رحيل “معلم” النظام السوري* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

لطالما دافع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم عن حضور بلاده في المشهد السياسي اللبناني. وفي ذروة تصاعد الخصومة بين بيروت ودمشق بعد اغتيال رفيق الحريري، وتحديداً في 14 فبراير (شباط) 2005، قال “لا يمكن لرئيس حكومة في لبنان أن ينجح ما لم يكن على علاقة جيدة مع سوريا”، مذكراً بأن “رفيق الحريري أدرك أهمية هذا التوجه، وعمل به حين كان في الحكم وخارجه”.

وفي شهر أغسطس (آب) الماضي، شدد المعلم على “ألا ترسيم للحدود مع لبنان، ولن نقبل بنشر القوات الدولية على الحدود، لأن ذلك يتم مع الأعداء”. وقال بعد إقرار الولايات المتحدة الأميركية قانون “قيصر” ضد النظام السوري وحلفائه والمتعاونين معه، “نحن رئة للبنان، وجاهزون للتعاون معه في مواجهة قانون قيصر، لكن هذا لا يتم برغبة سورية وحسب، فلتكن الرغبة مشتركة، وأقول حتى الآن لا يوجد بيننا وبين الحكومة اللبنانية مثل هذا التواصل، وعندما يرغبون فسيجدون سوريا جاهزة”. ووصف في العام 2007 العلاقات بين بلاده والمملكة العربية السعودية، بـ “الغزل عن بعد”.

وجه دبلوماسية النظام

عن عمر يناهز الـ 79 عاماً، ووسط اضطرابات وحرائق تعصف بسوريا والمنطقة، رحل وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، أحد المدافعين الأساسيين عن النظام السوري طوال نصف قرن.

وكانت وكالة الأنباء السورية (سانا) أعلنت ليل الأحد الإثنين 16 نوفمبر (تشرين الثاني) وفاته، ولم تعط القنوات الرسمية أو وكالة “رويترز” التي نقلت الخبر أية تفاصيل حول سبب الوفاة.

من هو وليد المعلم، الذي كان من أبرز وجوه النظام السوري والمدافعين عنه، خصوصاً خلال الحرب السورية منذ العام 2011، والذي احتفظ بحقيبة وزارة الخارجية طوال السنوات الماضية؟

تولى المعلم منصب وزير الخارجية منذ 11 فبراير 2006، وبقي في منصبه على الرغم من تعاقب الحكومات المختلفة خلال 14 عاماً.

وبحسب موقع وزارة الخارجية السورية، ولد وليد بن محي الدين المعلم في 17 يوليو (تموز) عام 1941 بدمشق، وهو من عائلات دمشق التي سكنت حي المزة.

درس في المدارس الرسمية من عام 1948 إلى 1960، وحصل على الشهادة الثانوية من طرطوس، وبعد ذلك التحق بجامعة القاهرة وتخرج في العام 1963 بدرجة بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية.

التحق بوزارة الخارجية السورية في العام 1964، وعمل في البعثات الدبلوماسية في كل من تنزانيا والسعودية وإسبانيا وإنجلترا.

وفي العام 1975 عين سفيراً لبلاده في رومانيا حتى العام 1980،

وخلال الفترة من 1980 إلى 1984 عيّن مديراً لإدارة التوثيق والترجمة،

ومن عام 1984 إلى 1990 عيّن مديراً لإدارة المكاتب الخاصة.

وفي العام 1990 عيّن سفيراً لدى الولايات المتحدة حتى 1999، وهي الفترة التي شهدت مفاوضات السلام العربية السورية مع إسرائيل، ليعيّن معاوناً لوزير الخارجية في مطلع العام 2000.

في 9 يناير (كانون الثاني) 2005 سُمي نائباً لوزير الخارجية، وتم تكليفه بإدارة ملف العلاقات السورية – اللبنانية في فترة “بالغة الصعوبة”، بحسب موقع الخارجية السورية.

ثم عيّن وزيراً للخارجية في 11 فبراير عام 2006، وبقي في المنصب حتى إعلان وفاته في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020.

وكان اللقاء الأخير الذي جمعه مع الحريري في الأول من فبراير 2005 في بيروت، قد اتسم بالتوتر، بحسب مقطع فيديو سُرب وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقتل الحريري.

عن أي مظاهرات وثورة تتحدثون؟

عند انطلاق الثورة السورية العام 2011، وقف المعلم كأبرز المدافعين عن نظام بشار الأسد، وفرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات عليه في العام نفسه، بوصفه أحد “المدافعين الرئيسيين” عن النظام السوري.

وقال مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية حينها، ديفيد كوهين، إنه “بناء على عقوباتنا التي تستهدف الحكومة السورية بأكملها، فإننا نمارس ضغطاً إضافياً اليوم بشكل مباشر على ثلاثة من كبار مسؤولي نظام الأسد الذين يعتبرون المدافعين الرئيسيين عن أنشطة النظام”، مضيفاً، أنه “يحاول إخفاء الأعمال الإرهابية للنظام ونشر الأكاذيب”، ليصفه مسؤول أميركي حينها بأنه “صلة الوصل بين دمشق وطهران”.

تجاهل المعلم كلياً صرخات السوريين وثورتهم، وقال خلال أحد المؤتمرات الصحافية رداً على سؤال عن مظاهرات كانت تعم البلاد وتنادي بالثورة ضد السلطات، “عن أي مظاهرات وثورة تتحدثون؟”

المعلم شكّل واجهة للنظام، وكرّر أن بشار الأسد “باقٍ في منصبه طالما الشعب يريده”، وكان من أوائل من وصف معارضي النظام بـ “الإرهابيين”، ومن أشد منتقدي المقاتلين الأكراد لتلقيهم دعماً من واشنطن، متهماً إياها بتأجيج الاضطرابات في بلاده، وذلك في صراع أودى بحياة مئات الآلاف، ودفع الملايين من السوريين إلى اللجوء لدول أخرى.

وخلال مؤتمر صحافي في دمشق العام 2016، قال المعلم “سننسى أن هناك أوروبا على الخريطة، وسنتجه جنوباً وشرقاً وغرباً”. وذلك على خلفية انتقاد أوروبا للانتهاكات التي مارستها السلطات السورية بحق المدنيين بعد 2011.

المعلم و”المؤمرات الخارجية”

وكان المعلم من أوائل المسؤولين الذين اعتبروا الاحتجاجات السورية “مؤامرة” خارجية ضد بلاده، بوصفها ركناً في “محور الممانعة”، كما سخر خلال مؤتمراته الصحافية الطويلة من خصوم دمشق، وخصوصاً من الغرب الذي فرض العقوبات على بلاده.

وفي سبتمبر (أيلول) 2019، رد المعلم على سؤال لصحافي ذكّر بتعليق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال إن بشار الأسد استخدم أسلحة كيماوية في إدلب، وأن الأسد مسؤول عن قتل المدنيين، فقال المعلم ساخراً “ومين هاد بومبيو؟” أي (من هو بومبيو؟).

وفي 23 يونيو (حزيران) 2020، زعم المعلم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان سيرسل موفدين إلى سوريا للتفاوض معها والبحث في ملف رهائن أميركيين، لكن نظام الأسد لم يبد أي اهتمام وتجاهل الدعوة، وفق تعبيره، مما دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى إصدار بيان نفت فيه ذلك.

واشتهر المعلم بعبارة “الرد في المكان والزمان المناسبين”، تعقيباً على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية من ثكنات ومناطق عسكرية للنظام وحزب الله.

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الثورة السورية، توعدّ المعلم في فيديو بإعادة انتزاع لواء الاسكندرون الذي تنازل عنه النظام لتركيا إلى الأراضي السورية.

مجازر النظام “تمثيلية”

لا يزال معظم السوريون يحتفظون بتصريحات المعلم المؤيدة للنظام، لا سيما في ما يتعلق بالمجازر، إذ أيد المعلم بقوة حملة الأسد على الاحتجاجات التي اندلعت في مارس (آذار) 2011، والتي تحولت إلى نزاع مسلح استمر نحو عشرة أعوام.

وعندما أشارت الأدلة إلى شن النظام هجوماً كيماوياً على الغوطة في العام 2013، خرج المعلم من على منبر الخارجية قائلاً إن “المعارضة تنفذ تمثيلية”.

وعندما اعتبرت الفظائع التي ارتكبها النظام السوري في مدينة دوما عام 2015 مجزرة راح ضحيتها أكثر من 100 مدني، قال المعلم إن النظام السوري غير مسؤول عما جرى هناك، وأن “قوى خارجية أرسلت مقاتلين لارتكاب تلك المجازر”.

كذلك كان المعلم من أشد المدافعين عن الأسد عقب “مجزرة الكيماوي” التي وقعت العام 2013، عندما قصف النظام مناطق في ريف دمشق بالغازات السامة. وقالت المعارضة إن الهجوم أودى بحياة نحو 1500 شخص.

ذهب المعلم تاركاً البلد ممزقاً منذ اندلاع الحرب العام 2011، والتي تسببت بمقتل أكثر من 380 ألف شخص، وتشريد مئات الآلاف.

وهو الذي شهد تحول بلاده نحو إيران وروسيا، مما عزز حكم الأسد وسمح له باستعادة معظم الأراضي التي انتزعتها المعارضة.

وكان آخر ظهور علني له خلال افتتاح مؤتمر عودة اللاجئين الذي نظمته دمشق بدعم روسي يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وبدا متعباً وفي حال صحية سيئة استدعت مساعدته من شخصين للدخول إلى قاعة الاجتماعات.

ولم ترد بعد تفاصيل عن سبب وفاته، لكنه كان يعاني تدهوراً في حاله الصحية منذ سنوات بسبب مشكلات في القلب.

وقال مصدر مقرب من النظام إنه من المتوقع على نطاق واسع أن يخلف المعلم في المنصب نائبه فيصل المقداد.

وللمعلم أربعة مؤلفات هي “فلسطين والسلام المسلح”، و”سوريا في مرحلة الانتداب من عام 1917 وحتى عام 1948″، إضافة إلى “سوريا من الاستقلال إلى الوحدة من عام 1948 حتى عام 1958″، و”العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي”.

وخلال سنوات الحرب اقتصرت زياراته الخارجية المعلنة على عدد محدود من الدول أبرزها روسيا وإيران.

نقلا عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى