مقتل أبرز مسؤول نووي يضاف إلى سلسلة أحداث موجعة لإيران* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
لم تكن سنة سهلة على إيران منذ بدايتها، يمكن القول إنها من أصعب السنوات التي مرت عليها منذ نهاية الحرب مع العراق. أقفلت إيران العام 2019 على وقع سلسلة من الاحتجاجات الشعبية ضد زيادة سعر البنزين.
انطلقت الاحتجاجات في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بالأحواز، ومن ثم انتشرت في مختلف أرجاء البلاد بما فيها العاصمة طهران، وعبادان وبوشهر ومشهد وشيراز وغيرها من المدن. اتسعت رقعة الاحتجاجات في اليوم الثاني لتغطي أكثر من 50 مدينة، ووصل عدد القتلى بين المتظاهرين في الأيام التالية إلى أكثر من 1000، إضافة إلى جرح عشرات الآلاف واعتقال ما يزيد على سبعة آلاف متظاهر، في حين قتِل ثلاثة أفراد من الأمن، وأُحرِق 731 فرعاً بنكياً و140 مبنى حكومياً بحسب ما نشرت بيانات حكومية إيرانية.
هزت تلك الاحتجاجات حلفاء طهران في بغداد وبيروت، بخاصة أن “حزب الله” كان يواجه انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) في لبنان. فيما شهد اليوم الأخير من 2019 حادثة حصار السفارة الأميركية في بغداد، ومحاولة ميليشيات من الحشد الشعبي اقتحامها.
مقتل الجنرال قاسم سليماني
توالت الأخبار السيئة على النظام الإيراني مع بداية عام 2020، مع خبر مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، في 2 يناير (كانون الثاني). عملية الاغتيال نفذتها طائرة مسيرة أميركية قرب مطار بغداد في طريق عودته من دمشق، وقضت الضربة أيضاً على رجل لا يقل أهمية كثيراً عن سليماني، قائد كتائب حزب الله العراقي، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس.
هذا الخبر الموجع هز إيران وكان له وقع قوي على العالم أجمع، إذ إن سليماني كان يعتبر المخطط والمنفذ لسياسة إيران في الإقليم. تلك الضربة أخرجت المواجهة إلى العلن ما بين واشنطن وطهران بعدما كانت تجرى بالوكالة.
حرائق وانفجارات غامضة
في 26 يونيو (حزيران) أعلنت وسائل إعلام إيرانية محلية، عن وقوع انفجار هائل شرق العاصمة طهران، وقيل إنه ناتج من انفجار داخل إحدى القواعد العسكرية. وتحدث ناشطون إيرانيون عن حدوث الانفجار “الغامض” في منطقة سرخة حصار قرب منطقة بارشين التي تضم موقع بارشين العسكري ومعامل للصناعات الدفاعية. وأظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي أن موقع الانفجار كان في منطقة خجير الواقعة بطهران والتي يرجح أن فيها أنشطة عسكرية سرية.
وانتشرت لاحقاً صور التقطتها أقمار صناعية أواخر شهر يونيو 2020، أكدت وقوع الانفجار بمنطقتي بارتشين وخجير العسكريتين الإيرانيتين مخلفاً آثاراً على مساحة نصف كيلومتر مربع.
وأوضحت محطة “إيران إنترناشونال” التي تبث بالفارسية من بريطانيا في تقرير لها، أن الصور الفضائية الحرارية أظهرت وجود حريق واسع النطاق في مجموعة تلال مجاورة لمنشأة بارتشين العسكرية- الصناعية، شرق العاصمة طهران.
وكان التلفزيون الرسمي آنذاك، قد أعلن أن السلطات الإيرانية تحقق في أمر دوي وضوء ساطع شرق طهران، وأن المعاينة الأولية توضح أنه ناجم عن انفجار خزان غاز صناعي تابع لوزارة الدفاع، وقال متحدث باسم وزارة الدفاع، إن انفجاراً وقع في منشأة لتخزين الغاز الإيراني في منطقة بها موقع عسكري حساس بالقرب من العاصمة طهران.
“حادث” منشأة نطنز النووية
يقول مراسل BBC الفارسية جيار غول “بعد منتصف الليل في 30 يونيو، وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من طرف جماعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم “فهود الوطن، تفيد بأنها استهدفت موقعاً نووياً إيرانياً مهماً في منشأة نطنز قبل نحو ساعتين، أي في الساعة الثانية صباحاً بالتوقيت المحلي. وفي رسالتها المفصلة، زعمت الجماعة أنها فجرت المنشأة وإن النظام الإيراني لن يتمكن من إخفاء ذلك”.
تقول الجماعة إنها تتألف من منشقين عن قوى الجيش والأمن في إيران وأنها تقف وراء هجمات عدة قامت السلطات الإيرانية بإخفائها عن الشعب. توجه المراسل لشبكة الإنترنت للتحقق من خلال وكالات الأنباء والحسابات الموثوق بها على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، غير أنه لم يجد ذكراً لهجوم كهذا في أي مكان، بحسب ما أعلن.
لكن في 2 يوليو (تموز) 2020، أعلن الناطق باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، للمرة الأولى عن وقوع “حادث” داخل منشأة نطنز النووية الواقعة بمحافظة أصفهان وسط البلاد. ونقلت وكالة أنباء الطلبة “إيسنا” شبه الرسمية، عن بهروز كمالوندي الناطق باسم المنظمة، أن الحادث وقع في أحد مستودعات المنطقة المفتوحة بمنشأة نطنز النووية. ولم ترشح أية معلومات رسمية عن طبيعة الحادثة داخل المحطة النووية، التي وصفها المسؤول الإيراني بـ “الحادث”، وسبب حدوثه مجهول حتى الآن.
من جهة ثانية، أظهرت صور بالأقمار الصناعية لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” وقوع حريق في نطنز الساعة 02:06 صباحاً. ويتطابق الدمار الذي تظهره الصور مع التفاصيل التي تضمنتها رسالة البريد الإلكتروني من “فهود الوطن”. تمت صياغة رسالة الجماعة بعناية وتضمنت تسجيل فيديو لهجمات على مواقع استراتيجية قالت إنها نفذتها داخل إيران.
وكانت منشأة نطنز النووية قد تصدرت عناوين الأخبار، بعد أن طردت إيران مفتشاً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ثم اتهمته بالتآمر لإحداث تخريب صناعي بها.
شركة كيماويات “تندكويان”
وفي يوليو اشتعلت النيران، في شركة كيماويات “تندكويان” جنوب غربي إيران، وأوردت تقارير محلية أن تسرباً لزيت حراري كان السبب الرئيسي وراء الحريق في شركة “تندكويان” لصناعة البتروكيماويات.
وقال حميد كيائي، مدير العلاقات العامة بالشركة، إن رجال الإطفاء “سيطروا على الحريق في الوقت المناسب”، معتبراً أن الظروف المناخية لتلك المنطقة في الصيف وارتفاع درجات الحرارة يزيدان من احتمالات وقوع مثل هذه الحوادث، من دون أن يكشف حجم الخسائر الناجمة عن الحريق.
انهيار أمني لدى إيران
لكن استبعد مسؤولون رسميون احتمالات أن الأسباب وراء اندلاع الانفجارات بمواقع عسكرية والحرائق في المراكز الصناعية والحضرية الإيرانية بوتيرة متسارعة، أن تكون متعمدة أو ناجمة عن أعمال تخريبية بل مجرد حوادث طبيعية.
واعتبر مسؤولون أمنيون سابقون، أن مجموعة العمليات التي استهدفت المنشآت النووية مثل منشأة نطنز النووية في محافظة أصفهان تؤشر إلى انهيار أمني لدى إيران. وأشار مراقبون إلى أن حوادث الحرائق والانفجارات الغامضة التي تعرضت لها مراكز استراتيجية إيرانية، فضلاً عن تدهور مؤشرات الاقتصاد المحلي، وأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد أربكت بشدة مسؤولي طهران، بخاصة أن إيران هي واحدة من الدول الأكثر تضرراً بوباء “كوفيد-19”.
حرب استخباراتية وسيبرانية
وكانت المنشآت الإيرانية تعرضت لـ 7 عمليات مدمرة خلال أسبوعين فقط. ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست”، أن الأعوام الأخيرة ظهرت خلالها مؤشرات على وجود فجوات في الطبقات الأمنية الإيرانية على الرغم من تمكن الحرس الثوري من مواجهة محاولات اختراق تمت من جانب واشنطن وتل أبيب بين سنوات 2011 إلى 2014.
كما رجح مراقبون أن تكون إسرائيل وراء القيام بهذه العمليات بمشاركة أميركية أو بعد ضوء أخضر أميركي معتبرين أن إسرائيل قد استعاضت عن المواجهة العسكرية المباشرة والمكلفة مع إيران بحرب استخباراتية وسيبرانية في العمق الإيراني لتعطيل قدرات طهران النووية.
ومن المآسي التي واجهتها إيران هذه السنة:
أمطار غزيرة
بدأت السنة بانهمار أمطار غزيرة هي الأسوأ في تاريخ البلاد منذ عدة عقود. كما اتسمت بتفاقم الركود الذي عانت منه الجمهورية الإسلامية بعد إعادة فرض عقوبات أميركية مشددة عليها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
إسقاط الطائرة الأوكرانية
تبعت ذلك مأساة إسقاط الطائرة الأوكرانية “عن طريق الخطأ” من قبل القوات المسلحة في أوائل يناير (كانون الثاني) 2020، والتي خلفت 176 قتيلاً. تلك الحادثة زادت من عزلة إيران الدولية، بعد أن قرّرت شركات طيران دولية مهمة تجنب التحليق فوق مجالها الجوي، ما رتب خسائر مادية عليها وهي التي تعاني أصلاً من حصار، فضلاً عن التعويضات التي ستدفعها لعائلات القتلى.
الهجمات على علماء في إيران
ولا يتوقف الأمر على التفجيرات والحرائق في ايران، إذ تعرض العديد من العلماء النوويين للاغتيال في ظروف غامضة، ومحسن فخري زادة الذي تعرض للاغتيال قرب طهران اليوم الجمعة هو أحدث من تعرض من العلماء النوويين لهجمات في السنوات الأخيرة.
وتوفي فخري زادة متأثراً بإصاباته في المستشفى بعد أن أطلق مهاجمون النار على سيارته وفقاً لما ذكرته القوات المسلحة الإيرانية في بيان نشرته وسائل إعلام رسمية.
ووصف الغرب وإسرائيل وإيرانيون معارضون في المنفى فخري زادة بأنه قائد برنامج سري لتطوير قنبلة نووية توقف في 2003.
ونفت إيران مراراً ومنذ فترة طويلة السعي لتطوير أسلحة نووية، وقالت إن برنامجها النووي مدني ويهدف لتوليد الطاقة.
فيما يلي بعض الهجمات الأخرى التي تعرض لها علماء إيرانيون في السنوات الأخيرة.
مسعود علي محمدي: قُتل العالم النووي مسعود علي محمدي بتفجير قنبلة عن بعد في 12 يناير 2010 في طهران. أوردت بعض المواقع المعارضة على الإنترنت أنه كان يدعم المرشح المعتدل مير حسين موسوي في انتخابات رئاسية متنازع على نتيجتها في 2009 منحت ولاية ثانية لمحمود أحمدي نجاد.
ووصف مسؤولون إيرانيون أستاذ الفيزياء بأنه عالم نووي، لكن متحدثاً قال إنه لم يعمل لصالح منظمة الطاقة الذرية. وكان يحاضر في جامعة طهران.
وأوضحت مصادر غربية إنه عمل بشكل وثيق مع فخري زادة ومع فريدون عباسي-دواني وكلاهما خضع لعقوبات من الأمم المتحدة بسبب عملهما في أنشطة يشتبه في أنها تهدف لتطوير أسلحة نووية.
وقال أستاذ غربي في الفيزياء إن قائمة بالأبحاث التي نشرها علي محمدي على موقع جامعة طهران الإلكتروني على الإنترنت، تشير إلى أن تخصصه كان فيزياء الجسيمات النظرية وليس الطاقة النووية.
مجيد شهرياري: قُتل شهرياري وأصيبت زوجته في انفجار سيارة ملغومة في طهران في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، فيما وصفه مسؤولون إيرانيون بأنه هجوم برعاية إسرائيلية أو أميركية على برنامج البلاد النووي.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن علي أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية قوله آنذاك، إن شهرياري كان له دور في أحد أكبر المشروعات النووية في البلاد، من دون أن يفصح عن المزيد. وكان محاضراً في جامعة شهيد بهشتي.
فريدون عباسي-دواني: أصيب عباسي-دواني هو وزوجته في انفجار سيارة ملغومة في ذات اليوم الذي قتل فيه شهرياري. وفرضت الأمم المتحدة عقوبات على عباسي-دواني، الذي كان رئيساً لقسم الفيزياء في جامعة الإمام الحسين، بسبب ما قال عنه مسؤولون غربيون إنه شارك في ما يشتبه أنها أبحاث لتطوير أسلحة نووية.
وقال حيدر مصلحي وزير الاستخبارات آنذاك “هذا العمل الإرهابي نفذته أجهزة استخبارات مثل الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) و”الموساد” “وأم آي6″. وتم أيضاً اعتقال أفراد مجموعة أرادت تنفيذ عمل إرهابي لكنها أخفقت. اعترفوا أنهم تلقوا تدريباً من أجهزة الاستخبارات تلك”.
وشغل عباسي-دواني منصب نائب رئيس ومدير منظمة الطاقة الذرية في فبراير (شباط) 2011 وفقاً لما ذكرته وقتها وكالة فارس للأنباء، لكن وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء ذكرت أنه أقيل من منصبه في أغسطس آب 2013 .
داريوش رضائي: قتله مسلحون رمياً بالرصاص وهو في الخامسة والثلاثين من عمره شرق طهران في 23 يوليو (تموز) 2011. وكان محاضراً في الجامعة وحاصلاً على درجة الدكتوراه في الفيزياء. وقال نائب وزير الداخلية الإيراني آنذاك إنه لم يكن على صلة بالبرنامج النووي الإيراني بعد أن أشارت تقارير أولية في بعض وسائل الإعلام إلى مثل تلك الصلة.
مصطفى أحمدي-روشن: لقي المهندس الكيميائي أحمدي-روشن (32 سنة) مصرعه في انفجار قنبلة لاصقة في سيارته وضعها راكب دراجة نارية في طهران في يناير 2012. وتوفي راكب آخر متأثراً بإصابته في الواقعة في المستشفى كما أصيب أحد المارة.
وأوضحت إيران أن القتيل كان عالماً نووياً أشرف على قسم في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. وألقت إيران بمسؤولية الهجوم على إسرائيل والولايات المتحدة.
* نقلا عن “إندبندنت عربية”