الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتِج على طاولة منتدى الفكر العربي

النشرة الدولية –

عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، بعنوان: “الاقتصاد العربي، من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتِج”، حاضر فيه وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي المالي، والاختصاصي في شؤون الشرق الأوسط ودول حوض البحر المتوسط، د. جورج قُرم من لبنان. وشارك بالمداخلات في اللقاء، الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبوحمور، كل من: رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والوزير الأردني الأسبق د. طاهر كنعان، والسيدة لمياء المبيض بساط رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي من لبنان وعضو لجنة خبراء الإدارة العامة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وأمين عام اتحاد رجال الأعمال العرب الوزير الأردني الأسبق الأستاذ ثابت الطاهر، والأكاديمي والخبير الاقتصادي د.حميد الجُميلي من العراق.

بيّن المفكر الاقتصادي اللبناني د. جورج قُرم أن الاقتصاد الريعي هو حصر للنشاط الاقتصادي في ميادين وقطاعات تدرُّ أرباحاً كبيرة من دون أن يكون لصاحب الريع أي نشاط إنتاجي وإبداعي يذكَر، أكان هو رجل أعمال فردي أم شخصية اعتبارية من القطاع الخاص أم شخصية اعتبارية من القطاع العام، سواء أكانت دولة مركزية أم شركات من القطاع العام أم هيئات محلية.

وأوضح د.قُرم المصادر الريعية التي تعتمد عليها اقتصادات الدول العربية، ومنها: الريع النفطي، ريع المواد الأولية المنجمية والزراعية، ريع طرق التجارة العالمية، ريع تمثيل الشركات متعددة الجنسية، الريع العقاري، وريع المساعدات الخارجية. مما جعل المنطقة العربية مجرّد سوق استهلاكي للسلع والمنتوجات الأجنبية من دون أن يكون لها أي نشاط إنتاجي داخلي في المجالات التقنية الحديثة، مثل الإلكترونيات والمعلوماتية ووسائل النقل الحديثة البحرية والبرية والجوية.

وأشار د.قُرم إلى النتائج المترتبة على هيمنة الاقتصادات الريعية في المنطقة العربية مثل قلّة الأداء الاقتصادي وحالة التخلف والأمية والفقر، وزيادة الفجوة بين فئة الأغنياء الضيقة ورقعة الفقراء الواسعة، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة بشكل مقلِق، وانخفاض نسبة مساهمة المرأة في سوق العمل، وانخفاض نسبة براءات الاختراع في المنطقة العربية، مما يدعو إلى القيام بالبحوث والدراسات حول الاقتصاد الريعي وتحليله، والنظر إلى ارتباطه بالعوائق المجتمعية من الناحية الفكرية والإبداعية، وتراجع إقبال القوى البشرية لاكتساب العلوم ومهارات التكنولوجيا والتقنيات الإنتاجية الحديثة.

وقال الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبوحمّور في كلمته التقديمية: إن عملية التخطيط للتحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، تحتاج إلى وضع استراتيجيات واضحة وعادلة لدعم الإبداع والابتكار والتأهيل والتدريب، ومراعاة التوازن في الموارد البشرية والمالية والاقتصادية، حتى لا تظل البطالة معضلة مجتمعاتنا المؤرِّقة ومدار انشغال إدارة السياسات والخطط التنموية.

وأشار د. أبوحمّور إلى أن النظرة الشمولية لمشكلات التنمية العربية تتطلب أن لا نغفل في الشق الاقتصادي عن الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية، فقد تداخلت الأزمات عندما غابت هذه النظرة، وعند غياب الرؤية الوحدوية العربية وتغليب التفكير القُطري. لذلك علينا إعادة الترابط العربي ابتداءً من الاقتصاد ضمن المصالح الحقيقية المشتركة وصولاً إلى بناء كتلة اقتصادية تستطيع أن تشكل وزناً للصوت العربي في المقاييس والنظام العالمي القائم على تكتلات متنافسة.

وبيّن رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة د.طاهر كنعان، أنه ما من ادّخار في الاقتصاد في الحالة الأردنية، إذ إن كل ما ينتَج على أرض الوطن ينفَق ويوجَّه للاستهلاك. وإن مقابل معدل البطالة في الأردن البالغ 30%، هناك نصف مليون عامل أجنبي، مما يبين أن الوضع شاذٌّ وغير متكافئ، ويفّسر تراجع معدلات النمو الاقتصادي. ولا يصلح من هذا الأمر إلا وجود نظام ضريبي عادل يؤدي إلى رفع الادخارات ويؤدي إلى توجيه الادخار نحو الاستثمار.

وأوضحت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي السيدة لمياء المبيض بساط من لبنان، أهمية تغيير نمط الأنظمة المالية والنقدية في الإدارة المصرفية وإدارة المال العام، من أجل وقف اقتصاد التبذير القائم في الدول العربية، والعودة إلى الانتظام المالي وتوجيه الموارد المالية بشكل استراتيجي جديد، يتناسب والتطورات التكنولوجية لسوق العمل، تحقيقاً لنمو اقتصادي حقيقي على أساس القواعد التنافسية.

وأشار أمين عام اتحاد رجال الأعمال العرب الأستاذ ثابت الطاهر إلى ضرورة وضع خطط تنمية جديدة تقوم على تطوير التعليم حتى يواكب التغيرات التكنولوجية المتسارعة، ودعم مجال البحث العلمي، ووضع إجراءات شراكة عملية بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى التركيز على تطوير القوى البشرية، فهي أداة التنمية ووسيلتها وغايتها، وذلك تفعيلاً لدورها المهم وتجنب الهجرات المستمرة لها إلى الخارج من أجل الحصول على فرص العمل والإبداع والابتكار.

ومن جهته أشار الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي د. حميد الجُميلي إلى أن الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتِج لن يتم إلا بتصحيح اختلالات الهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي عن طريق تفعيل دور قطاعي الصناعة التحويلية وقطاع الزراعة. إضافة إلى تبنّي سياسات صناعية مولِّدة ومتفقة مع استراتيجية الاعتماد على الذات والتنمية المستقلة ذات الرؤى الواضحة. كما أن الانتقال إلى الاقتصاد المنتِج يتطلب توجّه حركة الاستثمارات العربية نحو القطاعات الإنتاجية عوضاً عن القطاعات الخدمية سريعة الدخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى