24 تريليون ليرة لبنانية من النقد في الأسواق… والخطر في تسارع التضخم
النشرة الدولية –
“لبنان 24″ – هتاف دهام –
بين التعميم رقم 573 الذي فرض مصرف لبنان بموجبه على الشركات المستوردة سداد المبالغ المتوجبة عليها للمصرف بالليرة اللبنانية نقداً، وليس بموجب شيكات مصرفية أو حوالات، وبين قرار تحديد سقوف السحوبات النقدية بالليرة، رغم تراجع المصارف عنه أدخل التعاطي المالي والنقدي في متاهات التعاميم والقرارات التي سرعان ما يتلقفها التجار الحريصون على جني المزيد من الارباح في ظل التفاوت في سعر الصرف بين المصارف والسوق السوداء، وفق ما يخدم سياساتهم الاحتكارية وجشعهم، ليتحمل المواطن في المقابل نتيجة ما ” لا ناقة له ولا جمل ” فيه ويستمر في المعاناة من جراء تخبط سلطة فاقدة للوعي لا تسعى عن قصدرلايجاد معالجة جذرية للواقع المالي والاقتصادي، وجشع التجار الذي لا يقل فسادا عن فساد بعض مكونات السلطة الحاكمة.
وهناك ما يُقارب الـ 24 تريليون ليرة نقد بين أيدي التجار والناس، وهذا الرقم يُسبب بالتضخم المفرط حيث أن مؤشر الأسعار الذي تُصدره إدارة الإحصاء المركزي سجّل 240 نقطة بعدما كان بحدود الـ 100 قبل عام. وبالتالي فإن هدف تعميم الحاكم المركزي رقم 573 الذي هو موجّه للمصارف ويطال حساباتهم وليس حسابات الزبائن، أتى، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور جاسم عجاقة لـ”لبنان24″، بعدما تضاعف سحب المصارف لليرة اللبنانية من حساباتهم في المصرف المركزي. فالمعدّل الوسطي الذي سجلته هذه السحوبات كان 2 تريليون في الأشهر الماضية، إلا أن وتيرة السحب إرتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ولذلك، تمّ وضع سقف لهذه المصارف تفاديًا لتسارع التضخّم بشكل كبير يؤدّي إلى الإنهيار. الجدير ذكره أن هذا الإجراء منصوص عليه في مسودّة مشروع الكابيتال كنترول والذي ينتظر إقراره من قبل المجلس النيابي.
اذاً المصارف عمليًا لم تتلقّف هذا التعميم بإيجابية بل على العكس، قامت بعكس مفاعيله على المودعين حيث قامت بوضع سقف لموديعيها الامر الذي خلق الذعر لدى المواطنين والتجار، حيث قام هؤلاء (التجار) ببدء عملية رهن للمواطن من خلال رفض البيع على البطاقة أو بواسطة الشيك المصرفي وهو ما يعكس ضعف الرقابة لأن القانون لا يسمح لهم برفض وسائل الدفع الصادرة عن المصارف إلا في حال وجود عوائق تقنية (مثل عدم وجود آلة لقبول البطاقات المصرفية)، يقول عجاقة. أيضًا وعلى صعيد أخر، أصدر مصرف لبنان تعميمًا يطلب فيه من المصارف شرطًا إضافيًا لكل تاجر يُريد شراء دولارات بهدف الإستيراد المدعوم وهو أن يؤمّن التاجر نقدًا المبلغ بالليرة اللبنانية، وهذا يسمّح بسحب قسم لا يُستهان به من الليرة اللبنانية الموجودة في السوق مما يُساعد في لجم التضخّم وتراجع سعر صرف الليرة في السوق السوداء.
ولذلك، فإن قرار تحديد سقف للسحوبات النقدية ، وفق عجاقة، هو قرار يطال المصارف بحسب التعميم، إلا أنها عكسته على المودعين بهدف الضغط على مصرف لبنان للتراجع عن التعميم. وعلى الرغم من تراجع جمعية المصارف عن قرارها وضع سقف على حسابات المودعين، إلا أن بعض المصارف تضع فعليًا سقفا وذلك من خلال حجّة عدم وجود “ليرات” لديها. هذا الأمر سيؤدّي إلى تنامي الإقتصاد غير الرسمي (تهرّب من الضرائب لصالح خزينة الدولة) إلا إذا قبل المواطنون عدم مجاراة التجار في لعبة النقد.
على كل الأحوال، فإن عدم مجاراة المواطنين التي ظهرت في اللحظات الأولى من صدور قرار جمعية المصارف وضع سقف للسحوبات، أدى من دون أدنى شك إلى خلك أسواق موازية منها التجارة بالشيك المصرفي بالليرة اللبنانية وبدأ البعض يراهن على تحقيق أرباح من خلال الإستناد على مخاوف المودعين وإقناعهم بأن قيمة الليرة في حسابهم المصرفي أقلّ من قيمة الليرة النقدية، يؤكد عجاقة. والجدير ذكره أن هذه الممارسات تُعتبر مضاربة على الليرة اللبنانية وهي مخالفة للقوانين المرعية الإجراء.
وليس بعيدا، يشرح عجاقة “ممارسات التجار الربحية”، حيث يقوم مُعظمهم بممارسات مخالفة للقوانين من خلال شرائهم الدولار على سعر الـ 1500 أو 4000 من مصرف لبنان ويبيعونه بسعر السوق (بحدود 7500 إلى 8000 ليرة) وهذا يعني أن كل 1500ليرة تُحقّق ربحا غير شرعي للتاجر بضعفين إلى خمسة أضعاف حجم أعمالهم بالليرة اللبنانية (هذا أحد أهم أسباب التضخّم). وبما أن هذه التبادلات الإقتصادية تتمّ نقدًا، فإن معظم هذه الأرباح لا يتمّ دفع ضرائب عليها. وعليه، فإن أي تاجر لا يقبل بوسيلة الدفع بواسطة البطاقة المصرفية أو الشيك المصرفي هو بأغلب الظنّ يُحاول التهرب من الضرائب لأن الأنظمة المحاسبية لديه ما تزال على سعر الـ 1500 ليرة، الامر الذي يستوجب من المعنيين ملاحقة كل تاجر يرفض التعامل بوسائل الدفع لأن المواطن أصبح رهينة المصارف من جهة والتجار من جهة أخرى وهو أمر مرفوض شكلًا ومضمونًا.
يبقى أن المصارف لا يحق لها وقف سحب النقد على الكنتوار! هذا الأمر مُسلّم به، يقول عجاقة، لكن القابت أن التوجّه إلى النقد يعكس إنعدام الثقة بالقطاع المصرفي وبأجهزة الرقابة. وبالتالي فإن السلوك الإستهلاكي يدفع المواطن إلى تفضيل مصلحته وتسيير أموره من خلال اللجوء إلى النقد (رفض التجار قبول البطاقات مثلًا). لكن التجار لديهم هدف أخر وهو تعظيم أرباحهم من خلال الأرباح غير الخاضعة للضرائب وهو ما يُبرّر عدم قبولهم الدفع إلا نقدًا.
24 تريليون ليرة لبنانية من النقد في الأسواق؛ رقم هائل نسبة لحجم الإقتصاد اللبناني! فمع مَن تتواجد هذه المبالغ؟ فلعبة النقد لعبة خطرة لأن الجميع سيدفع الثمن من خلال إرتفاع الأسعار وإنهيار الليرة.