أزمة انتماء!* إيمان جوهر حيات
النشرة الدولية –
تتجلى أشكال العنصرية وتتصاعد وتيرتها في كل موسم انتخابي، فيظهر ذلك القبح المختبئ خلف الابتسامة المزيفة وتظهر هشاشة المجتمع المنقسم على ذاته، وتسود لغة التخوين بين الكثير من فئاته المختلفة رغم الشعارات الكثيرة التي تشيد بالتآلف وتدعو للوحدة الوطنية.
كلما قرأت بعض المقالات والتغريدات أو شاهدت بعض المقابلات أو المقاطع المرئية، أرى انعكاساً لصراع قديم وأزلي لم تهذبه السنين، بل أصبح مرضا مزمنا في جسد الدولة التي لم تستفد من تجارب الماضي وتطور نفسها بما يتلاءم ويتوافق مع متطلبات الحاضر والمستقبل.
كانت مثلا الستينات والسبعينات فترة ازدهار الكويت بإدارة شبه منفتحة بطابع ليبرالي يساري، وكانت محددات الانتماء في تلك الفترة شكلية اقتصادية، ذات منحى عرقي طبقي، وما إن دخلت فترة الثمانينات حتى أضيف لتلك المحددات التعصب الديني الذي ساد إبان الحرب العراقية – الإيرانية، واستمر هذا النهج يزداد تطرفا بعد الغزو الغاشم بسبب هيمنة التيارات المتشددة التي تحظى بتنظيم ساهمت في دعمه معظم الحكومات المتعاقبة لعمل نوع من التوازن حسب تقديرهم آنذاك، ولأجل بسط السيطرة.
أصبح الفساد هو حديث الساعة غير المنقطع، واستمر المجتمع تحت التقسيم الذي تمدد وتشعب وتعقد، حتى وصل الى اللهجة التي أصبحت محل نزاع، وأحد محددات الانتماء، ومن يتحدث بلهجة مختلفة عن لهجة اهل الجنوب يصبح كويتياً بانتماء منخفض، وقد أدى ذلك لشعور البعض بالتمييز، وآخرون استخدموا سياسة الحرباء وسلخوا جلودهم، وتلونوا باللون السائد ليحظوا بشعور الانتماء ونيل بعض المكاسب.
المجتمع الكويتي تكوّن نتاج هجرات من بيئات مختلفة، وهذا الاختلاف هو جزء من كينونته، فكيف أصبح للهجة معينة سلطة ونفوذ أكبر من اللهجات الأخرى، وهي مجرد وسيلة ديناميكية للتواصل تختلف باختلاف البيئة الحاضنة.
الصراع الدائر بين طبقات المجتمع المختلفة، هو صراع نفوذ وسلطة، وما العنصرية التي نشهدها تطفو على السطح بين الحين والآخر إلا لأسباب اقتصادية بحتة، حيث ترى الطبقة التي تعتبر نفسها صاحبة الأصالة والعراقة أهمية الحفاظ على مكتسباتها وتحالفاتها المختلفة، بينما جزء من أفراد الطبقة الأخرى ينظرون بترقب وقلق لما يحدث فوقهم، وجزء يحاول التودد وكسب رضا تلك الطبقة المهيمنة بتقليد نمط معيشتها المترف، كما حدث في أيام سوق المناخ، عندما كان التنافس على أشده لإظهار البذخ والبهرجة التي أغلبها عبارة عن التزامات وديون بنكية، والطبقة المغلوبة على امرها فضل بعضها البقاء في عزلة وصمت، وآخرون حاولوا أن ينخرطوا في هذا المولد الكبير لعلهم يجدون مخرجا.. الحصيلة هي ذبول الوطنية وضمور الانتماء.
كيف وصل الفكر الى هذه المرحلة المتدنية هو ما يجب أن نفهمه ونواجهه بموضوعية وحياد تام؟
ارتفاع الصوت العنصري ضد اغلب المقيمين، وكذلك عديمي الجنسية الذين تجاهلت مطالبهم ونداءهم مؤخرا الحكومة بتجديد مدة الجهاز المركزي، الذي فشل في معالجة أوضاعهم، وما يحمله ذلك من رسالة سلبية، لن تكون نتائجها حميدة على المجتمع والوطن، وخاصة في ظل التطورات الدولية غير المستقرة.
خلق الشعور بالانتماء وضمان استدامة الرخاء والأمن والاستقرار لا يتحقق من دون رفع سقف الحريات، وبسط العدالة التي من خلالها يحظى جميع أفراد المجتمع بحقوقهم وحرياتهم بلا تمييز.
لا تنهض الأوطان إلا بثقة شعوبها.
نقلاً عن جريدة “القبس” الكويتية