زلزال في وطن* يوسف طراد

النشرة الدولية –

تعالت من عباءة الريح أصوات حاملة لحنًا بعيدًا، خارجًا من كمانِ عازفة فاتنة. أبهرتها الشمس ففقدت بصرها وتضاعفت بصيرتها. أصبحت وحيدة حالمة مرتابة من ارتعاشة عابثة تتسللت إلى عروق أوتار آلتها الصادحة. فأصبحت صديقتها كمنجتها ورفيقها صديقها عاشق الألحان الذي رافق لحنها الصامت المتهادي مع خرير السواقي.

_ أيها الصديق، الطريق صاعد ومتعب!!!.

طمأنها الرجل على سلامة المسار والمصير، وقد اسرت أحاسيسه حفلة مجون، تنبعث منها رائحة خمر متهادية إلى أنفه من تخوم غابة الأرز النضرة.

دخلت الغابة، فساد هرج ومرج. فقدت سلام روحها مثلما ارتحل نور عينيها إلى ملاكها الضال. أيقنت بحواسها المتّقدة بدائية السكان، جال صديقها وصال مدافعًا، لإحساسه بذنب دفعته إليه شهوته.

استلّت سلاحها، وعزفت لحنًا أيقظ الأرواح الغافية في أعماق الوديان، انبهر الجمع الهائج، فقد بلسم اللحن الرائع جراح روحه المثخنة من القتال. وهدأ كطفل في مهد غلبه النعاس على تراتيل والدته.

وكان زلزال، تصدّعت الطرقات وأصبحت العودة طريق قطار دون محطات يسير في دوامة لا خروج منها.

استمرت بالعزف كل صباح في منفاها الجميل، فأصبحت غابة الأرز موطن الألحان السماوية وساد السلام.

حلّ الشقاء وأصبح الدمع خارطة الحياة، استبدل الشعب حنان الموسيقى لدفء الأرواح، بنار خشب الأرز لدفء الأجساد. وعاد الهرج والمرج. انخدشت عذرية السحر وأصاب قلب العازفة الموهوبة سهم في قلبها خلال معمعة القتال. فرحلت روحها إلى الشرق عبر الجبال، رافضة الرضوخ للعبودية، ساخرة من تأنّق ساسة القبائل بالمال والرياء. وتاه صديقها في الوهاد.

اجتمع الساسة. مؤتمرات، تصاريح، اتفاقات، قوانين، اختلافات ثم اتفاقات فاختلافات…

البند الوحيد الذي اتفقوا عليه في سرهم هو انهم لن يتعلّموا عزف اللحن الساحر من أجل السلام.

وبقي كل يعزف لحن هواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى