لبنان: الدولار الطالبي كذبة كبيرة؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
غريبة عجيبة هي المعادلات التي تحكم القوانين والتشريعات في هذا البلد، بحيث تبقى القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية حيث نشرت، على صفحات الجريدة الرسمية، لا تطبّق، وكأنّها لم تكن. هذه المعادلة أصابت قانون الدولار الطالبي، على رغم طبيعته الملحّة التي لا تحتمل الإنتظار.
القانون الذي ألزم المصارف تحويل عشرة الآف دولار للطلاب اللبنانيين الجامعيين في الخارج لمرّة واحدة، عن العام الدراسي 2020- 2021 وفق السعر الرسمي، كان قدّ أُقر في الجلسة التشريعية في الثلاثين من أيلول الماضي، بعدها أخذ رئيس الجمهورية وقته، إلى أن وقّع مرسوم القانون، ونُشر في الجريدة الرسمية في 22 تشرين الماضي. ورغم ذلك تمتنع المصارف عن تطبيقه بذريعة عدم توافر الملاءة المالية.
قد يخيل للقارىء أنّ المصارف ستمنح المبلغ هبة للطلاب اللبنانيين في الخارج، أو قرض بأحسن الأحوال، في حين أنّ كل ما يفعله القانون هو أنّه يمنح أهالي الطلاب حق تحويل المبلغ من حساباتهم في المصارف سواء كانت هذ الحسابات بالليرة أو بالدولار، أو ممن ليس لديهم حسابات وفق سعر الصرف الرسمي، ولكنّ المصارف تجاهلت مندرجات القانون، وأكملت مسار احتجاز أموال الناس، بحجة عدم توافر السيولة، وبعضها صوّب على امكانية استغلال البعض للقانون، كأن يعمد أولياء الطلاب إلى تحويل المبلغ من أكثر من مصرف.
إنطلاقًا من دور المجلس النيابي الرقابي قصدنا عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إيهاب حمادة مقدّم الإقتراح، وفي حديث لـ “لبنان 24” أكّد أنّ القانون لا يحتاج إلى مراسيم تطبيقية، كونهم في لجنة التربية النيابية، واختصارًا للوقت، ضمنوا القانون آليات تطبيقية، والمستندات التي يتوجب على الطالب تقديمها للمصارف. “ولكن حاكم مصرف لبنان لم يصدر التعميم المتعلّق بمندرجات القانون، وجمعية المصارف تحاول أن تقدّم تبريرات واهية من أجل التهرب”. أضاف حمادة “كفى للمصارف تمرّدًا على الدستور والقوانين اللبنانية. البعض يشير إلى الملاءة المالية، أين يصح هذا القول بظل الأمانات المودعة في المصارف، وأيّ رسالة تقدّمها المصارف من خلال عدم إلتزامها بالقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، وحرمان اللبنانيين من التصرف بجزء من أموالهم لغايات تعليم أولادهم”.
الوقت يمر، والطلاب لا يمكنهم الإنتظار أكثر، خصوصًا وأنّ بعضهم وصله انذار من إدارات الجامعات، بوجوب دفع الأقساط تحت طائلة طرده، وبات مصير العام الجامعي لآلاف الطلاب في خطر كبير. من هنا يقول حمادة “عدم تنفيذ القانون خلال الشهر الحالي يهدّد مصير الطلاب، وسيعود الآف الطلاب إلى لبنان، وهذه قنبلة موقوتة. نحن نتابع مع جمعية الاهالي، فهناك طلاب لم يلتحقوا بجامعاتهم بعد نتيجة عدم تطبيق القانون”.
لإلزام المصارف بالدولار الطالبي، سيتم التحرّك عبر خطّين، الأول عبارة عن تحركات على الأرض تنفّذها الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية، من خلال اعتصامات أمام مصرف لبنان والمصارف، وقد بدأت بذلك فعلًا، والثاني سيأخذ منحى نيابيًا رقابيًا وفق ما كشفه حمادة “بحيث نناقش على المستوى التشريعي الذهاب إلى وضع آليات محدّدة، كفرض عقوبات على المصارف التي لا تلتزم تطبيق مندرجات القانون”. من هنا طالب حمادة الرئيس نبيه بري “حارس التشريع بموقف يصدر عن المجلس النيابي، فلماذا نشرّع قوانين طالما لن تُطبّق”.
دور القضاء
هذا لا يعفي القضاء من القيام بواجبه، هناك قانون صادر عن مجلس النواب وهناك جهة معنية به ترفض تطبيقه، علمًا أنّ “تعاطي المصارف مع أموال المودعين وحجزها مخالف للدستور وللنظام الإقتصادي الحر الذي يكفل الملكية الفردية. وعندما أقرينا القانون كان هدفنا أن نملّك المواطن مستندًا قانونيًا أمام القضاء”.
مصرف لبنان أصدر بيانًا لفت فيه إلى أنّ تعميمه السابق بشأن الدولار الطالبي، سقط بصدور القانون الذي يحتاج برأيه إلى “آلية تنظيمية مناسبة من قبل السلطات المعنية، وأنّه “سيسعى مع وزير المالية لإجراء المقتضى بهذا الشأن في أقرب وقت”. بيان المركزي أبقى المسألة غير محسومة، لاسيّما من خلال إشارته إلى آليات تنظيمية، لم يفصح عن طبيعتها أو مداها الزمني.
من جهته يوضح حمادة أنّ نوابًا توصلوا مع حاكم المركزي رياض سلامة أثناء مناقشة القانون في اللجان ” وسمعوا إشارات ايجابية، كما أنّ رئيسة لجنة التربية النائبة بهية الحريري نقلت في إحدى الجلسات عن الحاكم قوله إنّه قادر على التطبيق وفق الشروط التي وضعها القانون، وقادر على إلزام المصارف بذلك”.
ماذا عن أعداد الطلاب الجامعيين في الخارج والكلفة المالية للقانون؟
وفق حمادة تمّ الإتفاق في لجنة التربية على إرسال رسالة إلى وزارتي التربية والخارجية بقصد إحصاء أعداد الطلاب، وأصبح هناك 4500 استمارة لدى اللجنة. “عدد الطلاب المستفيدين من أحكام القانون يتراوح بين 7 و10 الآف طالب. كما أنّنا في مرحلة دراسة اقتراح القانون، ومراعاة منّا للواقع المالي ووضع المصارف، خففنا من الشروط على مستوى القيمة المالية، بحيث لم المبلغ 10 الآف دولار لمرّة واحدة عن العام 2020-2021 ، ويستفيد منه فقط الطلاب القدامى المسجيلن قبل العام الحالي، دون أن يشمل الطلاب الجدد”.
قد يقول قائل كيف لمصرف لبنان أن يغطّي الدولار الطالبي، إذا كان غير قادر على مواصلة دعم استيراد السلع الاساسية كالدواء والمحروقات والمواد الغذائية، وقائل آخر يتساءل بأي حقّ تحتجز المصارف أموال الناس وتمنعهم من تحويل دولاراتهم إلى أبنائهم في الخارج. بالمحصلة، وفي طريقنا إلى جهنّم الموعودة، يدفع طلابنا ضريبة قاسية تهدّد مستقبلهم الجامعي.