حكومتنا على خُطى سيب ماير .. والأردن ليس “تايتنك”* صالح الراشد

النشرة الدولية –

روى لي صديقي العزيز ماجد شعيب نكتة قبل أكثر من رُبع قرن رسمت يومها الإبتسامة على شفاهنا، يقول صديقي، شب حريق في أحد العمارات في المانيا وتعلق طفل صغير بالنافذة من الخارج وبدا واضحاً أن الطفل سيسقط على الأرض، لحظات وسقط الطفل وفجأة ظهر سيب ماير حارس المرمى الأشهر في ألمانيا ليطير بصورة أكروباتية ويلتقط الطفل قبل أن يصطدم بالأرض، وهنا أصيب الحضور بجنون الفرح لإنقاذه الطفل من موت مُحقق، وأخذوا يصفقون بكل قوة وجنون للحارس المُبدع الذي اندمج في المشهد، وأخذ يركض للأمام قبل أن يركل بقدمه القوية الطفل في الهواء، معتقداً أنه في مباراة كروية بسبب الصخب الجماهيري والتشجيع الجنوني الذي يذهب بعقول العقلاء.

 

هذه النكتة تتشابه مع حال حكومتنا التي وضعت إستراتيجيات وخطط لإنقاذ الوطن والمواطن من جائحة كورونا وتفوقت بخططها، ثم أصابها جنون الصخب فركلت الشعب بكل ما أوتيت من قوة، ورفعت يديها تحيي الجماهير مطالبة بالتصفيق من جديد ، رغم أنها أصابتنا بحيرة كبيرة لتعديلها قانون الدفاع بما لا يخدم مصلحة غالبية المصفقين، حيث إعتمدت سياسة دعم رأس المال لتسمح للشركات والمؤسسات بتخفيض رواتب العاملين فيها إلى النصف، وهنا إزدادت معاناة المواطنين الذين كانت جيوبهم بمثابة البئر الذي لا ينضب لملأ خزائن الحكومة التي تقود البلاد على طريقة شريف مدينة نوتينغهام زمن روبن هود، بالإعتماد على سياسة “الجيوب المخزوقة والأراضي المحروقة”.

 

وهنا فقد جاء القرار السلطوي لتضع الحكومة يدها في جيوب الشعب لاستخراج ما فيها، لأجل الحفاظ على الشركات والمؤسسات فلم تجد مالاً يغريها، فقررت الغوص بقوة وجرأة أكثر لتصل إلى دم الشعب المرهق، فحصلت عليه ومنحته لأصحاب رؤوس الأموال حتى يقتاتوا به ويستمروا على قيد الحياة، فالأغنياء الذين أثروا بجنون من تراب الوطن يحتاجون إلى ماء الحياة حتى لا يتأثر مستواهم الإجتماعي، وهنا تحول عدد منهم من آلهة الظلام في عصور الجهل إلى مصاصي الدماء، فدراكولا العصر الحديث ليس وحشاً يختبيء من الشمس حتى لا يذوب بل جراد بلون الظلام يخطف رغيف الخبز من يد الجياع.

 

لقد مارس أصحاب رأس المال المتكرشون حتى رقابهم الضغط على الحكومة لفرض المهانة والذل والإنكسار على أبناء الشعب، وأن تقوم الحكومة وأجهزتها بدور حارس مال الأغنياء، وتمنحهم صكوك الغفران لطرد الكرام من وظائف اللئام، وتصفيد الأشراف وإطلاق مردة الجن والشياطين، فالآن هو موعد الحصاد وجني دماء الأبرياء، فأبناء دراكولا يعشقون الدم الأحمر القاني ولا يوجد من يحصد هذا الدم أفضل من حكومة باعت نفسها وقيمها لأصحاب المال، فعند الباحثين عن الترف فإن الفقير قادر على العيش، وجيوش العاطلين عن العمل قادرين على الإحتمال، فيما أبناء النعيم لا يستطيعون الصيام عن لذيذ الطعام وعذب المنام والسهر مع الأندام، لذا على أبناء الشعب أن يشكروا الحكومة ويقبلوا الأرض أمامها وخلفها لأنها ذكرتهم في القانون ولم تتعامل معهم كسراب لا يراهم الأغراب الذين يعتقدون أننا شعب الضباب من طلة ثري ينقشع وبحمده يسبح.

 

وهنا لاح الصباح وسكت الشعب عن الكلام المباح، وذهبت مقولة وزير المالية بأن كلفة كورونا على الاردن “٥٦” مصاباً بالوباء، وتحولت لتصبح كُلفة كورونا خصم “٥٦٪” من رواتب الموظفين أو تسريحهم من أعمالهم ليخيم ظلام البطالة على الوطن، وتصبح لقمة العيش منغمسة بالدم والخوف والرعب من قادم الأيام ، لنجد أن كورونا وحكومة النهضة صاحبة الأخطاء المتوالية قد أذابا الطبقة الوسطى، ليتبقى لدينا طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء وبينهما نهر من الجحيم يهدد مستقبل الوطن، ليتساءل الشعب لماذا كل هذه القرارات الحمقاء ولمصلحة من؟، فالأردن يسعنا جميعاً وفي الأزمات علينا أن نفكر بعقليةٍ تشاركية حتى ينجو المجتمع بكافة أطيافة، كون الأردن ليس سفينة “تايتنك” المقسمة لطوابق النصيب الأكبر للأغنياء والجزء الاسفل للفقراء، لذا لماذا يُصر البعض على أن يكون الوطن مناسباً لمقاس البعض والبعض فقط..؟!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى