جورج خباز: فخور بوقفة أبناء بلدي بعد انفجار بيروت
النشرة الدولية –
في حوار مميز فتح الفنان اللبناني الشامل جورج خباز قلبه لمتدربي أكاديمية الفنون الأدائية «لابا»، وتحدث عن طفولته وهمومه كإنسان.. متطرقاً أيضاً إلى مشواره مع الدراما. وفي ختام كل ورشة لمتدربي أكاديمية الفنون «لابا» يتم عقد حوار مفتوح مع إحدى القامات الكويتية أو العربية، لكسر رهبة المتدربين واختبار مدى ما تعلموه، وإقامة جسر بين الأجيال، كي يتعرف هؤلاء الشباب على «جوهر» الرواد والقامات المهمة في شتى المجالات. وحرصت الإعلامية رانيا برغوث على تقييم كل متدرب عقب انتهاء فقرته، وتصويب أوجه القصور، وقد أظهر المشتركون جدية في التحضير وطرح الأسئلة والحضور أمام الكاميرا. وأقيم هذا اللقاء مع جورج خباز في لبنان بمشاركة متدربي الكويت عبر تطبيق «زووم»، بحضور رئيس مجلس إدارة «لوياك» فارعة السقاف. وإلى تفاصيل الحوار:
- بداية، كيف أثرت فيك طفولتك؟
– كنت محظوظًا ودائماً أقول إنني عشت طفولة سعيدة وهُجرت منها. وكنت محاطاً ببيئة فنية وثقافية لأن أبي وأمي كانا يعملان بالتمثيل وأخوالي في مجال الموسيقى. وهذا ساعدني على اكتشاف موهبتي مبكراً.
وهناك نعمتان لدى كل إنسان الأولى اكتشاف الموهبة التي تساعده أن يؤدي دوره في الحياة، والثانية نعمة توظيف الموهبة بالطريقة الصحيحة.
- ماذا عن صعوبات الطفولة؟
– مررت بظروف صحية اقتضت بقائي في البيت شهوراً، وهذا ساعدني في الإطلاع عدد كبير من المسرحيات الرحابنة، كما تعرفت على الكوميديا السوداء في أعمال شارلي شابلن، حيث تحويل المأساة إلى كوميديا. فاستفدت كثيراً من هذه الظروف رغم أنها حرمتني اللعب مع أصدقائي.
- هل تعرضت للتنمر؟
– كثيراً خصوصاً أنني في طفولتي كنتُ قصيراً وضعيفاً.
- كيف شجعك الوالدان؟
– علاقتي بأبي وأمي ديمقراطية، وجهاني وأعطياني النصائح واحترما رغبتي في العمل بالمسرح رغم الأشواك في الطريق. وكنت مؤمناً بما أفعل ولم أسعَ للشهرة والفلوس.
- كيف عثرت على شغفك؟
– أكيد من التربية المنزلية… تعلمت الانفتاح والمحبة وتقبل الآخر. فعندما نغوص في المسرح نتعرف أكثر على النفس البشرية، ونختار هل نقبل على الحياة بحب أم حقد؟ قررت أن أسعى في الحياة بحب، ومن خلال المسرح الذي أعتبره أرقى أنواع التعبير، واخترت المسرح الكوميدي الهادف بعيداً عن اللعب على الغرائز.
- كيف أثبت وجودك؟
– بدأت بأدوار صغيرة وفي أول مسلسل كنت شبه «كومبارس»… ثم كبرت التجارب وصعدت السلم… وأقول لكل شاب طموح، إن الحياة سلم ومراحل وكل مرحلة تضيف إلينا.
- ما الذي ضحيت به في سبيل النجاح؟
– النجاح ليس هدفاً… فأحياناً الطريق نفسه أحلى من الوصول. المتعة في التفاصيل… فحتى لو لم يشتهر اسمي يكفيني أنني أفعل ما أحبه… ضحيت في سبيل ذلك بالأمور الاجتماعية والعاطفية لدرجة أنني لم أتزوج. لكن أعوض ذلك بمحبة الجمهور والأدب والموسيقى.
- كيف يتمتع الفنان بأكثر من موهبة؟
– بدأت ممثلاً ثم تراكمت خبرات الكتابة، ومعرفة تقنيات المخرجين. اشتغلت على نفسي ككاتب، ثم بدأت أركز على الإخراج. فأكثر من يفهم جورج خباز الممثل هو جورج خباز الكاتب.
- هل لديك موهبة أخرى لا نعرفها؟
– ألعب تنس وكرة القدم إضافة إلى الرسم ولدي أتيليه صغير.
- متى اكتشفت نفسك ككاتب؟
– في المدرسة كنت أركز على التمثيل، وبسبب قلة الفرص فكرت في الكتابة لنفسي وخدمة الممثل في داخلي. مع الوقت بدأت أعبر عن نفسي بالكتابة ليس فقط للمسرح والتلفزيون بل حتى كتابة القصص. وبدأت الكتابة منذ عام 2002 مع «عبدو عبدو».
- متى تتحفز للكتابة أكثر؟
– قد أكتب في البيت أو البحر أو المقهى. والكتابة ليست مجرد ورقة وقلم… بل تتخمر لسنوات في رأسك قبل أن تأتي لحظة ترجمتها على الورق، وهناك ثلاثة أسئلة لابد من الإجابة عنها قبل الكتابة هي لماذا أكتب هذا الموضوع؟ كيف أكتبه؟ وما الذي أريد إيصاله للمتفرج؟
- من أين مصدر أفكارك؟
– هناك نوعان من الأفكار… أفكار فلسفية وجودية وأفكار نستلهمها من يومياتنا كبشر وهواجسنا… فالمسرح ابن بيئته ولا يجب أن يتعالى على الجمهور، ونجيب محفوظ حصل على نوبل بكتاباته عن الحارة المصرية… فثقافتنا أهل للاكتشاف والانتشار لو نقلناها بصدق.
- ما القضايا التي تشغل بالك؟
– المساواة والعدالة الإنسانية… عادة انتقاداتي تكون للطبقية الفكرية والاجتماعية.
- لماذا اخترت أسلوب الكوميديا السوداء؟
– لأننا في العالم العربي نعيش تناقضات. فنحن نتطلع إلى الفرح وحب الحياة لكن واقعنا ليس كذلك، ومن خلال الكوميديا تصل أي فكرة لكل الناس، وأيضاً شكلي الخارجي ساعدني في التوجه إلى الكوميديا.
الشهرة
- ما الفرق بالنسبة لك قبل وبعد الشهرة؟
– لم أسعَ للشهرة بل كان هدفي الصعود على خشبة المسرح ووجدت القبول من الناس وهذا أعطاني ثقة بنفسي وشجعني على الاستكمال.
- رغم النجاح كيف تحافظ على تواضعك؟
– لدى كل إنسان موهبة يتميز بها فما الداعي للتكبر؟ وأرى أننا لا نتواضع بل نحن نرتقي بمشاعرنا.
- هل استغليت شهرتك للاستفادة؟
– يحصل أحياناً. فاستقبال الناس لك بحب يجعلك قد يوفر لك المساعدة عند إنجاز معاملاتك… لكنني لا أقبل عدم الوقوف في الصف أو تمييزي عن غيري.
- بعض الفنانين أشادوا بأعمالك مثل دريد لحام كيف وجدت ذلك؟
– أعتز بكل رأي يقيم تجربتي… وشهادة الفنان القدير دريد لحام وسام على صدري وأوجه له التحية لأنني من المتأثرين به.
- من ينافسك في مجالك؟
– لا أحد ينافس أحداً. لأن الدنيا تسع الجميع.. ولا أحد يشبه أحداً. ولا يوجد مبرر لإلغاء الآخر كي نصعد.
- وماذا عن الخلافات؟
– حياتي عموماً بسيطة فلا أتعرض لمشاكل، وكثيراً ما أسامح لأرتاح مع نفسي أولاً. في بعض الأوقات يحدث سوء تفاهم لكن مع صفاء النية كله يحل سريعاً.
- هل يمكن أن تعطي فرصة لفنان متبدئ، وبماذا تنصح الفنانات الشابات؟
– بالطبع، في عام 2017 استعنت بـ»ستيفاني عطالله»، وأيضاً «ناتاشا شوفاني».. و»باميلا الكيك».. فأصطاد المواهب الحلوة لأنها تثري عملي وتذكرني بحالي في البدايات. وأنصحهن أن تتأكد من موهبتها وأنها تمتلك الهدف والشغف وليس مجرد الرغبة في الأضواء والشهرة وأن تحسن اختيار أدوارها.
المسرح
- انتقدت الابتذال في المسرح العربي… كيف تحافظ على مسرحك من الانحدار؟
– الأمر له علاقة بتربيتي وأيضاً لقناعتي بأن المسرح يجب أن يتوجه للجميع الصغار والكبار والعائلات. من يستعمل الابتذال هذه هي طريقته. وأنا لست بحاجة إلى الابتذال ولا أحب أن يرتبط عملي بهذا النوع ولدي دائماً رقابة ذاتية.
- ماذا عن الصعوبات التي يواجهها المسرح في لبنان؟
– المسرح في لبنان صعب ولا يوجد منتجون لأنه مشروع خاسر لذلك حصلت على قرض من البنك عام 2004 وسألني مدير البنك هل ترغب في شراء سيارة؟ قلت له: لا… أرغب في عمل مسرحية. وخوّفني البعض بأنه لا يوجد جمهور لكنني كنت مؤمناً بقدرة المسرح على التأثير طالما يحكي بلغة الناس ويعكس بيئتهم.
- وهل يتجه المسرح نحو مستقبل أفضل؟
– كانت هناك حركة مسرحية جيدة يقودها الشباب وبدأنا نشتم رائحة النهضة المسرحية كالتي عشناها في الخمسينيات. لكن جاءت مأساة الكورونا ثم الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت فأوقف كل شيء لكني مؤمن بإرادة الشعب اللبناني وحبه للحياة. وشخصياً أحزنتني الكورونا لأنني عملت طوال 16 عاماً على خشبة المسرح دون توقف لكن بسبب ظروف الحجر اضطررت للتوقف وشعرت بأنني فقدت المسرح الذي أعبر فيه عن نفسي.
- هل تحصلون على دعم من وزارة الثقافة؟
– الوزارة تساعد.. لكن نتمنى أن يتضاعف للحركة المسرحية والفنية. لكن عموماً المسرح في لبنان يعتمد على الاجتهادات الخاصة.
- كيف ترى سقف الحرية في المسرح العربي عموماً؟
– كل بلد لديها سقف حريات خاص. في لبنان رغم مشاكلنا الكثيرة لكن سقف الحرية لدينا عال.. كتبت نحو 16 مسرحية وأربعة أفلام وثلاثمئة ساعة تلفزيونية ولم تحذف لي كلمة. فطالما تكتب بشكل فني تكون هناك رقابة ذاتية تجعلك تبعد عن المباشرة والابتذال.
- مسرحيتك «مطلوب» عرضت في الكويت هل يمكن أن نراك في مشروع مسرحي في الكويت؟
– «مطلوب» قدمتها في لبنان عام 2011 وأحب المخرج عبدالعزيز صفر والفنان خالد المظفر تقديمها في الكويت ونجحت. وأتمنى أن تكون هناك تجربة أخرى وأشارك كممثل أو مخرج.. لأن الكويت ولبنان من أوائل الدول العربية التي شهدت نهضة مسرحية.
- هل تعتقد أنه مازال هناك وقت كما قلت في إحدى مسرحياتك؟
– أجل… نحن نصرخ من أملنا وليس فقط من وجعنا. وسيظل لدينا أمل وستظل الصرخة طالما هناك ظلم.
سينما وتلفزيون
- لمَ ابتعدت عن التلفزيون؟
– لأن المسرح يتطلب حضوراً ذهنياً وجسدياً وتفرغاً. ومن الصعب الجمع بينه وبين التلفزيون وعن نفسي أفضل المسرح لأنه احتكاك مباشر مع الجمهور. يليه السينما. لكن لا أنكر فضل التلفزيون عليّ رغم أنه ذاكرته القصيرة لا تبقى.
- رغم نجاح فيلم «غدي» لكننا لا نراك في السينما كثيراً؟
– السينما تصل للجمهور بسهولة وخارج الحدود لكن الإنتاج السينمائي مكلف جداً… لدي مشاريع كثيرة لكننا بحاجة إلى ممولين لذلك هناك مسافة زمنية طويلة بين كل فيلم وفيلم.
- فيلمك «تحت القصف» مزج بين الحس الوثائقي والروائي… ألا تفكر في عمل وثائقي عن انفجار بيروت؟
– زملاء كثيرون يعملون الآن على أفلام وثائقية وروائية عن الانفجار… لكنني مشغول أكثر بدعم من فقدوا ممتلكاتهم ومن هم بحاجة إلى المساندة المعنوية والمادية.
- ما الأدوار الأقرب إليك؟
– في التلفزيون شخصية «عبدو» في مسلسل «عبدو عبدو» في المسرح شخصية «حسين» في «إلا إذا… تغير شي»، و»باخوس» في «مع الوقت يمكن»، و»نعمان» في «كذاب كبير». وفي السينما دوري في فيلم «غدي»
- أجمل الثنائيات خلال مشوارك؟
– مع فريقي المسرحي كله الذي أحبه كثيراً، ومع يورغو شلهوب وفيفيان أنطونيوس، مع المخرج الكبير أمين درة وأيضاً مع منى طايع وكميل سلامة، ومشاركتي في كتابة «كفر ناحوم» مع المبدعة نادين لبكي، ومع فيليب عرقتنجي في «تحت القصف» ومع دريد لحام في فيلم «سيلينا».
بعد الانفجار
- بعد الانفجار، هل ترى أن لبنان مكان مثالي كي يبني الإنسان أحلامه؟
– أكيد… لبنان بلدنا ونحبه بأيامه العز وبكل أيامه. ومهمتنا أن نساعده عندما يعرج.. فهو ليس مجرد فندق.. ولا ألوم من يسافر سعياً وراء لقمة العيش. هناك نوعان من الناس من يشبه العصافير التي تطير بحثاً عن قوتها… ونوع يشبه الشجر لا يمكن قلعه من الأرض. وأنا مثل الشجر في علاقتي مع لبنان.
- هناك فنانون أجانب أعلنوا عن التبرع للبنان… ماذا عن الفنانين اللبنانيين؟
– الجميع لم يقصر سواء من الفنانين أو غير الفنانين. وفخور جداً لدرجة التأثر بنخوة أبناء بلدي. وأومن كثيراً بالشعب اللبناني وإرادة الحياة عنده فوق كل اعتبار.
- ما رأيك فيمن يعتبر ما يقال على المسرح «مجرد كلام»؟
– الكلام في حد ذاته فعل. فالكلمة تؤثر وتحرض وتغير حياة الناس… إذا كانت نابعة من صدق. لدي كفنان حياتي وخدماتي الاجتماعية السرية نوعاً ما وأعمل مع مؤسسات تعنى بذوات الاحتياجات الخاصة… الكلمة المسرحية غيرت مجرى البلدان المتقدمة.
- هناك وجهة نظر أخرى أن نعلن عن فعل الخير كي نصبح مثالاً يقتدى به؟
– جزء بسيط من هذه الأعمال نضطر أن نعلنه ولست ضد ذلك بشرط ألا يستعمله الفنان للدعاية لنفسه.
- هل تحس بالوحدة؟
– سئلت مرة هل الإنجاب فعل أناني أم لا؟ البعض ينجب لتجنب الوحدة أو أملاً في الخلود. وقليل من ينجب من أجل الحب وإعطاء الطفل حريته. بعيداً عن إرث الماضي وحمل اسم العائلة. دائماً أشعر بالوحدة خصوصاً إذا كنت محاطاً بمشاكل اجتماعية وسياسية. لكن علاقتي مع الوحدة صارت حميمة وتنتج أعمالاً وسلاماً في معظم الأحيان. وكثيراً ما أشتاق إليها.
- هل هناك شيء في شخصيتك ترغب في تغييره؟
– أتمنى التخلص من عصبيتي في الشغل… فبسبب قلة الإمكانيات نضطر للعمل في وقت ضيق ما يؤدي إلى الضغوط والعصبية. وقد ينعكس ذلك على الآخرين حولي لكن الشباب معي عرفوا طبعي.. وأحاول أن أتحسن.
- أخيراً ما هي رسالتك؟
– تحريض الناس على الفرح والجمال والحب.