“هذر الكلام” لا يحرر الأوطان* صالح الراشد
النشرة الدولية –
تُعاني أمتنا العربية من عديد المصائب والكوارث التي قيدت الدول وجعلتها حبيسة مكانها والمواقف الدولية التي تُضيق الخناق على كل دولة بطريقة تختلف عن الأخرى، والغاية من ذلك واضحة جلية لكل من يملك عينين وقلب وفكر، وهي مواقف ليست خفية ولا يتم فرضها على أمتنا بالسر لقناعة أقوياء العالم بهواننا وضعفنا، لذا لا يخجلون من أنفسم ولا من الشعوب العربية وقادتها حين يُقيّودنا ويقودنا بسهولة مستفيدين من الشرخ الكبير في العلاقات العربية العربية، ومن الإنقسامات المتزايدة في عديد الدول التي أخذت تصارع طواحين الهواء على أمل تحقيق الأمان والنهضة.
وتتميز أمتنا عن غيرها من شعوب العالم بكثرة الكلام وقلة الفعل، لنبقى مكانك سر لسنوات طِوال تقدم فيها العالم بسرعة متزايدة تاركاً أمتنا في موقعها، ففلسطين التي يحتفل العالم ب”بهذر الكلام” لدعمها وتحرير سيادتها ممن إغتصبوا أرضها، فيما يتراجع العالم عن أي فعل حقيقي على أرض الواقع حتى وإن كان أضعف الإيمان بإنكار واستنكار أفعالها، ليساهم الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني وعدم قدرة عقلاء فلسطين على رأب الصدع على تراجع القضية على سلم أولويات الدول التي صنعت أتباع لها في أطراف الصراع، وهؤلاء الأتباع يمثلون الجهة الوحيدة المُستفيدة من صراع الفعل الفلسطيني الفلسطيني والوهمي الفلسطيني الصهيوني بإطلاق مصطلحات التحرير لمحاربة الصهاينة، ليذهب الحال الفلسطيني إلى الأسوء كون القلوب ليست على فلسطين.
ولا يقل الحال صعوبة ودموية في العراق وسوريا واليمن وليبيا التي تحولت إلى ميادين لصراعات دولية وإقليمية، فيما شعوبها تبحث عن مقومات الحياة فلا تجدها، وهذه الدول انقسمت على الطريقة الفلسطينية فهناك طرفان متصارعان في كل دولة، ولكل من هذه الأطراف جبهات وجهات داعمة لضمان إطالة أمد الحرب حتى تتدمر الدول إقتصادياً وعسكرياً، لتختفي مقومات الحياة وتعود الدول إلى عصور ما قبل التاريخ، وحينها ستتسابق الجهات الدولية لإعادة الإعمار والسيطرة على كل شيء في تلك الدول.
وفي بلاد أخرى كمصر وتونس ولبنان والأردن والجزائر والمغرب تم تعزيز قيم الفساد لضمان إضطراب المجتمع بطريقة تمنعه من الشفاء، وحتى يصعُبُ تطبيق النظرية الوحيدة الصالحة لمحاربة الفساد والتي تعتمد على مواجهة الفساد وإقتلاعه من جذوره والصمود في وجه إرتداداته ثم البناء والنهضة، وهنا يقف البنك الدولي وداعميه في هذه الدول بوجه أي مشروع حقيقي للإصلاح، ويُسعدون وهم يسمعون “هذر الكلام” حول محاربة الفساد والتصدي للفاسدين لان المتابع لقرارات هذه الدول لم يجد فاسداً معلوم الفساد تمت محاكمته وإستعادة الدولة الأموال المنهوبة، فكل ما يجري كلام في كلام لا يُساهم في حماية مقدرات هذه الدول، فيما بعض القضايا التي يتم تضخيمها إعلامياً تهدف لإقناع الشعوب بجدية حكومات هذه الدول في الإنتصار للشعوب التي أصبحت لا تُصدق هذه المسرحيات كونها سيئة الإخراج والتنفيذ.
وتبقى دول الخليج الثرية بالمال المُتأتي عبر الطبيعة وثروات الصحراء، والتي يُنفقُ غالبيتها في مشاريع بلا قيمة حقيقية كونها تتركز على بناء منشآت رياضية بكلفة المليارات، وتحويل الصحاري إلى ملاهي والبحار إلى “كازيهونات” ، ولا يتم إنفاقها على بناء مشاريع صناعية كُبرى تصنع قيمة كبيرة للدول العربية وتساهم في مكافحة البطالة والفقر المنتشرين بين شباب الأمة، وتكتفي هذه الدول ببطولات ليست في مكانها تساهم في نشر ثقافة “هذر الكلام” الغير مصحوب بالعمل والنهضة.
لنجد أننا أمة الكلام وليس العمل كما وصفها أحدهم بقوله “ليس لهذا خُلقنا”، وهي المقولة التي تتكرس في جميع الدول العربية فأصبحنا عاجزين عن محاربة الفساد في بلادنا فتنمر الفاسدون، وفشلنا في محاربة أعدائنا والتصدي لمخططاتهم فتطاول الأعداء علينا في كل موقع ومحفل، وفي النهاية سنصبح مجرد آلالات ناطقة نقول ما يُريد المبرمجون لنتحول إلى أرقام جامدة، وإذا أردنا تجاوز هذا الموقف المُهين على أمتنا أن تنهض سوياً بتكامل إقتصادي سياسي إجتماعي ثقافي وبشري لنصنع مستقبلنا بأيادينا، ودون ذلك سنبقى دول متأخرة ترتضي بدور هامشي يُطلق عليه أبطال “هذر الكلام”.