصول على هذه الخدمات يعني البقاء على قيد الحياة بالنسبة للفتيان والفتيات في اليمن، وإذا استمر تعرض هذه المرافق للهجوم فإن ذلك سوف يؤدي إلى خسارة في المزيد من الأرواح، بما في ذلك الكثير من الأطفال، دون أي داع.”
ليس هناك حل
لقد أصبحت مشاهد الأطفال وهم يعملون بكد وبؤس في نقل المياه إلى منازلهم مشاهد سائدة ومألوفة في كل مكان مما يؤثر على أسلوب الحياة الطبيعية لهم، يقول أحمد (12 عاماً) للشرق الأوسط : «أنا أقوم بنقل المياه يوميا للمنزل… حتى أيام الدراسة أقوم بنقلها بعد الانتهاء من الدراسة… نحن لا نقدر على شراء المياه».
أما وسيم (15 عاماً) وهو فتى نازح من محافظة الحديدة من مدينة حيس تحديدا فيقول: «كنت أدرس، لكنني الآن توقفت عن الدراسة. نحن نعيش هنا نازحين، وكما كنت أجلب المياه للمنزل في حيس ها أنا أقوم بنفس المهمة في صنعاء. أنا أكره هذا العمل. لكن ليس هناك حل».
جهود
كما يفاقم النزاع معاناة اليمنيين من نقص مياه الشرب ويدفعهم لاستخدام مياه الأمطار الملوثة بالجراثيم وبقايا التربة ورغم الجهود التي تقدمها المنظمات الدولية وأخرى فاعلة للخير للحد من هذه المشكلة التي تسبب الأمراض إلا أنها لم تفلح.
في مارس 2020 غردت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تويتر “يقال إن غسل الأيدي بشكل متكرر هو سبيل الوقاية الأبرز من فيروس كورونا. ماذا يفعل أكثر من نصف الشعب اليمني، الذي يفتقر الوصول للمياه الآمنة؟”.
وفي رسالة مشتركة من الجهات العاملة في مجال المياه والإصحاح البيئي في اليمن في يونيو /حزيران 2020، ذكرت ” إن اليمن لا تزال واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه على مستوى العالم. كما أن أكثر من سنوات النزاع الخمس دمرت شبكات المياه أكثر وتركت القطاع الصحي على حافة الانهيار ما أدى إلى تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا. يُقدر أن هناك ما يصل إلى 70 في المائة من اليمنيين يفتقرون حالياً إلى الصابون الضروري لغسل اليدين والنظافة الشخصية. كما أن زهاء 11,2 مليون لا يحصلون على إمدادات المياه الأساسية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة”.
ومنذ تصاعد النزاع عام 2015، تمكنت الاستجابة الإنسانية المشتركة من إعادة تأهيل الآلاف من شبكات المياه المتضررة وشيدت شبكات كهرباء ضخمة تعمل بالطاقة الشمسية لمعالجة نقص الوقود لمضخات المياه وتزويد ما يصل إلى 12,6 مليون شخص بالمياه النظيفة بشكل يومي. وبدون هذه المساعدة الإنسانية ستنهار نظم ومؤسسات المياه والاصحاح البيئي في اليمن بشكل كامل.
وأشارت اللجنة العاملة في مجال المياه والإصحاح البيئي في رسالتها إلى أنها تواجه أزمة تمويل حيث تم تلبية 4 في المائة فقط من متطلباتها. مؤكدة أن استمرار نقص التمويل حتى شهر يوليو، فسوف يتأثر 6,3 مليون شخص. حيث ستضطر فرق الاستجابة السريعة التي تساعد في منع انتشار المرض للتوقف عن العمل وبالمثل خدمات المياه التي نقدمها للنازحين بسبب النزاع.