د. البقاعي: التحدي الأعظم للرئيس بايدن يتمثّل في كيفية التعاطي مع الملف الإيراني المرتبط بالحالة السورية

مركز مسارات – حوار مع الأكاديمية والسياسية السورية د. مرح البقاعي

يتوقع العديد من المراقبين السياسيين أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستؤثر بشكل سلبي على تطلعات الشعب السوري، ويصف البعض أن إدارة جو بايدن ستكون الإدارة الثالثة للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي وقع الاتفاق النووي في فيينا مع إيران عام 2015م، الاتفاق الذي صب في مصلحة نظام بشار الأسد بعد رفع الضغوط عن داعميه في طهران

حول هذا الموضوع أجرى مركز مسارات للحوار والتنمية السياسية حواراً مع السياسية والأكاديمية السورية د. مرح البقاعي

مرحباً بك سيدتي في هذا الحوار، العديد من السوريين يعتقدون أنه لن يكون هناك فرق بين إدارة أوباما وإدارة جو بايدن بما يتعلق بالملف السوري

بداية … هل تعتبرين إدارة جو بايدن هي الفترة الرئاسية الثالثة لإدارة أوباما فيما يتعلق بالشأن السوري؟

دخل الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها على منافسه الرئيس الحالي، دونالد ترامب، رافعاً شعار استعادة دور القيادة العالمية للولايات المتحدة وهو مناقض لشعار “أميركا أولاً” الذي أطلقه الرئيس ترامب. وبينما يحتاج برنامج بايدن لولايته القادمة إلى وقت ليس باليسير لتغيير العديد من السياسات غير تقليدية التي جاء بها سلفه، فإنه لا ريب سيحتاج وقتاً موازياً لإطلاق العنان لتنفيذ برنامجه الذي من المأمول ألا يكون نسخة محدّثة عن برنامج باراك أوباما، وأن لا تكون رئاسة بايدن أشبه بالرئاسة الثالثة للرئيس الأسبق الذي كان بايدن نائباً له لدورتين رئاسيتين، وقد أصبح يُطلَق على العهد الجديد – تندّراً – بعهد “أوباما 3”.

التحدي الأعظم للرئيس بايدن يتمثّل في كيفية التعاطي مع الملف الإيراني الذي يرتبط مباشرة بالحالة السورية، وخطة بايدن المحتملة لمعالجة الملف النووي الشائك من خلال إحياء اتفاق فيينا الذي انسحب منه سلفه ترامب في العام 2018.

والخوف يكمن في إمكانية أن الرئاسة الأميركية الديمقراطية لجو بايدن ستحمل انفراجاً لنظام بشار الأسد مرافقاً لانفراجات ستحدث في العلاقات الأميركية مع طهران، وهو من كان نائباً للرئيس باراك أوباما على امتداد ثماني سنوات. فإدارة أوباما هي من تفاوضت مع طهران لإبرام الاتفاق النووي في فيينا في العام 2015، ما رفع الضغوط بشكل كبير على حكومة طهران وأمّن لها موارد مالية من أصولها التي كانت مجمّدة وغير قابلة للتداول، الأمر الذي ساهم في بروز حالة من الانتعاش المالي والاستقرار السياسي في الداخل الإيراني غابت تماماً مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض؛ وقد كان لانسحاب ترامب من اتفاق فيينا النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران أثراً رجعياً على مكاسب إيران ما قبل هذا الانسحاب، وكذا على قدرتها في دعم الحليف الأهم في دمشق. وحدث أن عُلّق خط الائتمان المالي الذي كان مفتوحاً بين دمشق وطهران، ما أدى إلى انهيار حقيقي في إمداد النفط التي كانت حكومة دمشق تعتمد على إيران في تغذيته.

نأمل أن تكونه سياسة بايدن مختلفة عن ممارساته مع إدارة أوباما وهو صاحب القرار الأعلى اليوم في الولايات المتحدة.

هل تتوقعين المزيد من عقوبات قانون قيصر على مؤسسات وشخصيات من النظام السوري والإيراني ضمن برنامج الإدارة الجديدة؟

دخل قانون العقوبات الاقتصادية على النظام السوري الذي أطلق عليه اسم “قانون قيصر” حيّز التنفيذ الفعلي في شهر حزيران/ يونيو القادم، ليطبق القبضة على عنق زعامات الفساد المالي، وكل من تلطّخت يداه بدم الشعب السوري ودعم أو شارك في حملات العنف ضد المدنيين، دولاً كانت أم أفراداً.

فقد أقرّ مجلس النواب الأميركي قانون قيصر بالإجماع في تاريخ 22/1/ 2020، وتبعه إقرار مجلس الشيوخ في نوفمبر من العام نفسه، وأصبح في حينها قانوناً نافذاً؛ هذا القانون سيكون الأشد إيلاما لنظام الأسد المتمادي بارتكاب أبشع الجرائم والمجازر غير المسبوقة بحق السوريين المطالبين بالحرية والخلاص من الاستبداد والعنف المتأصّل في أجهزته. خمس وخمسون ألف صورة لضحايا الموت تحت التعذيب سرّبها المصور المنشقّ عن النظام الملقّب “قيصر” جابت العالم، وصدر القانون مستنداً إليها بعد أن تمٌ التحقق من صحتها؛ هذا علماً بأن تلك الصور تمّ جمعها من ثلاثة أماكن احتجاز فقط من أصل عشرات مراكز الاعتقال والموت التي يملكها النظام.

يهدف القانون إلى حماية المدنيين، ودعم الجهات التي تعمل على جمع الأدلة الجرمية وتسهيل عملها لمعاقبة مرتكبيها؛ كما وينصّ على فرض عقوبات على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية أو المصرف المركزي السوري.

وفي محاولة من النظام الهروب إلى الأمام، لجأ إلى استغلال الظروف التي فرضتها جائحة كوفيد 19 كأقصر وأسرع الطرق لفكّ العزلة السياسية الدولية المفروضة على دمشق، في محاولة منه للتخفيف من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي جاءت نتيجة لتنكيل نظام الأسد بشعبه، وممارسته العنف والتهجير والترويع لمئات الآلاف من السوريين، مستعيناً بالآلة الروسية الحربية والميليشيات الطائفية الإيرانية.

إلا أن واشنطن المنتبهة والمستعّدة لهكذا التفافات من الأسد وحلفائه أعلنت على الموقع الرسمي لوزارة الخزينة الأميركية وضمن بيان توضيحي لمكتب (أوفاك) التابع للوزارة، والمختص بمراقبة حركة الأصول الأجنبية المشتبه بها، وقد صدر في 16 نيسان/ أبريل الجاري ما يلي: “لقد صُممت عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على سوريا لردع بشار الأسد، والمتعاونين معه، والجهات الأجنبية الداعمة له، السورية، من الوصول والحكومة إلى النظام المالي الدولي وسلسلة التوريد العالمية. الإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجهات الفاعلة غير المشروعة التي تعمل في سوريا، مثل تلك التي تنتمي إلى مجموعات إرهابية مسمّات عالمياً، أو إيران، أو روسيا، ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية على الحالية”.

بعد مرور حوالي عامان على مؤتمر سوتشي، الذي كانت أهم مخرجاته اللجنة الدستورية، هل تعتقدين بأن اللجنة قادرة على كتابة الدستور بوجود الأسد في السلطة؟

يُعتبر الدستور العقد الاجتماعي الأسمى بين أبناء الشعب الواحد، يجتمعون حوله لبناء دولتهم والتأسيس لحكم رشيد يكون فيه القانون بمواده المنبثقة عن ثوابت الدستور هو السلطة العليا في البلاد، ولا سلطة تعلو عليها.

ويُجمع الفقهاء الدستوريون على أن عملية الاستفتاء على الدستور هي من أنجع الآليات الديمقراطيــة التي تتبعها الدول المعــاصرة في إقرار دساتيرهــا وقواعد نظام الحكم فيها؛ وإلى هذا تعود أصول فكـرة “الاستفتاء التــأسيسي” في وضع الدساتير، وهي من أهـم مظـاهر الديمقـراطية شبه المباشرة.

يمكن تعريف الاستفتاء التأسيسي بأنه العمل الجماعي الوطني الذي ينكبّ على كتابة مشروع دستور لحكم الدولة، يتم وضع مواده من لجنة مختارة من الخبراء والمتخصّصين، ويأخذ المشروع صفته القانونية ويصدر إذا وافق عليه الشعب في الاستفتاء العام، وإذا رفضه زال ما كان له من اعتبار بصرف النظر عمَّن قام بوضعه، ولو تعلَّق الأمر بجمعية تأسيسية منتخبة من الشعب.

يمكن القول في هذا السياق أن أسلوب الاستفتاء التأسيسي يمرّ بمرحلتين: المرحلة الأولى، هي مرحلة إعداد مشروع الدستور ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها الشعب أو لجنة خبراء يتم اصطفاء أعضائها بناء على الكفاءة، علماً أن ما تضعه الجمعية أو اللجنة من قواعد ونواظم للدولة يبقى مجرد مشروع دستور يفتقر إلى صفَتَيْ النهائية والنفاذ؛ أما المرحلة الثانية فهي مرحلة نفاذ الدستور، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد اقتران مشروع الدستور بموافقة الشعب بعد عرضه عليه في الاستفتاء الشعبي العام .

وهنا يكمن الفرق التقني بين أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الدستوري التأسيسي. فإذا كان الشعب بموجب الأسلوب الأول لا يُقرّر بنفسه دستوره، وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقرّرون باسمه ونيابة عنه دستور البلاد؛ فإن الشعب بموجب الأسلوب الثاني هو الذي يقرر دستوره بنفسه من خلال الموافقة أو عدم الموافقة على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء؛ ويترتب على ذلك نتيجة مهمة مفادها أن الدستور الذي يوضع وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية إنما يستكمل وجوده قانوناً ويصبح نافذاً بمجرد إقراره في صيغته النهائية من قبل الهيئة المنتخبة، في حين أن الدستور الذي يوضع وفقاً لأسلوب الاستفتاء التأسيسي لا يستكمل شرعيته قانوناً ونفاذاً إلا إذا أقرَّه الشعب في استفتاءٍ عام.

مما تقدّم نخلص إلى الحالة السورية الراهنة وماهية التشكيل الدستوري الذي أقرته الأمم المتحدة على هيئة “للجنة الدستورية” الجامعة بأعضائها المائة والخمسين لأطراف المعارضة والنظام والمجتمع المدني، ويمكن اعتبارها نموذجاً مثالياً لأسلوب الاستفتاء السياسي في صياغة الدساتير نظراً لتعذّر انتخاب لجنة تأسيسية دستورية ضمن واقع الشتات الذي يعيشه السوريون.

لكن ماذا يريد السوريون الآن من دستورهم؟ وكيف سيحقق هذا الصك الاجتماعي الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً إثر حرب غير مسبوقة أسفرت عما يقارب المليون شهيد سوري منهم من قضى ورحل عن عالمنا، ومنهم شهداء أحياء في معتقلات نظام الأسد، هذا إضافة إلى تشريد الملايين من النازحين واللاجئين المنتشرين في الأرض؟ ولماذا مضى السوريون أصلاً في ثورتهم وقدّموا التضحيات الجسام، هل كان هذا لمجرد خلاف دستوري مع السلطة الحاكمة أم أن الأمر جلل؟

لقد خرج الشعب السوري الحرّ في شهر آذار من العام ٢٠١١ مطالباً بحقوقه الإنسانية المشروعة التي غيّبها نظام الاستبداد الجاسم على صدر سوريا لعقود خلت؛ تلك الحقوق غدت مطالب أساس لا يمكن التنازل عن أي منها، التزمت بها قوى المعارضة والثورة التي انخرطت لاحقاً في عملية الانتقال السياسي متبنيةً ثوابت الشعب السوري وثورته، ودافعةً بها لإقرارها في المحافل الدولية؛ تلك الثوابت التي رعتها قرارات الأمم المتحدة واعتمدتها التزاماً دولياً لا بد من تنفيذه.

فالشعب السوري متمسّك بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وبسيادة الدولة على كامل أراضيها على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية. والشعب السوري ملتزم بالتأسيس لنظام حكم ديمقراطي تعدّدي مدني يثريه تنوّع النسيج الاجتماعي السوري، وذلك ضمن دولة تحترم المواثيق الدولية وتحتفي بالحريّات العامة وتقرّ شرعة حقوق الإنسان العالمية في إطار وحدة جغرافية سياسية ذات سيادة كاملة تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية، ونظام حكم يمثّل كافة أطياف الشعب السوري من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني أو طائفي أو قومي أو جنسي، بل يرتكز إلى مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون.

أما عن تعذّر كتابة دستور بوجود الأسد فأقول إن التغيير السياسي الحقيقي والراسخ في سوريا يحتاج إلى تغيير موازٍ في هيكلية النظام بعينه من القاعدة حتى أعلى الهرم، ودون ذلك لا يصحّ صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى