تحايل إسرائيلي لاستهداف بيانات الخليجيين والباحثين عن الاستثمار من الوطن العربي لسلب أموالهم
القدس: مجد علي
تحرير وإشراف: محمد عزام
تعرّف شركة TMH “الإسرائيلية” نفسها على موقع LINKEDIN للتواصل الاجتماعي والمهني بأنها متخصصة في الإعلان والتسويق، لكن في واحد من إعلاناتها المنشورة على موقع “دورشيم” العبري المتخصص في الإعلان عن الوظائف الشاغرة، تشير إلى أنها شركة فوركس عالمية. أما عبر صفحتها على الفيسبوك، فـتعرف نفسها بأنها شركة إنترنت توجه دعوة لمن يتحدث اللغة العربية بطلاقة للحضور إلى مقرها الواقع في بناية “مجدال هشاحر” في شارع أرئيل شارون في جفعاتيم، بالقرب من “تل أبيب”، و”رامات غان”، شمال دولة الاحتلال، وتعدهم بالحصول على خمسة أضعاف الراتب الذي يحلمون به، فالعمل في الشركة، “يحتاج للرغبة لا للخبرة”، كما تؤكد في إعلانها.
تناقضات في تعريف شركة TMH لنفسها
لكن إعلان الشركة يحمل شكوكاً حول طبيعة عمل متحدثي اللغة العربية، فهي ترفض الإفصاح عن طبيعته وتكتفي بـ:”لن نحدثكم عما هي طبيعة العمل، نريد أن نحدثكم عن طبيعة الفرص التي تنتظركم”. ويكشف العشريني ماجد، وهو أحد العاملين في الشركة، والذي أكد على عدم الكشف عن هويته خوفا على أمنه الشخصي، أن مهمة المتحدثين باللغة العربية هي استقطاب مستثمرين من دول الخليج العربي، للتداول عبر منصة الشركة، التي تعدّ من بين شركات الفوركس الإسرائيلية ولكنها غير معروفة على نطاق واسع، إذ توجد غيرها شركات أكثر شهرة، موضحا أن رواتب بعض العاملين تصل إلى 15 ألف دولار شهرياً.
إغراءات للشباب العرب من أجل العمل في شركات الفوركس الإسرائيلية
حصل ماجد على بكالوريوس في الإدارة والاقتصاد من جامعة بيرزيت، ولم يجد عملا، وخلال بحثه عن فرصة على موقع لينكد إن، شاهد إعلان الشركة وتقدم إليها عام 2018، ليخضع لدورات تدريبية، تضمنت حوارات وهمية لاختبار قدرته على التأثير وإقناع الطرف المقابل بما يطرح حتى لو كان غير منطقي، واختبار قدرته على إجادة عدة لهجات، من بينها الخليجية، وتبع ذلك فحص على جهاز كشف الكذب (Polygraph)، للتأكد من أنه لا يعمل لصالح شركة أخرى، وجاء من أجل سرقة بيانات المستثمرين الخليجيين، الذين يتعاملون مع الشركة، ويطلق عليهم داخلياً مصطلح “الليدز”، وهؤلاء في النهاية يقعون ضحية عمليات نصب واحتيال، كما يقول.
طريقة تجميع بيانات “الليدز”
يكشف 4 من العاملين في شركات الفوركس الإسرائيلية، من بينهم ماجد، وجميعهم أكدوا على عدم الكشف عن هوياتهم حفاظا على أمنهم الشخصي، أنها تحصل على قوائم بـ”بيانات الليدز” من خلال دائرة متخصصة مهمتها متابعة عدة مواقع، منها موقع LINKEDIN وتويتر ومجموعات للمهتمين بالفوركس على مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات الفوركس الإلكترونية ومواقع تجارية، أو من خلال المشاركة في مؤتمرات عن التداول الرقمي في العالم العربي والعالم. كما أن هناك مكاتب متخصصة في جمع “بيانات الليدز” على شكل قوائم يتم بيعها لشركات الفوركس وتعمل في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، كما يكشف أحد العاملين في هذه الشركات، الذي كان في بلدة كفر عقب، شمال القدس، بينما تقول راما، وهي خريجة قسم الصحافة والعلوم السياسية، وعملت في شركة الفوركس UFX، إن “أحد الصحافيين العرب من حَمَلَة الهوية الإسرائيلية، نشر عام 2018 عبر صفحته على الفيسبوك إعلانا عن حاجة القناة العبرية الثانية لمراسلين في القسم العربي”. وخلال المقابلة، فوجئت بأن الطرف الآخر هو أحد العاملين في القناة العبرية، وبدأ بإقناعها بالعمل في شركته.
لا تتذكر “راما” ضحاياها جيدا، أو أنها تتظاهر بذلك، لكن الثلاثينية جوهرة عبد الرحمن، من الرياض، والتي خسرت 130 ألف دولار خلال تعاملها مع شركة UFX، تتذكر كيف كادت أن تفقد حياتها بعد تعرضها لجلطة، بعدما انقطع اتصالها بالشركة، والتي ادعى العاملون فيها خلال فترة التواصل في عام 2019، أنها شركة بريطانية، فيما تكشف راما لـ”العربي الجديد”، أن مقرها يقع في مجمع رامي ليفي قرب قرية جبع، شرق مدينة القدس المحتلة.
يدّعي موظفو شركة UFX أن مقرها في لندن
وتركز الشركة على المستثمرين الخليجيين وبخاصة السعوديين والكويتيين والمقيمين في هاتين الدولتين نظرا لكبر عدد الأهداف المحتملة وتستهدفهم عبر الإعلانات الممولة، كما تقول راما، وهو ما يؤكده لـ”العربي الجديد”، الثلاثيني المصري المقيم بالكويت محمد سليمان، والذي سجل بياناته في الشركة من خلال إعلان ممول على الفيسبوك، قبل أن يتواصل معه شخص يدّعي أن اسمه هاني الحاج ويقنعه بالتداول من خلال الشركة، لكنه وقع ضحية عملية نصب بمبلغ 500 دولار، بمجرد تحويل المبلغ، إذ تم إجراء عدة صفقات انتهت بتصفير الحساب، وبعدها انقطع التواصل عبر البريد الإلكتروني.
طريقة أخرى لجمع بيانات المستثمرين الخليجيين “الليدز”، تكشفها العشرينية مايا، من سكان القدس، والتي تقول لـ”العربي الجديد”، إنها عملت في أحد المكاتب في بلدة الرام، شمال القدس، يدّعي من خلال صفحته على الفيسبوك، أنه أكاديمية لتعليم اللغة الإنكليزية من خلال الإنترنت. وكانت مهمتها إقناع السعوديين على وجه التحديد بالانتساب للأكاديمية وشراء “كورسات أون لاين”، ويتم منحهم شهادات وهمية تدعي نجاحهم وأنها مصدقة من عدة جهات أكاديمية، وتطبع في المكتب بعدما يتم جمع بياناتهم الشخصية وبيعها لشركات الفوركس.
ويكشف العاملون الذين التقهم “العربي الجديد”، أن بيانات الخليجيين تجارة رائجة في ثالوث مدن الفوركس الإسرائيلية (تل أبيب، حيفا، رمات جان)، إذ تقوم بعض الشركات ببيع قوائم بـ”بيانات الليدز”، ممن اكتشفوا أنهم ضحايا عملية احتيال وتوقفوا عن التعامل مع الشركة، لتمارس عليهم الشركة الجديدة عمليات احتيال جديدة، وأحيانا يصل ثمن بيانات الشخص الواحد إلى 10 دولارات. وتشترط الشركات، التي تشتري القوائم، إجراء اتصال مع عدد من “الليدز” بشكل عشوائي، وفي حال كانت هناك استجابة من معظمهم، تقوم بشراء القائمة ككل، كما يؤكد العاملون في شركات الفوركس، والتي تهتم بشكل أساسي بمن يطلق عليهم “فرش ليدز”، وهم من يخوضون تجربة الفوركس للمرة الأولى ولم يتعرضوا لعمليات احتيال من قبل، ممن سجلوا بياناتهم في الشركة عبر الإنترنت، وتختلف أسعار بيانات هؤلاء عن أسعار بيانات من تعرضوا للاحتيال أو تعاملوا مع شركات فوركس من قبل، ويتم التعامل معهم على افتراض أنهم مستثمرون كبار.
استدراج المستثمرين للقيام بصفقات كبيرة
يتم التواصل مع “الليدز” من خلال مستويين: بواسطة “السيلرز”، وهم العاملون الجدد في شركات الفوركس، الذين توكل إليهم مهمة التواصل مع المستثمرين الصغار، الذين لا تتجاوز قيمة تداولاتهم 5000 دولار أميركي، أو المستثمرين الجدد، فيما توكل لـ”الرتنشن”، وهم طاقم صغير العدد نسبيا مقارنة بـ”السيلرز”، مهمة التواصل مع المستثمرين الكبار، أو مع من يشعر “السيلرز” بأن لديه قابلية للتداول بمبالغ كبيرة، وهو ما أكده الضحايا الذين وثقت “العربي الجديد” تفاصيل تعاملاتهم مع هذه الشركات. وعلى سبيل المثال، تم تحويل الضحية سليمان من هاني إلى نسيب ناصر، وهو مدير حسابات المستثمرين، حينما أبدى استعدادا للاستثمار بمبالغ كبيرة، فيما تم تحويل الضحية جوهرة عبد الرحمن من عصام إلى شخص آخر، بعدما بدأت بالاستثمار بمبالغ كبيرة.
وتتحكم الدائرة التكنولوجية في شركة الفوركس في مهام بناء الحسابات الشخصية للعملاء، والتحكم بالبيانات المعروضة في الحسابات والأرصدة، بما في ذلك سعر الصرف وأيضا الصفقات، وبهذه الطريقة يجري استدراج المستثمرين لصفقات كبيرة بعد تشجيعهم على خوض التجربة، وفق ما تؤكده مصادر التحقيق. وهنا يوضح الخبير في الأمن الرقمي والإعلام الجديد سائد حسونة، أن التلاعب بالبيانات الموجودة على شاشة العرض لجذب المستثمرين لإبرام الصفقات متاح وسهل لدى المبرمجين، وليس معقداً أو يحتاج لمهارة تكنولوجية عالية.
كيف تكشف عمليات التداول الوهمية؟
يؤكد الخبير المالي والرئيس التنفيذي لبورصة فلسطين، أحمد عويضة، أن أي مسار مالي يتم خارج الإطار التنظيمي والقانوني، هو بمثابة مخاطرة عالية، وأن التداول الذي يحمي حقوق المستثمرين هو ما يتم من خلال أدوات مرخصة وموافق عليها من قبل المؤسسات المالية في كل دولة، وما دون ذلك لا يمكن الوثوق به.
ويوضح المحاضر في كلية القانون بجامعة بيرزيت، المحامي بالداخل المحتل ياسر العمور، أن الشركات غير الوهمية هي تلك التي تعلن عن موقع مقرها الرئيسي أو أفرعها بشكل دقيق وواضح حتى يتسنى فحص ذلك، كما تكشف عن العاملين فيها ومناصبهم ومجالات عملهم، وأيضا عن مالكيها وسيرتهم الذاتية، بحيث تكون هذه الأسماء معروفة ويمكن التواصل معها مباشرة.
ويؤكد المحامي العمور أن ملاحقة شركات الفوركس قانونيا أمر صعب، لأنها تغيّر أماكنها وأسماءها وأرقام الاتصال الخاصة بها، وليست لديها أصول ثابتة، مثل مقرات وغيرها، وتعلن إفلاسها بين الفينة والأخرى، بحيث يصعب الحجز على ممتلكاتها للتعويض على من تعرضوا للنصب والاحتيال من قبلها، وخاصة أن القانون الإسرائيلي يحجز بالأساس على ممتلكات الشركة في حال إفلاسها وليس على ممتلكات مالكيها، ما يسهل على هؤلاء التهرب من التبعات القضائية والمالية.
متضررون من شركة UFX يحذرون من التعامل معها
تمارس شركات الفوركس الإسرائيلية عمليتي خداع وإقناع مزدوجتين، كما يقول العشريني محمد إبراهيم، الذي ترك العمل في المجال، فمن جهة تسعى جاهدة لإقناع الشبان والشابات الفلسطينيين والعرب العاطلين من العمل بالالتحاق بها من خلال الإغراءات الكبيرة المتمثلة بالرواتب العالية، وهو ما رصده معدّ التحقيق عبر موقع LINKEDIN، من خلال إعلانات عمل سرية، لا يظهر فيها اسم الشركة ولا موقعها، وفي واحد من الإعلانات كُتب: “إذا كنت تجيد العربية، فأمامك فرصة كبيرة للحصول على راتب 12000 ــ 17000 شيكل (4000 ــ 5000 دولار)، من خلال عملك في شركتنا.. شركة فوركس تقع في شمال إسرائيل”، ومن جهة أخرى تستغل هؤلاء العاملين من أجل خداع الخليجيين والعرب.
نقل الاتصال مع المستثمر من السيلرز إلى الرتنشن
ويضيف إبراهيم أن العاملين في شركات الفوركس يخجلون من التعريف بطبيعة عملهم، وأنهم بمعظمهم يخفون عن أهاليهم وأقاربهم ومحيطهم الاجتماعي الأمر. بالإضافة لذلك، يعانون من ضغوط، قد تتحول لأمراض نفسية، نتيجة انتحالهم لشخصيات وهمية خلال فترة الدوام، فيما يعودون لأسمائهم الحقيقية وحياتهم الشخصية لساعات قليلة، مشيرا إلى أن أحد أصدقائه ساءت حالته النفسية لدرجة أنه أصبح بحاجة لعلاج منتظم، حينها اكتشف أهله أنه كان يعمل في شركة فوركس بسبب ترديده بشكل مستمر لأسماء الضحايا متوهما أنهم يلاحقونه ويريدون قتله.
ولكن الثلاثينية ليلى طاهر، المقيمة في بيروت، والتي تعرضت لعملية احتيال من قبل UFX بقيمة 3000 دولار، ترى ضرورة توقيع الضحايا على عريضة من أجل ملاحقة العاملين في هذه الشركات قانونيا بصفتهم مجرمين، رافضة أن يتم التعامل معهم كضحايا، لأنهم الأداة الأهم في هذه الشركات، ومن خلالهم تتم عمليات الاحتيال، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين تواصلوا معها كانوا السبب الأهم في إقناعها بالدخول إلى عالم التداول الرقمي، وهو ما يؤكد عليه الضحيتان سليمان وعبد الرحمن.
ويخشى العاملون في مجال الفوركس من فضح أسرار الشركات التي يعملون فيها بشكل علني، لأن ذلك قد يعرض حياتهم للخطر، كما يؤكدون لـ”العربي الجديد”، لأن مسؤولي هذه الشركات متورطون في أعمال غير شرعية، وهو ما يؤكد عليه أرئيل مروم، الذي عمل في إحدى شركات الفوركس، في رسالة بعثها إلى لجنتي المالية والأخلاقيات في الكنيست الإسرائيلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، مفادها أن هذه الشركات تمارس إرهابا اقتصاديا حول العالم بالتعاون مع منظمات الجريمة في دولة الاحتلال.
ومنح “العربي الجديد” حق الرد لشركتي ufx وtmh عبر البريد الإلكتروني وصفحات الفيسبوك عبر رسائل مختلفة، دون رد حتى تاريخ نشر التحقيق.
نقلا عن العربي الجديد