رئيس يعلن فوزه بالانتخابات قبل انتهاء فرز الأصوات.. ماذا يقول هذا المشهد الخطير عن دونالد ترامب؟* إد بيلكنغتون
النشرة الدولية –
كان ذلك خطاب الفوز الضخم، المعد بعناية الذي لم يتسن لدونالد ترامب أن يقدمه في 2016. شغل ترامب أغنية Hail to the Chief، “يحيا الزعيم” في الخلفية، وصعد إلى المنصة في الثانية صباحاً، وخلفه تراصت النجوم والأشرطة المميزة للعلم الأمريكي، وأمامه حشدٌ لم يتكبد عناء ارتداء الكمامات من محبيه وأنصاره يصرخون: “نحبك!”.
في 2016، كان ترامب مصدوماً من انتصاره غير المتوقع لدرجة أنه بدا مذهولاً أثناء خطاب انتصاره، الذي كُتب في عُجالة لدرجة أنه تضمن عباراتٍ مديحٍ أغرق بها هيلاري كلينتون، المرأة التي هتف ضدها أنصاره “احبسها، احبسها”.
ولأنه تعثر في خطابه قبل أعوام، ألقى ترامب خطاب الفوز في وقتٍ مبكر من يوم الأربعاء، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، بطريقته الخاصة، ووسط خيلاء الغرفة الشرقية في البيت الأبيض. قال ترامب: “بصراحة، لقد فزنا بالفعل بالانتخابات”، وهاج الحاضرون وماجوا بالهتافات.
يقول المشهد الكثير عن الرجل، وعن الأمة في هذه اللحظة المدمرة الخطيرة في تاريخها الذي يمتد 224 عاماً. نرى رئيساً يُعلن فوزه بالانتخابات مع أنه لم يفُز، ثم يزعم أن الشعب الأمريكي يتعرض لتزوير أصواته في وسط انتخاباتٍ شهدت أكبر عددٍ من الأصوات في أي انتخابات رئاسية منذ 120 عاماً.
إنها الديمقراطية في ترامب لاند.
بينما كان الرئيس يعيش ضلالات الانتصار كان الديمقراطيون يعيشون نسختهم من الجحيم على الأرض. إن كان موضوع ترامب ليلتها هو تظاهره بأنه كسب الانتخابات بالطريقة التي يحبها، فإن موضوع جو بايدن وأنصاره كان اتباع كتيب التعليمات تماماً كما يكرهونه.
بالنسبة لهم أيضاً كان شبح انتخابات 2016 يقض مضجعهم. وفي الساعة العاشرة والنصف مساءً في ليلة الانتخابات بدأ القلق والتوتر مع النتائج المبكرة من فلوريدا، التي تسببت في رعشة مألوفة في أنحاء البلاد.
ها نحنُ هؤلاء مرة أخرى. اربطوا أحزمة الأمان فالرحلة شاقة.
في مقاطعة ميامي-ديد، معقل الكوبيين الأمريكيين جنوبي فلوريدا، لم يحصل ترامب على الكثير من الأصوات. وهذا يشير إلى أن سيل المعلومات المغلوطة التي نشرتها حملة ترامب عن أن بايدن سيقود أمريكا إلى ظلام الاشتراكية قد وجد طريقه إلى عقولهم.
وبحلول الحادية عشرة والنصف مساءً، زادت حدة ذلك الشعور الراسخ عند الديمقراطيين بأن 2020 ستُعيد نفسها. فطرق بايدن إلى البيت الأبيض أخذت تضيق مع خسارته لفلوريدا، والنتائج المبكرة أظهرت تقدم ترامب في ولاياتٍ منها جورجيا ونورث كارولاينا.
ثم حدث المحتوم، والتفتت الأعين، تماماً كما حدث قبل أربعة أعوام، إلى ثلاثية الأمل والخوف والترقب: بنسلفانيا، وميشيغان، ووسكونسن، ولايات “الحائط الناري الأزرق”، الذي اعتمدت عليه كلينتون واخترقه ترامب بقسوة.
ووجد جيك تابر من شبكة سي إن إن نفسه يضحك بعصبية، ويتردد صدى ضحكته في مشهد سريالي وهو يقول: “أظن أننا كنا نقول لوقتٍ طويل إن أي شيءٍ يمكن أن يحدث. هذا سباق محتدم للغاية، ويمكن أن يتوقف الأمر على هذه الولايات الثلاث”.
وبدأ الاعتراف بكلمة نعم. “نعم، جو بايدن ما زال لديه طريقٌ محتمل نحو الرئاسة”، و”نعم، إنه السراب الأحمر”.
نظراً للعدد الضخم من الأصوات عبر البريد أثناء الجائحة، ستبدأ ليلة الانتخابات بأخبارٍ سيئة لبايدن، لكنها ستتحسن بمرور الوقت مع فرز المزيد من الأصوات.
يمكن أن ترى ذلك النمط في عددٍ من الولايات المتأرجحة التي يمكن أن تمنحه النصر. هناك وسكونسن، حيث لم يكن تأكد فوز بايدن صباح الأربعاء.
وميشيغان، ولاية أخرى من ولايات حزام الصدأ منحت ترامب انتصاره في 2016، تأرجحت من اليمين إلى اليسار مع مضي الليل. وجورجيا، حيث بدا أن بايدن يخسر بوضوح، عادت لتمنحه احتمالية للمنافسة بحلول الصباح.
لذا، نعم مع إشراقة الصباح التالي كان بايدن لا يزال في طريقه ليأخذ مكان ترامب في المكتب البيضاوي.
ثم حقق بايدن النصر في أريزونا، التي فتحت بسكانها اللاتينيين وأعدادهم المتزايدة آفاقاً جديدة لأمريكا متغيرة ومتجددة. ومع بقاء جورجيا في مرمى بايدن، وهي ولاية صوَّتت آخر مرة لصالح الديمقراطيين عندما كان فيلم Wayne’s World بالسينما في 1992، وجد الديمقراطيون مزيداً من الأسباب للبهجة والتفاؤل.
ثم قالوا لا. لا ينبغي أن تسير الانتخابات بهذه الطريقة. وشعروا بغصَّة في حلقهم لا ينبغي أن تكون موجودة. ليس هذه المرة.
كيف أمكن للسباق أن يكون قريباً لدرجة أن احتمالية فوز ترامب ما زالت قائمة بعد ساعات من ليلة الانتخابات؟ إنه رئيسٌ أشرف على وفاة 230 ألف أمريكي بفيروس تمكنت الدول الأخرى من احتوائه.
إنه رجلٌ أصدرت إدارته أوامر بفصل أطفال المهاجرين عن آبائهم، دون احتياطات تضمن إعادة الأبناء للآباء فيما بعد. وبعد ثلاثة أعوام، ما زال 600 طفل مفصولين عن آبائهم. هذا رئيسٌ سعِد باستخدام الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين السلميين لكي يلتقط بعض الصور! إنه يفسر المبدأ الذي تأسست عليه أمريكا، “نحن الشعب”، بأنه “نحن الشعب الأبيض”. إنه يعتبر أزمة المناخ خدعة كبيرة.
لا، لم تكن هذه هي الخطة.
بحلول منتصف الليل كان التوتر واضحاً بين الرموز اللامعة بالحزب الديمقراطي الذين ظهروا على شاشات التلفاز ليعلنوا ثقتهم التامة ببايدن. جيمس كارفيل، كبير الإستراتيجيين في حملة بيل كلينتون حين فاز بالانتخابات الرئاسية في البيت الأبيض عام 1992، ظهر على MSNBC تبدو عليه علامات الثقة والراحة.
قال كارفيل: “إلى كل الديمقراطيين: أعِيدوا الشيفرات وأقراص المنوّم إلى أماكنها. سنكون بخير”. ثم عرض أمام الشاشة زجاجة من الشامبانيا المعتَّقة أمام الكاميرا. “لا أُمانع أن أضعها في الثلج حتى يوم الجمعة. لقد انتظرت أربعة أعوام، لا أمانع أربعة أيام أخرى”.
ليتَه لم يظهر على القناة نفسها قبل أيامٍ، متفاخراً بأن “هذا السباق لن يكون محتدماً”، وأنه سيفتح هذه الزجاجة بحلول العاشرة والنصف مساءً.
وإنه لعجيبٌ ما يمكن أن تحققه بضع ساعاتٍ من الراحة من جلاءٍ للبصيرة. في منتصف الليل، ظهرت كلير ماكاسكيل، العضوة الديمقراطية في مجلس الشيوخ سابقاً عن ولاية ميسوري، بمظهر اللامبالي.
كانت الليلة تسير على النحو المطلوب، وفقاً لما قالته. والتفتت إلى الحائط الناري الأزرق، الذي ما زالت ولاياته تتأرجح. وقالت: “هذه الولايات الثلاث ستمنح الرئاسة إلى جو بايدن، وفق الخطة تماماً”.
لكن بحلول الصباح، حين ظهرت مرة ثانية على MSNBC، كانت نبرتها أكثر تأملاً. فما زالت تؤمن بأن الوقت في مصلحة بايدن، وأن الصبر جميل. لكنها أضافت عبارة أخرى أكثر كآبة.
“لقد حان وقت محاسبة النفس. لا يمكن أن نفترض بعد الآن أن دونالد ترامب مجرد دخيلٍ على المشهد السياسي، سواء في هويته أو تصرفاته. إنه يصل إلى عددٍ كبير من الأمريكيين بطرقٍ يستعصي علينا فهمها. لكن علينا أن نفهمها، لأن علينا أن نوحد الصفوف إن أردنا البقاء قوة عظمى”.
بوب وودوارد، الصحفي المخضرم الذي انتزع من دونالد ترامب اعترافاً بأنه كذب على الشعب الأمريكي بشأن الطبيعة الفتاكة لفيروس كورونا، وجَّه بضع كلماتٍ قاسية للديمقراطيين. “في 2016، جاء ترامب وحطم النظام القديم بطريقة لا تدع مجالاً للشك. إن أردتم أن تعرفوا ماذا حدث في 2020، فإن بايدن ما زال يمثل النظام القديم. وعلى الحزب الديمقراطي أن يعرف كيف سيغير نفسه”.
الانتخابات لم تنتهِ بعد. وقد فاز بايدن في ويسكونسن وميشيغان، وربما يصير الرئيسَ القادمَ للولايات المتحدة. لكن تشريحاً قاسياً لما حدث وكيف حدث قد بدأ لتوِّه.