تداعيات إغلاق السفارة الأميركية في بغداد* هدى رؤوف
النشرة الدولية –
عقب سقوط صواريخ على مطار بغداد حيث تتمركز القوات الأميركية، هدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإغلاق سفارة بلاده في العراق ما لم توقف الميليشيات هجماتها. التصريح كان مفاجئاً حتى لبعض المسؤولين الأميركيين والعراقيين، فقد اعتبرت الخطوة من شأنها إعاقة الجهود الأميركية لمحاربة تنظيم “داعش” والحد من الوجود الإيراني في العراق.
فإغلاق السفارة سيبعث بإشارة مفادها أن واشنطن تتخلى عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورئيس الاستخبارات السابق، والذي كان في زيارة عدها الكثيرون ناجحة إلى الولايات المتحدة خلال أغسطس (آب) الماضي. والتي كان هدفها مناقشة ملف الانسحاب الأميركي من العراق، ومن ثم تخفيض عدد القوات الأميركية البالغ 5200 من دون الانسحاب الكامل، وبعدها وافق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تخفيض عدد القوات الأميركية إلى حوالى 3000 عنصر.
من المعروف أن المطالبة بالانسحاب الأميركي الكامل تصاعدت عقب مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أميركية بالعراق، وهو ما دفع “كتلة الفتح” وميليشيات “الحشد الشعبي” الموالية لإيران للدفع نحو الانسحاب الأميركي، وهددت واشنطن حينها بعدم دعم العراق اقتصادياً.
إذا تم إغلاق السفارة ونقلها إلى أربيل، سيكون للأمر تداعيات على الأمن العراقي وصورة رئيس الوزراء، فقد جاء الكاظمي بحملة لمحاربة هيمنة الميليشيات وتربحهم الاقتصادي، لكنه يظل رئيس وزراء مؤقتاً لـ 14 شهراً إلى حين إنجاز الانتخابات، ومن ثم تطرح التساؤلات حول التهديد الأميركي بنقل السفارة من بغداد قبل إتمام الانتخابات وتخلي الولايات المتحدة عن الكاظمي، الذي يحد من تأثير الميليشيات.
كما أن ملف الانسحاب الأميركي من العراق لا يمكن أن يتم مناقشته بمعزل عن الوجود الإيراني في العراق، ومعروف أن العراق يمثل ساحة التجاذب بين الولايات المتحدة وإيران، لذا فأي مساحة تفقدها الولايات المتحدة هي أرضية جديدة سيمتد إليها النفوذ الإيراني ليملأ الفراغ الأميركي، ما يعني أن مثل القرار الأميركي بإخلاء ساحته لإيران هو تخلٍ عن محاولته تقديم الدعم للعراق في مواجهة التحديات الحالية، لاسيما أن زيارة الكاظمي للولايات المتحدة كانت لوضع أسس التعاون العراقي الأميركي، وخلال الزيارة بدا الدعم والإشادة الأميركيان بالكاظمي. كما أن التهديد الأميركي في حال تم تنفيذه، لا يعني فقط مجرد خروج البعثة الأميركية، بل قد تفكر البعثات الأوروبية الأخرى في الانسحاب من العراق. وستستغل دعائياً الميليشيات وإيران للترويج بانتصارها وقدرتها على إخراج الولايات المتحدة من العراق.
ومع ذلك فقد أثار تصريح بومبيو ردود فعل داخلية في العراق، أدت إلى نداءات متباينة من قبل فصائل “الحشد الشعبي”. ودعا فالح الفياض وهادي العامري، رئيس “كتلة فتح” السياسية التابعة لـ”الحشد الشعبي”، إلى إنهاء الهجمات على القوات الأجنبية والمواقع الدبلوماسية. فقد أكد بيان “الحشد الشعبي” الذي يتعرض لضغوط شديدة، أن الحشد ليس معنياً بأي صراعات سياسية أو أحداث داخلية تجري في البلد، كما أنه ليس مسؤولاً عن جهات تستخدم اسمه لأغراض التشويه والقيام بعمليات مشبوهة ونشاط عسكري غير قانوني، يستهدف مصالح أجنبية أو مدنية. كذلك اقترح مقتدى الصدر على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تشكيل لجنة أمنية للتصدي للهجمات المستمرة، وفي غضون ذلك، سافر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى طهران لمناقشة التطورات الأخيرة مع علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، بالإضافة إلى نظيره محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني، كما أرسلت الحكومة الإيرانية وفداً من كبار الممثلين العسكريين، برئاسة اللواء قدير النظامي نائب رئيس أركان القوات المسلحة للشؤون الدولية إلى بغداد. وهنا ربما تكون إيران معنية بالتوصل إلى اتفاق أمني مع العراق لكبح جماح الميليشيات أو تمهداً للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة تبدأ من تقييد الميليشيات.
ربما يجب على الولايات المتحدة التعاون مع الحكومة العراقية ومن المؤكد أن لديها القدرة على حماية السفارة والبعثة الدبلوماسيتين، لكن ظلال الانتخابات الأميركية هي ربما التي تدفع ترمب إلى قرار إغلاق السفارة منعاً لوقوع هجمات عليها، ما يؤثر صداه في التصويت، وربما تهدف أيضاً للضغط على الكاظمي لتشديد القبضة على نشاط الميليشيات. أما من جهة إيران فالمؤكد أنها مستمرة في تجنب أي استفزاز للولايات المتحدة، إذ تدرك أن الناخب الأميركي يصوت للمرشح الذي يقدم نفسه متصدياً للأعداء والخصوم، ومن ثم لا تريد أن تقدم لترمب أية فرصة لاستغلالها حتى يفوز بالانتخابات، لكن بالطبع في حال غلق السفارة ونقلها، ستعمل على الاستفادة من هذا الوضع. وبالتالي فعلى الولايات المتحدة أن لا تساهم في جر العراق إلى توترات وعدم استقرار داخلي، يضيف لأوضاعها غير المستقرة عزل البلاد عن المجتمع الدولي، الذي قد تتخذ البعثات الأجنبية الأخرى القرار الأميركي نفسه.