رسملة المصارف اللبنانية بنهاية شباط حقيقة أم وهم وما مصير الودائع؟* نوال الأشقر
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
بدأ العدّ العكسي للمهلة التي وضعها حاكم مصرف لبنان للمصارف اللبنانية لزيادة رأسمالها بنسبة 20% بنهاية شباط الحالي، وتكوين احتياطات بالعملات الأجنبية في المصارف المراسلة بنسبة 3%، وفق مندرجات التعميم الوسيط رقم 567، والبنوك غير القادرة على زيادة رأس المال سيتعين عليها الخروج من السوق، فضلًا عن التعميم 154 الذي يطلب بموجبه من المصارف حثّ عملائها الّذين حوّلوا “ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية إلى الخارج، خلال الفترة من 1/7/2017 حتى تاريخ صدور هذا القرار، أن يودعوا (يعيدوا من الخارج) مبلغًا يوازي 15% من القيمة المحوّلة، وذلك في حساب خاص مجمّد لمدة خمس سنوات”.
آراء الخبراء الإقتصاديين والمصرفيين إنقسمت، بين من رأى في تعاميم المركزي خريطة طريق لهيكلة القطاع المصرفي وإعادة نهوضه، وبين من صوّب على ثغرات من شأنها إتاحة إعادة الرسملة على الورق فقط، من دون أن تضخّ المصارف سيولة فعليّة في النظام المصرفي.
وفق مقاربة الباحثة في الشؤون القانونية والمصرفية الأستاذة الجامعية سابين الكيك، علاجات مصرف لبنان للأزمة المصرفية تجميلية، بحيث أوحت تعاميمه وكأنّها خطوة إصلاحية في الإتجاه الصحيح، إلّا أّنها في جوهرها ليست سوى إعتراف رسمي بعمق الأزمة المصرفية ومحاولة للخروج منها.
تفنّد الكيك في حديث لـ “لبنان 24” كيف أنّ المقاربة العلاجية وفق التعاميم ليست ملزمة للمصارف “وتصنّف قانونيًّا ومصرفيًّا ضمن إطار التدابير الوقائيّة، التي كان يفترض أن تطبّق منذ سنتين أو أكثر وليس الآن”.
المعضلة الأساس تكمن في طبيعة زيادة رأس المال، وما إذا كانت المصارف ستلجأ إلى ضخ رساميل حقيقية وليست دفترية، في هذا السياق تلفت الكيك إلى المادة الثالثة من التعميم ذات الرقم 567 الذي طلب بموجبه من المصارف زيادة 20% على أموالها الخاصة “الثغرة هنا تكمن في أنّ 50% من هذه النسبة تشمل تحويل عقارات من ملكيّة أصحاب المصارف إلى المصارف لتعاد تصفيتها خلال مهلة 5 سنوات، مما يعني عمليًّا تأجيل زيادة السيولة بمقدار 10% من أصل الـ20% إلى خمس سنوات إضافية. هذا عدا عن ترك المجال مفتوحًا أمام البنوك بأن تشمل الزيادة أيّ نوع من الأدوات المالية بالعملات الأجنبية، ولم يفرض أن تكون عبر أموال جاهزة”.
التعميم رقم 154 موجّه لفئة العملاء الكبار الذين حوّلوا أموالهم خارج لبنان، هذا التعميم لا يلزم هؤلاء بإعادة جزء من أموالهم، خصوصًا أنّ عملية نقل الأموال متاحة في القوانين اللبنانية ما لم يتم إثبات أنّها أموال مشبوهة، وبموجبه ترى الكيك أنّ المركزي اعترف وفق المادة الأولى منه، بأنّ المصارف اللبنانية فاقدة لنسب الملاءة والسيولة المفروضة بموجب قانون النقد والتسليف وإتفاقيات “بازل”، وعاجزة عن ممارسة نشاطها الإقتصادي الطبيعي، وممتنعة عن إعادة الودائع لعملائها وفق البند الثالث من المادة الثانية، ودون رأسمال كليًّا أو جزئيًّا وفق البند الأول من المادة الرابعة، وغير مستوفية لقدرة التعامل مع المصارف المراسلة، وغير قادرة على القيام بدورها كأداة ربط للاقتصاد الوطني الخارجي وفق المادة الثانية.
تقف الكيك عند تعابير حمّالة أوجه في التعميم 154 “أشبه ما تكون بحالة ذر الرماد بالعيون” منها:
-الطلب إلى كل مصرف إجراء تقييم عادل لموجوداته ومطلوباته، وهنا تسأل الكيك عادل لصالح من؟ وهل من معايير علمية للعدالة المالية عند تقييم الموجودات والمطلوبات؟
– الإمتثال بحسب المقتضى ولو بشكل متدرّج للنصوص القانونية المرعية الإجراء، فهل حماية حقوق المودعين تتحقّق وفق ما يناسب المصارف؟
– انجاح مبادرة المصارف في تمتين علاقتها مع العملاء عن طريق إيجاد إطار قانوني مقنع لهؤلاء، يضمن خلاله المصرف إستعادة المودع لأمواله مهما كانت الظروف، وهنا تسأل هل المصرف هو المرجع الصالح لإيجاد الأطر القانونية؟ ومن أوجد فئتين بين المودعين، فئة من يستعيد أمواله وفئة من خسر أمواله؟
ماذا عن مصير أموال المودعين في حال فشلت التعاميم في إصلاح القطاع المصرفي ؟
تنطلق الكيك من كل ما ذكرته من ثغرات لتعتبر اعادة هيكلة القطاع وبموجبها أعطى المركزي الضوء الاخضر للمصارف، وضمن ما سمي باعادة الهيكلة، لاتخاذ ما يلزم لإطلاق عملية تحويل الودائع إلى سندات دين قابلة للتحويل إلى أسهم، وهذا يدفعنا إلى الجزم بأنّ التعاميم تحول حق المودعين الائتماني إلى دين عادي قابل لتحويله مجدداً الى اسهم، وهذا طبعاً يحدد بحسب مصلحة المصرف المعني”.
بالمحصّلة المعالجة لا تكون مجتزأة، بل من خلال إعادة الهيكلة الشاملة، يندرج في سياقها تحديد خسائر القطاع المصرفي والإتفاق على كيفية توزيعها، في إطار خطّة واضحة على مستوى الحكومة، تعالج مالية الدولة وخسارات مصرف لبنان والمصارف في آن، بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتعمل على إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، من دونها لا هيكلة ولا سيولة.