تحديات مجلس النواب* د. دانيلا عدنان محمد القرعان

النشرة الدولية –

عند الحديث حول المطلوب من مجلس النواب، لا بد بداية من الرجوع الى خطاب جلالة الملك الذي افتتح فيه اعمال الدورة غير العادية لمجلس الامة، فجلالته خاطب النواب بإن يكونوا على مستوى التحديات التي تواجه الوطن سواء كانت اقتصادية او سياسية او امنية اضافة الى التحدي الذي فرضته جائحة كورونا والتداعيات التي سببتها هذه الجائحة، كما ان جلالته كان واضحا ومباشرا في خطابه عندما طالب النواب ان يكونوا نواب وطن، وان يغلبوا المصالح الوطنية العليا ويبتعدوا عن المصالح الشخصية كما طالبهم جلالته بضرورة تفعيل دورهم الرقابي على اعمال السلطة التنفيذية (الحكومة)، فلا مجال للتخاذل في هذا الجانب مؤكد بذات الوقت ان يعمل الجميع على محاربة الفساد بكافة اشكاله سواء كان فساد اداري او مالي، او ممارسة الواسطة والمحسوبية على حساب العدالة والمساواة والشفافية، هذا هو المطلوب من النواب ومجلسهم في المرحلة المقبلة.

لذلك فإن النواب عليهم مسؤولية كبيرة في اعادة الاعتبار للسلطة التشريعية ودورها الرقابي والتشريعي ودورها في الاشتباك مع قضايا الوطن وهموم المواطن، للأسف فان الصورة النمطية لدى المواطنين حول المجلس ودوره صورة سلبية، حيث بات المواطن لا يعول على المجلس الشيء الكثير؛ بسبب ما شهدناه للكثير من الممارسات السلبية للعديد من اعضاء المجالس السابقة، من طوش وشتائم وسحب سلاح وعراك بالأيدي والتلفظ بالألفاظ النابية.

وكما ان اداء مجالس النواب السابقة في اغلبها لم ترتقي إلى المستوى المطلوب لا تشريعيا ولا رقابيا، فمثلا لا تعقد معظم اللجان في مجلس النواب اجتماعاتها بنصاب كامل، وهناك أعضاء يحجزون مكانا في اللجان ولا يحضرون اجتماعاتها، حتى أن بعض اللجان لا تجتمع إلا لتوزيع المناصب ، وهذا بسبب عدم ادراك النائب لمسؤولياته،اضافة الى التهرب من حضور الجلسات حتى اصبح عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسات المجلس وهو الطابع الغالب ، اضافة الى أن بعض النواب وخلال اربع سنوات وهي عمر المجلس لم يتجاوز حضوره للمجلس اصابع اليد ، كما ان هناك ممارسات سلبية لبعض النواب وهو قيامهم بافتعال المشاكل تحت القبة عند مناقشة أي قضية هامة وذلك من اجل افقاد النصاب القانوني للجلسة او من اجل انهائها وهذا امر شاهدناه كثيرا خلال المجلس السابق. . كما ان الاداء الرقابي فيه معضلة كبيرة اولا؛ بسبب عدم وجود كتل برلمانية قوية ومتماسكة تنطلق من عملها البرلماني من برنامج واضح اضافة الى تداخل مصالح النواب مع الحكومة مما يضعف دور النائب الرقابي والذي ينعكس بالضرورة على دور المجلس ككل، وهذا الواقع على مجلس النواب تداركه ومعالجته من البدايات.

على النواب تفعيل مدونة السلوك التي وضعت في عهد مجلس نيابي سابق والتي تحدد علاقة النائب بالحكومة وتحدد اخلاقيات العمل البرلماني والضوابط الخاصة بقبول الهدايا وغيره، فأهمية المدونة تكمن في وجود انكسار لهيبة مجلس النواب في الشارع الأردني، وأن هذا الانكسار له وجهان؛ وجه له علاقة بالأداء التشريعي والرقابي، ووجه آخر له علاقة بالسلوك النيابي، ولا يمكن استرجاع هيبة المجلس إلا بإصلاح هذين المسارين. لا يحتاج اعادة الاعتبار لكثير من الجهد في رسم خريطة طريق إصلاح الأداء النيابي وتحديد المهمات، فقد رسم خطاب العرش المسار بوضوح، وحدد أولويات المرحلة، والضوابط التي ينبغي أن تحكم أداء المجلس بما يضمن ممارسة دوره الرقابي والتشريعي دون تغول من السلطة التنفيذية أو تنمر من المجلس على المؤسسات الأخرى.

المرحلة خطيرة وصعبة، ولا تحتمل الاستعراض والشعبوية والاستقواء، ومن دون العمل بروح الفريق الواحد كما قال الملك لن نتمكن من تجاوز الظروف الاستثنائية التي نمر فيها بعد جائحة كورونا وما فرضته من تحديات. وهنا تكمن أهمية مؤسسة عمل المجلس من خلال كتل نيابية متماسكة وبرامجية، لتجاوز الحالة الفردية غير المنتجة، وتوظيف طاقات النواب عبر آليات عمل تضمن تحقيق النتائج المرجوة. وفي الوقت ذاته تعزيز دور اللجان بوصفها مطبخ العمل النيابي ومرجعية المجلس في التشريع لكل المؤسسات، بما يضمن احترام وقت المجلس وإنتاجيته.

نقلاً عن جريدة الدستور الأردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى