الصحفيون مستهدفون تحت أعين آلاف المقاتلين شمال سوريا
النشرة الدولية –
بخمس رصاصات وفي وضح النهار وسط منطقة يحكمها آلاف المقاتلين والقادة في الشمال السوري قتل الناشط الإعلامي حسين خطاب، في الأيام الماضية، على يد مسلحين “مجهولين”، في أثناء إعداده لتقرير مصور عن واقع انتشار فيروس “كورونا”، في حادثة لاقت ردود فعل غاضبة من قبل نشطاء إعلاميين وصحفيين، يتوزع أغلبهم ما بين محافظة إدلب ومناطق ريف حلب الخاضعة للإدارة التركية.
خطاب شابٌ ثلاثيني ويعتبر من أبرز النشطاء الإعلاميين الذين غطوا أحداث الحرب في الشمال السوري، منذ عام 2016، وفتحت حادثة اغتياله باب الحديث عن تهديدات سابقة بالقتل كان قد تلاقها من قبل أشخاص نافذين في المنطقة، ورغم أنه أبلغ ما يسمى بـ “الشرطة الوطنية” في ريف حلب، إلا أن الأخيرة لم تتحرك أو تبدي أي استعداد لحمايته.
ومن مدينة الباب التي قتل فيها خطاب إلى باقي مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا تسود حالة من الفلتان الأمني وعدم الاستقرار، والمدنيون والنشطاء الإعلاميون هم وقودها.
لا يقتصر الفلتان الأمني على الاغتيالات فقط بل يضم أيضا تفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وهي حوادث تسجل ضد “مجهول” حتى الآن، رغم الاتهامات التي توجهها تركيا والفصائل السورية التي تدعمها ضد خلايا تتبع لنظام الأسد تارة ولـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تارة أخرى.
وما تزال حادثة اغتيال الناشط الإعلامي حسين خطاب تلقى تفاعلا غاضبا ضمن أوساط الصحفيين والنشطاء في الشمال السوري، وكانوا قد أطلقوا حملة الاثنين تحت عنوان “أوقفوا قتل الصحفيين”، طالبوا من خلالها بحماية العمل الصحفي في شمال سوريا، واعتبروا أنهم “يقتلون دون إثم وبدم بارد”.
“الجميع يراهم الخصم”
رغم أن حوادث الاغتيال التي تطال الصحفيين في شمال سوريا تندرج في إطار حالة عامة تعيشها المنطقة، إلا أن صحفيين أشاروا إلى “عمليات منظّمة” تستهدف العمل الإعلامي في المنطقة، والتي تنتشر فيها عشرات التشكيلات العسكرية، وعشرات الثكنات والكليات الحربية.
ماجد عبد النور صحفي يقيم في شمال سوريا وهو أحد أصدقاء الناشط حسين خطاب يقول في تصريحات لموقع “الحرة”: “الناشط الإعلامي في الأساس معرض لأن يكون على رأس الأولوية بالنسبة لأعداء الثورة. كل الثورة مستهدفة والسبب هو الفلتان الأمني”.
ويقول عبد النور إن “مسؤولية حماية الناشطين الإعلاميين تقع على عاتق شركاءهم بالثورة من العسكريين والمؤسسات الأمنية، لكن للأسف هؤلاء الشركاء تحولوا مع الزمن لأول الخصوم، وأول المتسببين بمقتل واعتقال وخطف الصحفيين”.
واعتبر عبد النور في أثناء حديثه أن “الناشط الإعلامي والصحفي في شمال سوريا هو الحقلة الأضعف، فليس له ظهر أو سند والجميع يراه الخصم”.
والنشطاء الإعلاميون في الشمال السوري لعبوا دورا بارزا طوال السنوات الماضية، من خلال توثيقهم للضحايا والانتهاكات والجرائم التي نفذها نظام الأسد بدعم من روسيا، كما كان لعملهم جانب إنساني بتغطية أوضاع ملايين النازحين والمهجرين، الذين فروا من بيوتهم بفعل العمليات العسكرية.
وواجه هؤلاء النشطاء مخاطر ذات حدين أولها مقتل العشرات منهم جراء القصف الجوي أو خلال تغطيتهم للمعارك، في حين قتل البعض منهم وتعرض للاعتداء من قبل الأطراف المعارضة المسيطرة، على يد “هيئة تحرير الشام” في إدلب وفصائل “الجيش الوطني” في ريف حلب.
“حملة استهداف ممنهجة”
إبراهيم الحسين، مدير “المركز السوري للحريات الصحفية” يشير إلى زيادة مضطردة في عدد الانتهاكات التي تقع بحق الإعلاميين في هذه المناطق (شمال سوريا)، “الأمر الذي يخشى معه أن تكون هناك حملة استهداف ممنهجة، بقصد منع الإعلاميين من ممارسة دورهم في نقل الحقيقة للناس، وتعرية ما يجري من عمليات فساد وممارسات استبدادية وجرائم معيبة تقع من قبل سلطات الأمر الواقع”.
ويتابع الحسين في تصريحات لموقع “الحرة”: “حتى إن افترضنا أن هناك فلتان أمني يستغله البعض لتصفية حساباته مع الإعلاميين والنشطاء، فإن هذا الأمر بدوره يجيّر المسؤولية لذات السلطات التي ينبغي عليها أن تضبط الأوضاع الأمنية، وأن توفر الحماية للمدنيين ومن بينهم الإعلاميين”.
ورغم أن اغتيال الناشط حسين خطاب أخذ حيزا واسعا من التغطية الإعلامية والتنديد ضمن الشارع السوري المعارض، إلا أن الفصائل العسكرية التي تسيطر على المنطقة التي قتل فيها لم تصدر أي بيان أو توضيحات عن الحادثة حتى الآن.
التجاهل من جانب الفصائل العسكرية ليس حديثا على المشهد، بل ينسحب على كامل حالة الفلتان الأمني، دون أي تحرك جدي من جانبها حتى الآن، الأمر الذي وجه الاتهامات لها بـ “التقاعس”، وإخفاء هوية المجرمين.
ويوضح الحسين أن مستوى الحريات الإعلامية في عموم سوريا “مخزٍ جدا”، ولهذا فهي تصنف منذ سنوات على أنها البلد الأخطر على الصحفيين.
ويقول: “من المؤسف أن المناطق التي يدعي المسيطرون عليها أنهم مع الثورة السورية ويتبنون قيمها تشهد بدورها انتهاكات كثيرة بحق الحريات الإعلامية ويتعرض فيها الصحفيون والنشطاء الإعلاميون لضغوط هائلة”.
انعكاسات خطيرة
منذ قرابة أسبوع كان 16 ناشطا إعلاميا من محافظة إدلب قد دخلوا الأراضي التركية في رحلة لجوء، بعد قبول طلباتهم من قبل دول أوروبية على رأسها ألمانيا، وجاء ذلك ضمن حملة رعتها منظمات سورية مختصة بعمل الصحفيين، من أجل حمايتهم وإبعادهم عن مناطق الخطر.
خروج الناشطين من المنطقة لم يكن عن عبث، حسب مراقبين، بل جاء بعد قناعة منهم بأنهم قد يقتلوا على يد “مجهولين” في أي لحظة، لذلك فإن خيار الخروج والسفر هو السبيل الوحيد لضمان بقائهم على قيد الحياة.
ويرى الصحفي ماجد عبد النور أن الاغتيالات والاعتداءات سيكون لها أثرا على عمل الصحفيين والنشطاء في الشمال السوري، “فإما أن يتخذوا قرار الهجرة أو يجبر البقية على الجلوس في المنزل، بعد ترك المهنة”، ويتابع: “في أضعف الإيمان يتم إبعاد الصحفي عن جوهر عمله”.
بينما أشار مدير “المركز السوري للحريات الصحفية”، إبراهيم الحسين إلى أن حادثة اغتيال حسين خطاب “لها انعكاسات خطيرة على الواقع الإعلامي في المنطقة”.
ويقول الحسين: “كل العاملون في الإعلام سيجدون أنفسهم معرضين للخطر، وهذا سيؤثر على سوية عملهم ومهنيته إن لم يدفع بعضهم لترك المهنة بل المنطقة ويغادرها نتيجة الخوف”.
وكانت أعداد الانتهاكات المرتكبة من قبل النظام السوري أضعاف ما تقوم به قوى المعارضة المسلحة في السنوات الماضية، “لكن في العام الفائت والحالي نجد أن قوى محسوبة على المعارضة قد تجاوزت النظام في كثير من الأشهر لجهة عدد الانتهاكات التي وثقناها”، حسب الحسين.
“المنطقة طاردة للصحفيين”
وكانت منظمة “مراسلون بلا حدود” قد نشرت تقريرها السنوي الاثنين، وقالت إن سوريا ما زالت “واحدة من أكبر سجون الصحفيين في العالم” للعام الثاني.
ووثقت المنظمة التي كان لها دور في تسيير طلبات لجوء الناشطين من إدلب مقتل 134 صحفيا منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2019.
وما بين إدلب ومناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة الإدارة التركية في الشمال السوري كثيرٌ هي الحوادث التي وثقها “المركز السوري للحريات الصحفية”، في السنوات الماضية، وتراوحت بين الاعتقال والاعتداء والقتل في بعض الأحيان.
وتسيطر “هيئة تحرير الشام” على القسم الأعظم من محافظة إدلب، ولها سجل طويل في الانتهاكات بحق الصحفيين، بينما تسيطر فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا على مناطق ريف حلب، من الباب شرقا إلى عفرين، التي يكاد أن يخرج منها أي معلومة إلا ويتعرض ناشرها للمساءلة.
الكاتب والصحفي علي عيد يرى أن الحالة العامة للعمل الصحفي في شمال سوريا يمكن تقييمها بالقول: “هناك تضييق شديد على الصحفيين وعلى ممارسة المهنة، ولا يوجد تعامل مع الصحفيين”.
ويضيف عيد وهو الرئيس السابق لـ “رابطة الصحفيين السوريين”: “عمليات الاغتيال تؤثر بشكل كبير على أداء الصحفيين، وهناك حالة خوف، وتصلنا رسائل بشكل أسبوعي من زملاء صحفيين. الرسائل تتحدث عن مستوى الخوف الشديد والتهديدات التي يتلقونها”.
وبوجهة نظر الكاتب والصحفي السوري، فإن شمال سوريا هي منطقة “طاردة للصحفيين، وهي بيئة غير ملائمة للعمل، وتعتبر بيئة خطر أيضا، وغالبا ما يدفع الفرسان من الصحفيين ثمن الكلمة غاليا”.
ويوضح عيد أنه لا يوجد إمكانية تحرك للوصول إلى المعلومة وتغطية الحدث بشكل صحي، وذلك “بسبب سيطرة الفصائل الإسلامية والأخرى المدعومة من تركيا أو الجيش الوطني وغيرها من الفصائل”، مشيرا “جميعها لا تتعاون مع الصحفيين. هذه الفصائل تعتبر الصحفيين هدفا أولا وتضعهم في موضع العداوة، وهذا ينطبق أيضا على النظام السوري”.
من يقف ورائهم؟
على مدار السنوات الماضية تعددت النقابات والأجسام التي تجمع الصحفيين السوريين والنشطاء الإعلاميين، سواء في الداخل أو الخارج، وكان على رأسها “رابطة الصحفيين السوريين”، التي أسهمت في عمليات الضغط للإفراج عن ناشطين كانت الفصائل العسكرية قد اعتقلهم، دون أية أسباب.
لكن وفي الوقت الحالي هناك تشتت بخصوص الآليات التي من شأنها أن تضمن حماية الصحفيين والنشطاء في الداخل، أو تدفع لتحصيل حقوقهم، في حال تعرضهم لأي اعتداء أو حادثة اغتيال.
وتحدث مدير “المركز السوري للحريات الصحفية”، إبراهيم الحسين عن عدة أجسام ذات طابع نقابي تم تشكيلها في السنوات الماضية، وضمت الصحفيين والنشطاء الإعلاميين السوريين.
وأوضح الحسين أن هذه الأجسام “لم تبلغ المستوى المنشود في هذا المجال (الدفاع عن الصحفيين) لعدة أسباب منها عدم وجود تنسيق جدي فيما بينها، وكذلك حالة التسيب والفلتان العسكري والأمني في المدن التي خرجت عن سيطرة النظام، والتي باتت تُحكم من قبل فصائل شتى ومتعددة”.
ويتابع مدير مركز الحريات: “دعنا نتحدث بصراحة: لا توجد جهة نستطيع اللجوء إليها قادرة على حماية نفسها فكيف تحمي الصحفيين؟”.
ومنذ أسابيع كانت أربعة أجسام نقابية تعنى بأمور الصحفيين السوريين قد شكلت ما يسمى بـ “مجلس الإعلام السوري”، وحسب الحسين: “هذه الخطوة انطلقت من إدراكنا للخطر الذي يحيق بالصحفيين وأهمية الدفاع عنهم والضغط بقصد تأمين بيئة آمنة يمارسون فيها مهنتهم بحرية واستقلالية”.
في حين اعتبر الكاتب والصحفي، علي عيد أن تأسيس الأجسام النقابية محكوم بقوة الأمر الواقع التي تتحكم بالأرض.
ويقول: “يحتاج الأمر إلى تعاون مع مؤسسات سواء ذات طابع حكومي أو مؤسسات لها قوانين تحكمها، أو مؤسسات إعلامية لها مواثيق شرف ومدونات، ولها قواعد عمل واضحة”.
وهناك عدة أسباب تعطل عمل أي تجمع نقابي يدافع عن حقوق الصحفيين، حسب عيد من بينها “الواقع المشتت والظروف التي تحكمها الفصائل العسكرية المحتربة”، بالإضافة إلى غياب الجهة أو المؤسسة الراسخة على الأرض.