لبنان: الكارثة الصحية وقعت.. و”الضمان” يعجز عن حماية مرضاه
عزة الحاج حسن –
النشرة الدولية –
الكارثة الصحية وقعت. فالمستشفيات اللبنانية تعج بالمرضى العاجزين عن سداد فواتيرهم الاستشفائية، وسط عجز وزارة الصحة والجهات الضامنة عن حمايتهم. وتعرفة المستشفيات تضاعفت وإن بشكل غير رسمي، أضف إلى تفاقم أزمة فقدان أدوية من الأسواق..
هناك واقع صحي مأساوي يسبق كارثة رفع الدعم عن الدواء والمستلزمات الطبية. فحينها سيموت مرضى فعلياً على أبواب المستشفيات.
دولار الاستشفاء
بعد تسريب خبر عزم مستشفى الجامعة الأميركية لاعتماد سعر الدولار 3900 ليرة، في الفواتير الإستشفائية، اتجهت الأنظار إلى وزارة الصحة والجهات الضامنة، بانتظار اتخاذ إجراء يمنع توجه الجامعة الأميركية إلى رفع تعرفتها وفق سعر صرف الدولار 3900 ليرة. فأتى الرد من وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، ليجزم أن زيادة تعرفة المستشفيات ورفع سعر الدواء أمر غير مطروح، طالما أن الدولار الرسمي محدّد من مصرف لبنان.
قد يكون وزير الصحة جاهلاً لما يحصل خلف كواليس المستشفيات وفي غرفها. لكنه في شتى الأحوال، سواء كان جاهلاً بما تقترفه المستشفيات أو أنه على علم بذلك، ففي الحالتين الكارثة الصحة واقعة. والوزارة والمؤسسات الضامنة عاجزة عن المواجهة.
رفع التعرفة منذ أشهر
رفع التعرفة الإستشفائية ليس بالأمر المستجد. لكنها المرة الأولى التي يُعلن فيها عن اعتماد سعر الدولار 3900 ليرة من قبل مستشفى، وإن كان على لسان أحد أطبائها الدكتور محمد جواد خليفة. فالمستشفيات بغالبيتها الساحقة، وربما جميعها، تعتمد منذ أشهر تعرفة إستشفائية تفوق أضعاف التعرفة الرسمية من قبل الجهات الضامنة، خصوصاً الضمان الاجتماعي. أما فيما خص مرضى الوزارة، فالمستشفيات الخاصة لا تستقبلهم على الإطلاق، ودائماً تحت ذريعة “لا أماكن شاغرة”.
أما دولار السوق أو الدولار المحدد بـ3900 ليرة، فالمستشفيات تعتمده منذ أشهر مع مرضى التأمين، أي المؤمنين تأميناً خاصاً، وليس على الجهات الضامنة الرسمية. وقد بدأت اعتماد دولار السوق في فواتيرها، بعد إلزام وزارة الاقتصاد شركات التأمين بتقاضي ثمن بوالصها بالليرة اللبنانية، وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة. حينها اعتمدت شركات التأمين سداد فواتير المستشفيات بالليرة وفق 1515، ما دفع بالأخيرة للتوصل مع شركات التأمين إلى اتفاقات ثنائية بإلزام المرضى سداد فارق الفواتير، خصوصاً في حال احتاج المريض إلى مستلزمات طبية متعلقة بالعظام أو القلب وغير ذلك.
حقيقة منقوصة
ولعل نفي نقيب المستشفيات سليمان هارون أي توجه لاعتماد تسعيرة الدولار عند 3900 ليرة، وتأكيده أن المستشفيات “تفوتر” بالليرة اللبنانية فقط لكل المؤسسات الضامنة، “حقيقة” لكنها منقوصة. فالمستشفيات تفوتر للمرضى المضمونين على سبيل المثال بالليرة، لكنها تُلزم المريض بسداد فارق الفاتورة. وفي حال كان المريض “مريض كورونا”، فإن فارق فاتورته لا يقل عن 20 مليون ليرة، مهما كانت تغطيته الصحية سواء تأمين أو جهات ضامنة.
عجز الضمان
ووفق مصدر متابع لملف المستشفيات في حديث إلى “المدن”، فإن المستشفيات لم تأخذ قراراً نهائياً حتى اللحظة باعتماد الدولار 3900 ليرة في فواتير مرضى الضمان العاديين (وليس كورونا)، خصوصاً أن الضمان يحاول التواصل مع المستشفيات بهذا الشأن، للتوصل إلى حلول قبل وقوع الكارثة. ويلفت المصدر إلى أنه في حال قررت المستشفيات اعتماد الدولار الجديد في فواتير الضمان، وهو أمر وارد جداً، فإن إدارة الضمان الاجتماعي لا يمكنها اتخاذ أي إجراءات بحق المستشفيات، خصوصاً أن الأخيرة تقوم بالتنسيق فيما بينها، ولا يمكن للضمان أن يبادر إلى فسخ عقود مع كافة المستشفيات “من هنا لا يمكن للمؤسسات الضامنة سواء الضمان أو غيره سوى القبول بالواقع المستجد”.
أزمة الدولار 3900 ليرة لم تبدأ بعد، وفق ما يقول مصدر مطلع في الضمان الاجتماعي في حديث إلى “المدن”. وهناك مخاوف فعلية من اعتمادها بحق مرضى الضمان، فذلك يعد كارثة: “وفي حال حصل ذلك، فلا قدرة مالية للضمان على رفع التعرفات. وبالتالي، ستكون النتيجة تكبيد المرضى فروقات الفواتير، على غرار ما يحصل مع مرضى التأمين. وهو ما لا يريد الضمان الوقوع به”.
استنزاف مرضى كورونا
الكارثة الصحية إن لم تقع من باب اعتماد المستشفيات الدولار 3900 ليرة، فإنها وقعت قطعاً من باب أزمة كورونا. ويؤكد مصدر رقابي رفيع في حديث إلى “المدن”، أن كافة مرضى كورونا من دون استثناء يتكبّدون فارق الفواتير في المستشفيات الخاصة، ومنهم مرضى الضمان الاجتماعي “فلا دخول مستشفى اليوم من دون فارق فاتورة بملايين الليرات”.
وحين نتحدث عن فروقات لفواتير استشفائية من كورونا، لا نتحدث عن بضعة مئات آلاف الليرات إنما ملايين الليرات. ووفق المصدر “كل مريض كورونا يدخل إلى العناية في مستشفى خاصة لا تقل فاتورته عن 15 إلى 20 مليون ليرة، كفارق فاتورة الضمان”. المبالغ صادمة والمستشفيات تكبّد مريض كورونا من 2 مليون إلى 3 مليون ليرة فارق فاتورة عن كل يوم يمضيه في المستشفى. وتبلغ كافة فواتير مرضى العناية عشرات الملايين”.
ويعزو المصدر سبب انتفاخ فواتير مرضى كورونا إلى سببين. الأول، يرتبط بجشع المستشفيات ومبالغتها في تسعير المستلزمات الخاصة بكورونا، كالألبسة والأقنعة وغيرها. والسبب الثاني يعود إلى عدم شمول لوائح الضمان العديد من الأدوية المخصّصة لعلاجات كورونا، ومنها دواء remdesivir الأساسي (مستند مرفق) ويبلغ سعر الجرعة منه 150 دولاراً، ومستلزمات وأدوية كثيرة أخرى أساسية لعلاج مرضى كورونا غير مشمولة بالضمان. ومن المرتقب أن تتابع اللجنة الطبية الإستشارية العليا في الضمان موضوع التعرفات، لإجراء دراسات تفصيلية، في سبيل إيجاد حلول لفواتير الضمان”. وإلى ذلك الحين، يؤكد المصدر أن لا حلول متوافرة سوى التعامل مع كل حالة على حدة مع المستشفى، للتوصل إلى فاتورة مخففة قدر الإمكان على المريض. مستغرباً استقالة الدولة من مسؤولياتها في مواجهة وباء كورونا، وترك الضمان الاجتماعي في المواجهة، على الرغم من تقاعسها عن سداد ما يتوجب عليها لصالح الضمان على مدى سنوات.
ووفق مصادر “المدن”، فإن اللجنة الطبية الإستشارية العليا التابعة للضمان، من غير المتوقع أن تنجز الدراسات ورفع اقتراحات إلى الإدارة، والتوصل إلى حلول في وقت قصير. فهي غالباً ما تستهلك أشهراً طويلة وربما سنوات. وإلى ذلك الحين، سيبقى مرضى الضمان الإجتماعي يتكبدون فارق فواتيرهم بمبالغ قد تلحق بهم الأذى أكثر من المرض نفسه.