لا ثمن أميركيا للبنان مقابل المفاوضات مع إسرائيل* سوسن مهنا

مصدر: الظروف الداخلية في بيروت وتل أبيب لا تسمح بعقد اتفاقية سلام بينهما

النشرة الدولية –

أتى إعلان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن “اتفاق الإطار” ليحرك مياه السياسة الراكدة في البلاد، وقد تكون خطوة الإعلان بحد ذاتها في إطار دفع عملية تشكيل الحكومة، إذ قال في آخر لقاء إعلامي له، بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل “هي خطوة ضرورية، لكنها ليست كافية. يجب أن تواكب بتشكيل حكومة بأسرع وقت، حكومة قادرة على التمكن من إنقاذ البلد مما يتخبط به من أزمات وتنفيذ ما ورد في إعلان اتفاق الإطار بحرفيته، فاتفاق الإطار هو اتفاق لرسم الحدود لا أكثر ولا أقل، وكفى بيعاً للمياه في حارة السقايين”.

وكان بري قد أعلن بنفسه أن دوره في هذا الملف قد انتهى، وبهذا يكون ملف التفاوض قد انتقل من يده إلى يد رئيس الجمهورية ميشال عون، وهذا ما عمل عليه الأميركيون منذ وقت ليس قصيراً. هذه الخطوة لا يمكن أن تحصل دون موافقة “حزب الله”، وهي ما تعتبره الولايات المتحدة انتصاراً صغيراً لها وتنازلاً كبيراً من قبل “الحزب”، علماً بأن أميركا أوحت للبنان صراحة ألا ثمن أميركياً مقابل لهذه الخطوة التفاوضية ولا جوائز ترضية، بل ينقل عن ديفيد هيل قوله لـ”بري”: “أنتم اقترحتم، ونحن نقلنا الاقتراح لإسرائيل وننتظر جوابها، وهذا كل ما لدينا”.

موافقة ضمنية لـ”حزب الله” لاستئناف المفاوضات

هذا ما يتوافق مع ما أعلن عنه الإعلام الإسرائيلي منذ أسبوع، وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” قد ذكرت أن المتحدث باسم وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أكد يوم الجمعة الموافق 25 سبتمبر (أيلول)، أن إسرائيل ولبنان توصلا إلى اتفاق لإجراء مفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بعد مراوحة دامت لسنوات. ومن المتوقع أن تنطلق المباحثات منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد “عيد العرش” (أو عيد المظلة الذي يحتفل به اليهود إحياءً لذكرى خيمة السعف التي لجأوا إليها أثناء خروجهم من مصر بحسب التوراة) في الناقورة، حيث مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان. وسيحضر المفاوضات، إلى جانب ضباط من قوات اليونيفيل، ممثل عن الإدارة الأميركية، ومن المحتمل أن يكون مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، ومن الجانب اللبناني رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومسؤولون من مكتب عون.

وأطلع شينكر كلاً من شتاينتز ووزير الخارجية الإسرائيلية غابي أشكينازي على اتفاق بدء الجولة الأولى من المفاوضات، ونصت الصيغة الجديدة على أن تقوم الولايات المتحدة بالوساطة بين البلدين في ظل متابعة الأمم المتحدة، في حين كان مطلب لبنان توسط كل من الأميركيين والأمم المتحدة في المباحثات.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قد أعلنت عن قرب إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة، ولم يتحدث تقرير الصحيفة عن “مفاوضات مباشرة”، إلا أنه اعتبر أن المفاوضات وإن لم تكن مباشرة، لكنها “تشير إلى نوع من التقارب بين الجانبين”، وأشار إلى أنهم “في إسرائيل يخشون أن يستخدم حزب الله حق النقض على بدء التفاوض، وإن كان يتعذر في الأساس الاتفاق على مباشرة الجولة الأولى من دون موافقة حزب الله”.

وبحسب تقرير سابق لصحيفة “هاآرتس” نقلت عن لسان مصدر رفيع، ترحيبه لإمكان التوصل إلى اتفاق يتيح للبنان استخراج موارده الغازية، وكشفت أن الولايات المتحدة “تأمل أن يتسبب التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بفتح مسارات تفاوض أخرى بين الدولتين (سياسية وأمنية واقتصادية)، إلى جانب الحملة الأميركية الإسرائيلية المشتركة الهادفة إلى إضعاف قوة حزب الله سياسياً”.

 ترابط الترسيم البري والبحري

كانت المفاوضات قد توقفت عند نقطة طرحها الجانب اللبناني، تتمثل في ترابط الترسيم البري والبحري برعاية الأمم المتحدة، التي تترأس الاجتماعات وبحضور أميركي، وعلى عمل اللجان في البر والبحر بالآلية بالوقت نفسه، حتى يجري التوصل إلى ترسيم نهائي للحدود، علماً بأن هذه المفاوضات ليست سياسية، وإنما تهدف إلى تثبيت ترسيم الحدود البرية والبحرية. ورغم أنه لا يوجد علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، فإن ذلك لم يمنعهما من التفاوض غير المباشر حول الحدود البحرية، ولكن تعقد الأمر بسبب الخلاف على حدودهما البرية، نظراً للنزاع الذي ظهر عند النقطة الحدودية الأقرب إلى الساحل “رأس الناقورة” بالعربية وروش هنيكرة بالعبرية، وهي منطقة ممكن قياسها ببضعة أمتار. وما ورد في خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله الأخير، يأتي في هذا السياق، حيث قال “على الحدود الجنوبية ما زال جيش العدو الإسرائيلي في أعلى حالة من الاستنفار والاختباء والحذر الشديد والانتباه”. وأضاف “قرارنا بالرد ما زال مستمراً، وسنرى ما الذي سيحصل في الأيام والأسابيع المقبلة على الحدود مع فلسطين المحتلة”.

“خط هوف” المنطقة المتنازع عليها

وأشار تقرير لـ”القناة 12″ الإسرائيلية إلى أنه لا يوجد حتى الآن ملخص نهائي بشأن انطلاق المباحثات حول وضع العلامات النهائية للحدود البرية، حيث لا تزال هناك بعض الخلافات حول مسار العلامة الزرقاء، لافتاً إلى أن “الخلاف بين إسرائيل ولبنان يدور على مساحة تبلغ نحو 860 كيلو متراً مربعاً في البحر المتوسط”. وفي عام 2018 وقع لبنان أول عقد للتنقيب عن النفط والغاز في مياهه بما في ذلك رقعة رقم 9، وهي موضع نزاع مع إسرائيل عام 2012، وقدمت الولايات المتحدة الأميركية مشروع تسوية عبر موفدها فريدريك هوف لحل النزاع البحري مع إسرائيل، يقضي بتقاسم المنطقة التي تدعي إسرائيل أنها متنازع عليها برسم خط، عرف في حينه بخط هوف، يعطي لبنان نحو 500 كم مربع، وإسرائيل نحو 360 كم مربعاً من أصل كامل مساحة الـ860 كيلو متراً مربعاً “المتنازع” عليها، لكن لبنان يريد ترسيماً وتثبيتاً لحقوقه كما هي ولا يريد تسوية، لا في البر، ولا في البحر، فحسب الجانب اللبناني فإن إسرائيل استغلت عام 2010، ثغرة في اتفاقية بين لبنان وقبرص لناحية ترسيم حدودهما انطلاقاً من نقطة مؤقتة يمكن تعديلها لاحقاً، ورسمت حدوده مع قبرص اعتباراً من هذه النقطة المؤقتة، متعدية على الحدود اللبنانية، وهي مساحة الـ860 كيلو متراً كاملةً.

وكانت النزاعات قد بدأت عندما اكتشفت إسرائيل احتياطات بحرية كبيرة من الغاز الطبيعي، مما قد يمهد لقيام نزاعات شديدة على الحدود البرية والبحرية مستقبلاً، وتحسباً من تعرض المنشآت البحرية الإسرائيلية لخطر هجوم من قبل “حزب الله”، أعلنت إسرائيل في 10 يوليو (تموز) من عام 2011، أنها سوف ترفع دعوى للأمم المتحدة لترسيم حدودها البحرية مع لبنان، وذلك بحسب المصادر الإسرائيلية.

المياه الإقليمية و”المناطق الاقتصادية الحصرية”

لم يبدأ لبنان بعد في التنقيب عن غازه الطبيعي بالقرب من شواطئه، لكنه وافق وبحسب أكثر من مصدر على خط ملاحي مع جزيرة قبرص. وبحسب المعلومات فإن بيروت أرسلت خريطة إلى الأمم المتحدة توضح رؤيتها حول موقع الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية، وفعلت إسرائيل الشيء نفسه. ونشأ النزاع بين إسرائيل ولبنان لاعتمادهما مفاهيم مختلفة عن المعايير التي ينبغي من خلالها ترسيم حدوديهما، ذلك أن الخلافات الدولية العديدة حول حقوق الصيد والنفط البحري دفعت باتجاه التوقيع على “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”، التي تسمح بقيام “مناطق اقتصادية حصرية”.

وعلى وجه التحديد، يمكن أن تطالب الدول بحدود بحرية تمتد على 200 ميل بحري من علامة المياه المنخفضة على سواحلها، وبالنسبة للدول التي تفصلها أقل من 400 ميل بحري تعرض الاتفاقية مبادئ إضافية لترسيم حدود بحرية متفق عليها. وتوصلت إسرائيل وقبرص لمثل هذه الاتفاقية مما شجع القيام بالمزيد من التنقيبات التي أسفرت عن استكشاف كميات حديثة وكبيرة من الغاز في “المناطق الاقتصادية الحصرية” لإسرائيل، وعلى الأرجح لدى قبرص أيضاً مخزون غاز كبير في “مناطقها الاقتصادية الحصرية”.

فهل ثمة بوادر للبنان للدخول في اتفاقية كهذه؟ واقع الأمر أنه لم يرد أي تصريح من المسؤولين على ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قرب البت باتفاقية الحدود؟ لكن هل أعطى “حزب الله” موافقة ضمنية على هذه الخطوة؟ وهل ما زال لبنان قادراً على اللحاق بالدول النفطية والدخول إلى منظمة منتدى غاز شرق المتوسط؟ وما انعكاسات التوقيع على الاتفاقية من عدمه؟ وما اتفاق الإطار؟

الظروف الداخلية في لبنان وإسرائيل لا تسمح بعقد اتفاقية سلام

لا يعتقد الرئيس السابق لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عصام خليفة في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن “الظروف الداخلية في لبنان وإسرائيل والإقليمية والدولية تسمح بالقول إن خطوة ترسيم الحدود البرية والبحرية هي مدخل لعقد اتفاقية سلام بين الجانبين، لأن السلام بحاجة إلى شروط كثيرة لم تتوفر حتى الآن”.

ويشير إلى أنه “لم ينشر محضر رسمي عن المفاوضات التي جرت بين المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين بواسطة الأميركيين وغيرهم، ولكن المفاوضات حتى الآن كانت ترتكز على إطار ومنطلقات للتفاوض، وهذا ما عبر عنه نبيه بري في مؤتمره الصحافي”.

ويرى خليفة أن الوضع الداخلي في لبنان (الأزمة المالية والاقتصادية والحكومية) لا يسمح للبنان بالدخول بتفاصيل المفاوضات مع إسرائيل ولو بشكل غير مباشر. ويعتقد أن المسؤولين اللبنانيين بالتفاهم الضمني مع حزب الله اتفقوا على الدخول في التفاوض لاعتقادهم أن ذلك ربما قد يخفف من الضغوط الأميركية على لبنان.

ويشير الأستاذ الجامعي، إلى أن حزب الله منح الموافقة الضمنية لخطوة التفاوض، وإلا لما أقدم بري على إعلان ما أعلنه، لكن من المحتمل ألا يبت بسرعة بهذه المفاوضات وأن تأخذ وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنوات عديدة. والأرجح أن ترتبط بالعلاقات الدولية (الصراع الأميركي الإيراني) وبتطور الأوضاع في سوريا والمشرق العربي والقضية الفلسطينية.

وعن قدرة لبنان باللحاق بالدول النفطية، يقول “إنه مع الأسف هناك خلل كبير في إدارة السلطات اللبنانية لملف النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ويمكن اختصار هذا الخلل بالنقاط التالية:

– إعطاء قبرص مساحة أكبر مما يسمح القانون الدولي بها.

– الخطأ الذي ارتكبته اللجنة اللبنانية السابقة في (النقطة رقم 1)، وهذا الأمر استفادت منه إسرائيل لكن الجيش حسن وضع المفاوض اللبناني.

ويعتقد أن السياسة النفطية المتبعة حتى اليوم يشوبها الكثير من الخلل، بخاصة صدور مرسوم 43 النقيض لقانون النفط، والتقاعس في تهيئة مصافي النفط في طرابلس والزهراني للمرحلة القادمة. ويفرض الصراع الإقليمي والدولي حول الثروة النفطية على السلطات اللبنانية عمق الاطلاع والحكمة والعمل على التعامل مع مصالح الدول الكبرى بما يتفق مع مصلحة الدولة اللبنانية.

ويقول عن اتفاقية الإطار، إنها مدخل للتفاوض، والمرحلة المقبلة هي المرحلة الأصعب، ويبدو أن الإدارة الأميركية كانت تضغط بقوة على لبنان لبدء التفاوض. وقد تمكن لبنان من أن تكون هذه المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة وبحضور فاعل أميركي، لكن خليفة، كان يفضل أن يذكر تثبيت ترسيم الحدود على قاعدة اتفاق “بوليه – نيوكومب”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button