فرص المصالحة مع الإخوان* تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

بغض النظر عن صحة وجدية جماعة الإخوان المسلمين في عقد مصالحات سياسية، وبغض النظر عن توافر مناخ مواتٍ لمثل هذه المصالحة، فإن مجرد تسريب هذه المسألة إعلاميًّا، يشير إلى أن هذه الجماعة، أخذت تفقد بشكل واضح مكانها، وتأثيرها كحركة معارضة سياسية، لا في مهدها في مصر فقط، بل في دول وأماكن أخرى، كان لها فيها وجود تاريخي مثل: الأردن، وتونس، والكويت، أو دول كان لها فيها حلفاء ومراكز دعم وإيواء، مثل: السعودية، ودول خليجية أخرى.

ويبدو أن هذا التطور، يعبر عن فشل خطاب المظلومية، أو الشرعية ”المغدورة“، الذي حاولت الجماعة من خلاله استعادة دورها في الحياة السياسية، التي خرجت فعليًّا منها بعد المحاولة الفاشلة، للاستئثار بالسلطة في مصر عام 2013، وبعد الفشل – تاليا، ولبضع سنوات – في استنهاض الأتباع، وحشد الأنصار، واستعادة التأثير في الشارع.

ومع أن المواجهة بين الجماعة والدولة المصرية، كانت هي السبب المباشر لانتكاسة الجماعة، إلا أن هذه الانتكاسة ـ في الواقع ـ جاءت حصيلة عوامل عديدة أخرى، شكلت في مجملها الصورة الكاملة للأزمة التنظيمية والفكرية والسياسية التي تواجهها الجماعة منذ سنوات، والتي قد تطيح بها نهائيًّا في خاتمة المطاف.

والعامل الأول والواضح، الذي أصاب الحركة في مقتل، والذي يعد من الأسباب التي تعيق أي مسعى للمصالحة، هو فقدان المصداقية. إذ باتت الحركة في خصومة مع كل الذين تحالفوا معها قبل وبعد ثورة الـ25 من يناير. إذ أظهرت الجماعة، في ذلك الوقت، جشعا للاستئثار بالسلطة، ومنعت بإصرار، غير معهود في تجارب الثورات الشعبية، أي تقاسم مع قوى كانت لها المبادرة في الثورة، أو الدور البارز فيها.

بل إن محاولة الانفراد بالسلطة، لم تقتصر آثارها على القوى السياسية، التي أفرزتها تلك المرحلة، بل شملت -أيضًا- تياراتٍ دينيةً عديدةً، برزت على هامش تلك الثورة، وكان لها خطاب ديني مختلف عن خطاب الجماعة؛ ما أدخل الحركة في خلافات حزبية وفكرية، جعلتها محاطة بخصوم من كل لون، ومن كل صنف.

أما العامل الثاني المهم، الذي يقف حجر عثرة أمام التفاهم مع الجماعة، فهو اتساع نطاق المواجهة معها بعد تحلل الارتباط بينها وبين القوى الدينية في منطقة الخليج.

فقد أدى استعجال الحركة  ـ عندما وصلت للسلطةـ لتفعيل ارتباطها التاريخي بالتيارات الدينية المختلفة في الخليج، إلى ظهور مخاطر ومحاذير على توجه الجماعة لتقويض الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة. وهو ما أثار حفيظة دول، لطالما تعاملت مع الجماعة كحركة دينية وسطية؛ لتكتشف لاحقًا أن هذه الجماعة تخفي وراء الصورة الظاهرة مشروعًا متطرفًا يستهدف زعزعة أنظمة، والسيطرة على موارد وإمكانيات، يُحدِث توظيفها بمشروعات وأجندات سياسية، تغييرًا هائلًا في المنطقة، ويسبب نوعًا من الاستفزاز، لقوى إقليمية ودولية قد لا تكون المنطقة مستعدة له.

وتَرافق مع هذا تراجع مكانة الحركات الدينية والجهادية في أفغانستان والعراق وسوريا، وظهور موجة من الانتقادات لدور تلك التيارات خلال الفترة الماضية، وصولًا إلى دعوات لمراجعة الدور الذي تلعبه حركة الإخوان، التي كان ينظر إليها على أنها بمثابة التربة التي نبتت، وأينعت فيها معظم الحركات الدينية المتطرفة.

ومن العوامل التي أثرت على مكانة، وأهمية الجماعة، هو تحلل الخطاب الديني بعد موجة الفتاوى السخيفة، أو ازدواجيتها، وتأسيسها على مقاس الأجندة الحزبية، أو الأهداف السياسية. وإذا أضيف إلى هذا العامل تفاقم الخلافات المذهبية، سنجد أن الحركة باتت منشغلة لا بالدفاع عن مواقف سياسية فقط، بل عن طروحات فكرية مرتبطة بهذه المواقف.

بعد ذلك كله، سنجد أن العزلة التي أخذت تعيشها الدول، والأنظمة السياسية التي دعمت الإخوان وجندتهم كجزء من مشروعها في المنطقة وبالأخص قطر وتركيا، باتت تلقي بظلالها على علاقة هذه الدول بالجماعة، وباتت تظهر بوادر مواجهات قد تعيد تشكيل العلاقة القائمة مع الحركة، والتي قد تضطر الجماعة للبحث عن ملاذ جديد.

فوق هذا وذاك فإن حركة الإخوان التي عملت كرأس حربة، تتقاطع وتتلاقى مصالحها، مع مصالح الغرب، في مواجهة التيارات القومية واليسارية، وجدت نفسها تفقد هذه المظلة بعد تراجع حدة الحرب الباردة، ووجود مصلحة مشتركة بين القوى الدولية المتنافسة، لتحجيم الدور المتطرف الذي تلعبه القوى الدينية، بتنويعاتها المختلفة.

في ضوء ذلك كله لا يبدو أن هناك فرصة حقيقية للمصالحة مع جماعة الإخوان. فما هو مطلوب منها اليوم، هو الإقرار بهزيمة تاريخية تخرجها من المشهد السياسي بشكل كامل، وبما يتجاوز فكرة تعديل الخطاب السياسي، الذي كان مطلبا في مرحلة من المراحل، باعتباره الحد الأدنى الذي يحفظ للجماعة وجودها وبقاءها.

لكن حسب كل المعطيات المحيطة بفكرة المصالحة، فإنه حتى هذا الحد، لم يعد مقبولًا، أو كافيًا، لطي صفحة خلاف تسبب في الماضي بأزمات سياسية واقتصادية، واجتماعية وتشوهات فكرية، قد نحتاج في المستقبل إلى عقود للخروج منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى