رواية «عدوى الحب والموت» لحسين العموش.. فلسفة الرؤية ودهشة المفاجآت
النشرة الدولية –
أ. د. خليل الرفوع/ أستاذ الأدب العربي بجامعة مؤتة
رواية «عدوى الحب والموت» للدكتور حسين العموش، الصادرة هذا العام 2020م، تقدم رؤية وطنية تلملم تفاصيل الأحداث في ذروة تسارع وباء الكورونا في الأردن وفلسطين والعالم ، وتُختصَرُ فكرة الرواية بحالة حب تربط بين الطالبة الأردنية سمر التي تدرس الطب في مستوى السنة الخامسة وبين المهندس سامي الفلسطيني الذي تخرج في الجامعة نفسها (الأردنية) واستقر في بلدته أستيا التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس، وفي سلسلة من الأحداث المتتالية التي تدهش القارئ بمفاجآت غير متوقعة تنتهي الرواية نهاية مفتوحة على احتمالات سيشارك القارئ بوضع تصور ختامي يتماهى مع رؤية الكاتب أولا وطبيعة غرائبية الأحداث ثانيا.
كان سامي البطل هو المسؤول عن إصابة سمر بفيروس الكورونا من خلال توظيف الدكتور علي أستاذ سمر في الطب، وكانت غَيرَة سامي تقتضي أن يصيب عليا – الذي نشأت بينه وبين طالبته سمر علاقة عاطفية متبادلة – بالكورونا من خلال إرسال مبلغ مالي ورقي له ملغم بالفيروس؛ لكن عليا يعطي المبلغ لسمر لحاجتها إليه دون أن تطلبه، ومن هذه اللحظة المستفزة تتعقد أحداث الرواية، لتبدأ الشكوك بوطنية سامي وحبه لسمر خطيبته، على الرغم أن سامي من عائلة مناضلة؛ فقد استشهد أربعة إخوة له وقد كان هو حافظا للقرآن الكريم بقراءاته السبع وتُكَّنى والدته بأم الشهداء، وكان يهدف إلى نشر الفايروس في الكيان الصهيوني بمساعدة صديقه عبدالهادي من خلال نشر آلاف الدولارات بين المحتلين الصهاينة، والحق أنني بثثتُ محورية الفكرة لألج إلى مدارات النص مسجلا على هوامشه الآتي:
أولا: عنوان الرواية يختصر الحكاية كلها دون أن ينبئ القارئ بدءا بدلالاته، فهو عنوان شاعري قد يفضي إلى تأويلات غير التي سُطّرت في الرواية، عنوان شاعري اللغة والتأوبل، يحمل ثنائية كبرى هي الحب والموت وفي كليهما حياة لكل عاشق محب ومناضل وطني، وما يجمع بينهما العدوى التي فتكت بالحب طوال أحداث الرواية لكنها لم تمته، وهنا كان انتصار الحب نهاية درامية لبطلي الرواية سمر وسامي، وبانتصارهما على الموت كان الوطن منتصرا، ولم يمت في الرواية إلا عبدالهادي صديق سامي على أيدي المحتل الصهيوني لكن مؤته كان حياة أبدية له وتضحية في سبيل الوطن. والعدوى حينما توجه للآخر المعتدي تكون وسيلة نضال أكان عليًّا الطارئ والمعتدي على قداسة الحب أم كان الكيان الصهيوني الطارئ والمعتدي على قداسة فلسطين، ألا يستحقان الموت بالعدوى في زمن الكورونا، أليست العدوى سلاحا مشروعا كغيره من حيث فلسفة الفكرة ومشروعيتها.
ثانيا: لقد بث الكاتب رؤاه الفكرية الفلسفية التي تنبثق من مخزون وطني في النضال ضد محتل غاصب، إنها رؤى يحمّلها شخصيات الرواية إن كان من خلال سرد الكاتب الذي تخمر في وعيه قضية الصراع فكريا وسلوكيا، أو من خلال الشخصيات المتضادة مصلحيا وزمانيا ومكانيا لكنها متوافقة ضد عدو مغتصب، ولا بأس من الإشارة إلى تكامل الجغرافيا والتاريخ والدين وتوحدها جميعا في الإنسان أكان هنا في الأردن أم في فلسطين، هذا التوحد يتجلى في اللغة الدارجة وفي قداسة الشهادة وحتى بين المسؤولين وقبل ذلك وبعده ألم يجمعنا هناك في فلسطين اختلاط دماء الشهداء والثأر المقدس لهم.
ثالثا: العمق الفلسفي الثقافي للكاتب الذي بدأ به السرد، فكان مطلع الرواية – وهو جزء منها – يعبر عن موقف الكاتب وموقعه وتأملاته في الحياة ببعديها الفلسفي الجدلي والأدبي الجمالي ، فالحب موت صغير كما يقول ابن عربي، والروائيون الحالمون هم الذين يصنعون وطنا كما يقول الكاتب، وكلتا العبارتين صحيح، لقد استطاع الكاتب من خلال ذلك السرد الفلسفي الأدبي أن يمنطق تصوره نحو تناقضات النفس والواقع والآخر، ولعل ذلك التأمل الوجودي الجدلي كان محفزا منطقيا لكتابة الرواية وتتبع مساراتها وغرائبية أحداثها، ثم إن ثقافة الكاتب الأدبية من خلال تمثل روايات ودواوين شعر ومطالعات في الفلسفة كانت الريح التي تزيح تراكمات الرماد عن جمر الكلمة قبل انطلاقتها شررًا فنيًّا، وقد كان لبطلي الرواية وفاطمة عمة سمر نصيبٌ متأتٍ من ثقافة الكاتب، فشعر نزار قباني ومحمود درويش على لساني سمر وسامي وحديث فاطمة عن تاريخ المرأة الأردنية إحدى تجليات المخزون الثقافي الديناميكي للكاتب، لكنه تموقع في اللحظة الحوارية المناسبة.
رابعا: زمن الكورونا هو الحاضن للأحداث، وقد استطاع الكاتب تسجيل أغلب معطيات هذا الوباء في الأردن، وكانت تلك المعطيات متساوقة لا يمكن فصلها عن صيرورة الرواية، لكن المبالغة في تسجيل تفاصيل أيام الكورونا وتدخل الكاتب في التحليل النقدي أسهم في بطء أو توقف البناء الدرامي، وقد يعذر الكاتب أن الرواية مفتوحة على فضاءات زمنية ومكانية ممتدة لم يَر أو يسمع أهلوها ما رأيناه وسمعناه، لكن على الرغم من سداد هذا الرأي إلا إن الأدب ليس تأريخا وإن تداخلا.
خامسا: استطاع الكاتب أن ينقل للقارئ مستبطَنات الشخصيات عبر مفردات لغوية تجمع بين الدلالة الفلسفية والإيحائية، ويظهر ذلك من خلال نقل آرائه مباشرة أو التدخل في تفاصيل مشاعر الشخصيات الأخرى، لكن كل شيء كان مستقلا له طابعه الخاص وفي رأيي أن مجموع الآراء كانت تعبر عن الشخصية المطلقة وهي شخصية الكاتب السارد ، أي أن الجميع في خدمة الفكرة النبيلة أقصد فكرة النضال المقدس حتى الشهادة.
سادسا: تسارع النقلات الدرامية في حركيتها العمودية حينما تبتعد عن تفاصيل الكورونا كان مدهشا، ومما زاد في التوتير الاستفزازي للمتابعة هو فجائية الموقف، فالقارئ مهما بلغ من مخيال مستنفَر لا يتوقع غرائبية الآتي حتى اللحظة الأخيرة، وهذا يعد فارقا جماليا في العمل الروائي فلا يمل القارئ بل يشارك في النقد والاستغراب والاندغام العاطفي والرؤيوي وصولا إلى نجاح الكاتب في التأثير في المتلقي ليتواصل مع الرواية بعد الانتهاء منها فتبقى عالقة في الذهن مستفزة.
سابعا: توافر عناصر العمل الفني في الرواية جعلها تنساب في عقل القارئ سلسة خفيفة فلا تعقيد فلسفي ولا تناقض منطقي ولا تكلف لغوي ولا تصنع خيالي، فاللغة بلا تأويلات إيحائية تبعدها عن السياق، والتصوير الفني يعتمد على ثقافة الشخصية نفسها ، بيد أن التصوير السردي حينما يكون بلغة الكاتب يظهر أكثر جمالا مثل تصوير الأمكنة والتعبير عن المشاعر، وتبقى حركية الأحداث أهم ما يميز العمل الروائي، فكل صغير وكبير يتحرك، كما هي الحياة فأي توقف هو موت، وما العمل الفني إلا بناء يمور بالحياة، وللصراع الجوّاني والبرّاني أثره في إبقاء الحياة. وبعد، فهذه مطالعات أحسب أنها تقدم عملا فنيا مفتوحا على مدارات النقد، يستحق تأملا أثناء القراءة وبعدها، فهي رواية مستفزة بتوافر عناصر الدهشة تفاجئ القارئ ولا تتركه حتى يكملها، ولا تدعه حتى بعد ذلك بل تجعله متفاعلا في وضع نهاية غير متوقعة كما هي نهايات كل فصل فيها، ورواية عدوى الحب والموت من قبلُ ومن بعدُ عمل أدبي أردني يستحق أن يكون وساما على منصة الأدب العربي.