لبنان: بطاقة الذل بديل الدعم ..”تماما كالنازحين السوريين”
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
لدى سؤالنا أحد نواب الأمّة عن بدائل دعم مصرف لبنان لثلاثية السلع الحيوية، محروقات دواء وطحين، وعن ماهية البطاقة التي يبحثون بها، أجاب بعبارة توضيحيّة “تمامًا كالبطاقة التموينيّة التي تُمنح للنازحين السوريين”، في معرض شرحه لكيفية إيصال الدعم إلى العائلات الأكثر فقرًا. وقع هذه العبارة تدميري، بلحظةٍ، يزلزل كيانك، يبعثر إنتماءك، يهجرّك إلى أقاصي الدنيا، ويفقدك هويتك وما بقي من كرامتك.
رفضُ تلك المساواة في القهر والذل، ليس من منطلق عنصري بطبيعة الحال، فالنازحون سواء أكانوا سوريين أو فلسطينيين أو من جنسيات أخرى، هجّرتهم الحروب والمآسي والديكتاتوريات خارج أوطانهم، تساندهم منظّمات دولية إلى حين عودتهم إلى ديارهم. أمّا أنت أيّها المواطن اللبناني ففي ديارك وأرضك وبيتك، بليلة وضحاها إنقلبت حياتك رأسًا على عقب، أصبحت تعمل لقاء بضع دولارات، جنى عمرك أحتجزوه في مصارف لعينة، خانت الأمانة وأقرضت أموالك لدولتك، والأخيرة أنفقتها على قطاعات متعددة، في مقدّمها قطاع الكهرباء الذي قارب نصف الدين العام، من دون أن تأتي بالنور، بل بعتمة مشاريع، تبدأ بالسدود الفاشلة وملياراتها، ولا تنتهي بهويات الفائزين الدائمين بالمناقصات، التي تُفصّل دفاتر شروطها على قياسهم.
في أكثر العهود الرئاسية قوّة، يحوّلونك إلى متسوّل في وطنك، ليس لشيء سوى لأنّهم مستعدون لتدمير كل بنيان على قاعدة “يستطيع العالم أن يسحقني ولن يأخذ توقيعي”. بارعون في التنصّل من المسؤوليات، مبدعون في تخدير ضمائرهم وتكرار تلك العبارة على مسمعك “ضميري مرتاح”، وكأنّهم ليسوا بأرفع المواقع مسؤولية، حيال مأساة شعب ووطن مرتاحو الضمير، حيال تفجير مرفأ العاصمة وتدمير نصف بيروت وقتل الأبرياء مرتاحو الضمير، وهم العالمون بتلك المواد اللعينة. عندما تسألهم إلى أين من هنا؟ يجيبونك بلغة العارف “إلى جهنّم”. لا يفعلون شيئًا لإيقاف عجلات الإنهيار، يمضون بعرقلة كلّ محاولة إنقاذ بعطفٍ ودفعٍ فرنسي، لا يُحرجون أمام الإدانات الدولية ولا يَرتبِكون أمام إنكشاف تعطيلهم المتمادي. حساباتهم، بلاطهم، أنانياتهم، فوق كل اعتبار. عن عنادهم لا يتزحزحون، يفاجئونك بقدرتهم على استنباط فصول التعطيل كرمى لعيون أحبائهم، يصمدون بالوقوف على جراحك وآلامك، يستنزفون كل طاقاتك ولا يتعبون.
هنيئًا لكم صمودكم، هنيئًا لكم استمرارية سلطتكم، هنيئًا لكم إصلاحاتكم الوهميّة، هنيئًا لكم تدقيقكم الجنائي، هنيئًا لكم تصدّر لبنان المراتب العالمية في مؤشرات الفساد، هنيئًا لكم تحويل “شعب لبنان العظيم” إلى متسوّل على أرصفة الأمم، هنيئًا لكم تصدّي مراجع روحية لمحاولات إسقاطكم في الشارع، إنتصاراتكم هذه ستتوالى، والتاريخ القريب كما البعيد سيذكرها، ويذّكر الأجيال المتعاقبة بأفعالكم وخطاياكم.