لي متى بنشرب نفطنا؟* أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

هل مازلنا دولة غنية بالفعل؟! أم أننا، لا سمح الله، نسير باتجاه مواصلة تسجيل عجز متكرر في ميزانياتنا قد يقودنا يوماً إلى أن نصبح دولة تستدين لتسدد رواتبنا؟!

فيومياً، أتساءل: إلى متى ستبقى ميزانيتنا معتمدة على عداد أسعار النفط؟ وإلى متى سنبقى «نشرب نفطنا» فرواتبنا وكل مصروفاتنا معتمدة عليه، في ظل استمرار اقتصادنا أحادي المصدر!.

في فترة من الزمن، كنا دولة غنية بالفعل، ولكن كان نفطنا مصدر طاقة للعالم، وكنا نعلم ونردد، ونخشى من أن مصدر دخلنا هو مصدر ناضب، قد ينتهي يوماً ما.

ونسينا، أو تناسينا، أن ما نقتات من بيعه، أي النفط، قد يكون بلا قيمة نتيجة عدم حاجة الدول له، فبالرغم من أنه لم ينته بعد، ولكن قد يبقى بلا فائدة لأننا لن نجد من يشتريه.

في وقت رخائنا، كل ما فكرت به حكومتنا الرشيدة، هو كيف تزيد رواتب هنا وتمنح كوادر مالية هناك، في محاولة لكسب الشارع، بدل أن تفكر كيف تخرجنا من أزمة أحادية مصدر الدخل، وتفكر كيف تستثمر في فوائض الميزانية، إلى أن وصلنا اليوم لتسجيل عجز تلو الآخر، آخره ما نشرته القبس قبل أيام عن عجز ٥.٣ مليارات دينار في آخر تسعة أشهر، في الموازنة، بعد أن أصبحت مصروفاتنا تفوق إيراداتنا، وبعد أن أصبح العالم أقل حاجة لنفطنا، فهل أعدت حكومتنا العدة إذا ما استمرت أسعار النفط في انخفاض وإذا ما استمر الطلب ينخفض عليه شيئاً فشيئاً؟!

إلا أن حكومتنا الرشيدة كلما واجهت عجزاً، بدأت بتسريب أخبار بمضمونها مس جيب المواطن لجس نبض الشارع، دون أن تفكر بحلول جدية، أو على أقل تقدير توقف الهدر المالي والفساد الإداري الذي يحمل الدولة ملايين ويزيد أعباء الميزانية!.

بالمقابل، فإننا دائماً ما نتغنى أن لدينا برلماناً يدافع عن مصلحة المواطن، فنوابنا يبدأون عملهم البرلماني بالقسم بأن يذودوا عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وإن أخطأت حكومتنا التقدير يقومونها ويراقبوها، أو هذا ما نأمله منهم.

إلا أن ما شهدناه أخيراً، كان عكس ذلك تماماً، فبدل أن يقترح نوابنا حلاً لأزمتنا الاقتصادية التي توشك أن تكون خانقة، بدأوا حياتهم النيابية باقتراحات شعبوية، تطالب بمزيد من الدعوم، ومزيد من المزايا المالية، بلا مبررات واقعية، أو دراسات لعوائد هذه المطالبات على مشاكلنا الفعلية.

فإننا اليوم نعيش فترة، وكأن النواب، أو معظمهم على الأقل، يظنون أن عمر مجلسهم قصير، فيتسابقون على اقتراحات ومطالبات شعبوية تدغدغ مشاعر الناخبين، وكل من يقول «الزود عندي»، فمطالباتهم في زيادات مكافآت ودعوم وبدلات لا مبرر لها سوى رغبتهم بأن يعاد انتخابهم.

وتأتي هذه المطالبات من دون وعي أن المواطن لا يحتاج زيادة بدل إيجار أو مكافأة طلابية أو دعم عمالة، بقدر ما يحتاج أن يضمن مستقبله ومستقبل أبنائه، وأن يرى حلولاً واقعية لعجز الميزانية المتكرر، فأي نائب هذا الذي بدل أن يقترح حلولاً لإخراجنا من مأزقنا المالي، يقترح ما يزيد العبء على ميزانيتنا! وبدل أن يراقب الحكومة في كيفية إدارة الأزمة المالية، يصر عليها أن تزيد أعباءها المالية؟!

اليوم نحن أحوج ما نكون إلى عقول اقتصادية وطنية، تضع حلولاً على طاولة النقاش، لاختيار الأصلح منها، حتى يستعيد اقتصادنا عافيته، حلولاً بعيدة عن مس جيب المواطن، وأيضاً بعيدة عن تحميل الميزانية أعباء مالية أكثر مما تتحمله، حلولاً تضمن لنا استمرارية رفاهنا، ورواتبنا، وحلولاً على الأقل تمنحنا شيئاً من الطمأنينة أن دولة الرخاء لن تنحدر لتصبح دولة فقيرة بسبب «قلة الدبرة»، فأولى الخطوات اليوم أن نطبق الحوكمة والرقابة لوقف الفساد الذي يستنزف المال العام، ولنوقف الهدر المتكرر، والمصروفات التي لسنا بحاجة فعلية لها، ومن ثم نضع خططاً قصيرة وطويلة الأجل، القصيرة حتى نسد بها عجز الموازنة سريعاً، وطويلة الأجل حتى نضمن لنا اقتصاداً متنوع المصادر في إيراداته، هكذا نستطيع أن نؤمن مستقبلنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى