وداعًا للتدقيق الجنائي.. صيت إصلاحي وهمي
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
ليس تفصيلًا إعلان عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ابراهيم كنعان أنّ “العقد مع شركة التدقيق الجنائي غير قابل للتطبيق” لتعارضه مع القوانين اللبنانية، وغمزه من قناة “جيش المستشارين والمعنيين الذين كان عليهم التنبّه لذلك”، فمنذ اليوم الأول كما يقول كنعان كان معروفًا بأنّ العقد يتعارض مع القوانين اللبنانية، ومع ذلك تمّ توقيعه وكبّدوا الدولة مليوني دولار.
انتقاد كنعان يوجّه إلى الجميع، جميع من شاركوا في توقيع العقد، بما فيهم الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، والذي لم يترك مناسبة وإلّا وكرّر خلالها، أنّ التدقيق الجنائي فعل إصلاحي. وبالتالي كان من البديهي أن يلفت كنعان نظر فريق “العهد القوي” إلى أنّ العقد دونه ثغرات قانونية، ليصار إلى تصويبها قبل التوقيع، في ظلّ حكومة كان لهم فيها ممثلون لا بأس بعددهم. صحيح أنّ التكتل قدّم اقتراح قانون لرفع السريّة المصرفية، ولكن المسألة أبعد من البعد القانوني، وتتعلق باقتصار عقد التدقيق على حسابات المصرف المركزي، من دون أن تشمل الوزارات الدسمة التي أهدرت الأموال المحوّلة من المركزي إلى دهاليزها.
السؤال البديهي كيف توقّعون عقدًا غير قابل للتطبيق مقابل مليوني دولار؟ أكنتم تجهلون أنّ في لبنان قانونًا ذائع الصيت يدعى “السرية المصرفية”؟ هل إنتهى التقيق قبل أن يبدأ؟ وماذا عن الأموال التي تقاضتها شركة Alvarez & Marsal؟
الأهداف السياسية
وفق رؤية الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية والقانون الدستوري المحامي رئيف خوري، ما نشهده من تجاذب حيال التدقيق الجنائي مردّه إلى أنّ الطبقة السياسية لا تريده، كونه يفتح الأبواب على ارتكابات وتجاوزات لا تقتصر فقط على مصرف لبنان، بل تطال مجموعة من المصارف، وكلّها لها علاقات سياسية، كما ويفتح الأبواب على التدقيق بوزارات جمّة، في مقدّمها المال ومن ثمّ الأشغال الطاقة والصحة وغيرها. في حديثه لـ “لبنان 24” يضيف خوري “من هنا امتنعت المنظومة الحاكمة عن اللجوء إليه طيلة السنوات الماضية، وعندما فُرض عليها حاولت تفريغه من مضمونه. وليس أدلّ على ذلك سوى استبعاد شركة kroll المتخصّصة بالتدقيق التشريحي، بطلب مباشر من الوزير غازي وزني إلى مجمل الوزراء، بذريعة علاقتها بإسرائيل، علمًا أنّ شركات التدقيق في العالم أجمع، لديها مثل هذه العلاقات. أمّا حجّة الخوف من نقل المعلومات إلى الخارج فليست في محلّها، خصوصًا أنّ داتا المعلومات في أكثر من شأن متاحة ومسرّبة، كما أنّ اسرائيل تخرق شبكة الاتصالات وتقوم بإرسال الرسائل التي تريد، وبالتالي الهدف ليس حماية المعلومات، لاسيّما أنّ الشركة المستبعدة كانت وصلت إلى نتائج في بلدان كثيرة، منها موزابيق، وكشفت الارتباط بين الطبقة الحاكمة وهدر المال العام.
أمّا شركة Alvarez & Marsal فليست متخصّصة بالتدقيق الجنائي، ومع ذلك وضعوا لها ضوابط، كأن يقتصر التدقيق على مصرف لبنان ولا يتوسع ليشمل وزارة المال وقطاع الكهرباء والمياه وبلدية بيروت ومجالس الإنماء والأعمار والجنوب والمهجرين ومطار بيروت والمرفأ وغيرها، وبالتالي مجرد حصرها بمصرف لبنان يعني أنّ الأهداف سياسية، وليست معرفة مكامن الهدر والارتكابات. فضلًا عن ثغرات في العقد لمصلحة الشركة، منها أنّه عندما تصطدم بأيّ عقبة تحزم حقائبها وتغادر، مكبّدة اللبنانيين المزيد من الأموال”.
ماذا عن تناقض العقد مع القوانين اللبنانية؟
يوضح خوري أنّ العقد لا يتناقض مع القوانين اللبنانية بشكل مطلق، إلّا في حالات معينة كقانون السرّية المصرفية. ولا يتعارض مع قانون النقد والتسليف، الذي يجيز للمركزي إبرام عقود مع شركات دوليّة للتدقيق في حساباته. كما أنّ مصرف لبنان سلّم وثائق، والتي امتنع عن تسليمها هي تلك التي تخرق السريّة المصرفية. ولفت الخوري “وفق المبدأ الدستوري صدر العقد مع شركة التدقيق بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وعندما يصطدم المرسوم بقانون تكون الغلبة للقانون، وبالتالي المركزي مغطّى قانونًا بنصًّ تشريعي أرفع من المرسوم”.
بأي حال التدقيق في الاموال العامة لا يسري عليها مبدأ السرية المصرفية، وهناك قوانين صادرة في مجال مكافحة الفساد تجيز التدقيق بالاموال العامة العائدة لمؤسسة كهرباء والمياه والصناديق وغيرها، كما أنّ قانون النقد والتسليف لا يمنع التدقيق في كيفية إنفاق المال العام. وبالتالي العائق الوحيد أمام العقد وفق خوري هو المتعلق بالأموال الخاصة أي أموال المودعين والمصارف والشركات والأفراء الخاضعين للسريّة المصرفية. لذلك يمكن لمصرف لبنان أنّ يصرّح عن علاقته مع المصارف إذا ارتأى، ولكن لا يحقّ له التصريح عن أموال المصارف والمودعين، كونها مشمولة بالسرية المصرفية، وإلّا يحاكم المركزي أمام المحاكم لإفشائه السرية المصرفية، ويُطالب بتعويض الضرر.
دور مفوض الحكومة
عن إدعاء البعض أن المركزي ليس فريقًا بالعقد، وهو صاحب شخصية معنوية، ولا يمكنه أن يسلّم مستندات لجهة غير متعاقد معها، كما أنّ البعض يذهب إلى اعتبار قانون نقابة المجازين يمنع ذلك، يوضح خوري “أنّ المصرف لا يسلّم الوثائق للشركة بل لمفوّض الحكومة الموجود في مصرف لبنان، الذي يمثل وزارة المال، والأخير لديه الحق في الإطلاع على أيّ وثيقة وفقًا لقانون النقد والتسليف. أمّا إذا كانت النقابة متضرّرة من المرسوم، فبإمكانها الطعن به أمام مجلس شورى الدولة خلال مهلة شهرين، الأمر نفسه ينطبق على مصرف لبنان، ويمكن للمتضرر اللجوء إلى قاضي أمور العجلة في مجلس شورى الدولة، والطلب منه إيقاف تنفيذ العقد الى حين البت بأساس المراجعة، الأمر الذي لم يحصل. بالخلاصة الغاية شريفة من التدقيق، وهو مطلب ملحّ لمعرفة كيفية هدر الاموال، أمّا نشهده فهو كلام حق يراد به باطل”.
قد تبدو مناسبة للبعض ذريعة أنّ مصرف لبنان لم يتعاون ورفض تسليم المستندات، علمًا أنّ عقدهم وُضع بهذه الصيغة كي لا يطبق، وكي يصل إلى هذه النتيجة، على الأقل هذا ما فضحه كنعان، لأنّ هدف “الأقوياء” عدم الدخول إلى دهاليز وزاراتهم وكشف كيف أنفقوا المليارات في الكهرباء وغيرها. ولكن ماذا عن الأموال التي تقاضتها الشركة؟