كيف تعالج أميركا الفوارق العرقية في مجال العلوم؟* بروجيكت سنديكيت
النشرة الدولية –
تساعد التطورات العلمية أميركا والعالم على مواجهة التحديات العالمية الرئيسة، بما في ذلك جائحة كوفيد19 المستمرة وتغير المناخ، ومن خلال تمكين أفراد المجموعات الممثلة تمثيلا ناقصا للاستفادة من مواهبهم، فإن التقدم نحو التكافؤ العرقي والجنسي في العلم من شأنه أن يسرع من وتيرة التقدم، مما يعود بالفائدة على الجميع.
دخلت كامالا هاريس التاريخ في وقت مبكر من هذا الشهر عندما أصبحت أول امرأة وأول شخص أسود وأميركي من جنوب آسيا يشغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة، ولكن على الرغم من هذه الانتصارات الكبيرة التي تُحقَق بين الحين والآخر، فإن أميركا أبعد ما تكون عن تحقيق التكافؤ العرقي والجنسي في العديد من المجالات، بما في ذلك الحكومة، والعلوم، والمجال الذي أعمل فيه.
ووفقًا لليونسكو، 30 في المئة فقط من الباحثين في مجال العلوم على مستوى العالم هم من النساء، وتمثل النساء السود نسبة صغيرة فقط من هذا المعدل، كذلك، كشفت إحدى الدراسات الأميركية، العام الماضي، أن الكتب المدرسية العلمية لا تتحدث إلا على عدد قليل من العلماء ذوي البشرة الملونة، بمن فيهم النساء، وهو عدد يكاد لا يوفر نماذج يُحتذى بها لمجموعة متنوعة من الطلاب الذين يستخدمونها.
ويعزز هذا التفاوت الوضع الراهن، ففي عام 2016، حصل الطلاب من ذوي البشرة السوداء على 22 في المئة فقط من درجات البكالوريوس الأميركية في العلوم والهندسة، و9 في المئة من درجات الدكتوراه في تلك المجالات، وبعد التخرج، تتضاءل أعدادهم أكثر، إذ يمثل السود أقل من 10 في المئة من القوى العاملة الأميركية في مجال العلوم.
وعندما يختار الأشخاص ذوي البشرة الداكنة الدراسة والعمل في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، فقد يواجهون تمييزا وتحيزا ضمنيين وصريحين، فحسب تقرير مركز بيو للأبحاث لعام 2018، قال 62 في المئة من العاملين السود في العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، إنهم تعرضوا للتمييز، وتظهر دراسات أخرى أن التحيز العنصري يمكن أن يقلل أيضا من قيمة الهويات العرقية للطلاب من ذوي البشرة السوداء في التخصصات المذكورة أعلاه.
إن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في التعليم، إلى جانب السياسات غير السليمة، يعوق الجهود المبذولة لتحقيق التوازن الجنسي والعرقي في تخصصات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات. وفضلا عن ذلك، أدت سياسات الهجرة التقييدية لإدارة ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، إلى تثبيط التدفقات الوافدة إلى الولايات المتحدة من مواهب في مجال العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، كما أخضعتها لقيود أيضا.
إن هذا يجب أن يتغير، ففي عصر أصبح فيه جذب العلم لأفضل العقول مهما أكثر من أي وقت مضى، فإن نقص تمثيل النساء والأشخاص من ذوي البشرة الملونة في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، له عواقب وخيمة على أميركا والعالم. وينبغي أن نحقق ما هو أفضل في ما يتعلق بإعطاء الفتيات والنساء الطموحات من ذوي البشرة السوداء، نماذج تشبههن ليحتذين به، حتى تتمكن رائدات المستقبل، مثل هاريس، من الازدهار وتحطيم المزيد من الحواجز الخفية.
إذاً، كيف يمكن معالجة الفوارق العرقية الأميركية في العلوم؟ أولاً، نحن بحاجة إلى سياسات مستدامة تستهدف القدرة على تحمل التكاليف، بدءا من مستوى الكلية، ويتطلب تعزيز الالتحاق بها، وتشجيع النساء والطلاب ذوي البشرة الملونة الذين يتابعون بالفعل تخصصات في مجال العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، إنهاء دراستهم ضمان قدرتهم على تحمل العبء المالي. وتشير الأدلة إلى أهمية جعل المساعدات المالية، ومنح بيل، متاحة للطلاب ذوي البشرة الملونة، والأقليات الأخرى من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وفي الواقع، نظراً لأنه ينبغي على العديد من الطلاب حاليا التوفيق بين التزامات المدرسة والعمل، يجب مضاعفة المساعدات المالية وغيرها من المساعدات المتاحة للطلاب ذوي البشرة الملونة في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات.
ولكن المساعدات المالية وحدها ليست كافية، إذ يمكن أن يكون التوجيه على جميع المستويات- لطلاب المدارس الثانوية والجامعات، والأشخاص في بداية حياتهم المهنية ومنتصفها- أمرا بالغ الأهمية للمساعدة في تحسين معدلات البقاء في المؤسسات الأكاديمية، وضمان ازدهار الأشخاص ذوي البشرة الملونة في وظائف العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، وما يبعث على السرور هو أن بعض المؤسسات تقوم بوضع مثل هذه البرامج وتمويلها، ففي عام 2019، على سبيل المثال، تلقت جامعة كاليفورنيا، ديفيس، أكثر من مليون دولار لوضع خطة توجيهية لـ15000 فتاة بهدف سد الفجوة بين الجنسين في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات.
وتظهر الأبحاث كيف يمكن للتوجيه أن يساعد النساء على البقاء في مجال العلوم من خلال تعزيز شعورهن بالانتماء والثقة، ويتطلب التركيز على التغيير الإيجابي من الأفراد، والجامعات، والوكالات الفدرالية الأميركية، والشركات الخاصة التي تركز على العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، اتباع نهج استباقي لإنجاز هذه المهمة.
ثالثا، تحتاج الولايات المتحدة إلى حكومة فدرالية ملتزمة بالعلم وتمكين النساء، وخصوصا ذوات البشرة السوداء، ولحسن الحظ، تمتلك إدارة الرئيس، جو بايدن، أجندة جريئة فيما يتعلق بقضايا المرأة. وتقترح، على وجه التحديد، إعفاء الكليات، والجامعات، وغيرها من المؤسسات التي كانت على مدى التاريخ تخدم الأقليات، من الرسوم الدراسية للطلاب الذين تقل دخل أسرهم عن 125000 دولار سنويا، ويخطط بايدن أيضا لفرض الحماية بموجب قانون الباب التاسع لضمان حصول النساء والفتيات على مساعدات مالية، وفرص تعليمية أخرى لتحقيق إمكاناتهن الكاملة.
والأهم من ذلك، يجب على الولايات الأميركية، كل واحدة على حدة، أن تلتزم أيضا بمعالجة نقص تمثيل النساء والأقليات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتحديد المبادرات الواعدة الموجهة نحو هذا الهدف، وتوسيع نطاقها.
وأخيرا، نحتاج إلى مزيد من البحث لتوليد أدلة قائمة على البيانات حول أفضل الطرق لتقليل التفاوتات العرقية في العلوم، ومقارنة بالبحوث حول التحيزات بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية، لا تزال التحيزات العرقية غير مدروسة، ولذلك يجب على وكالات التمويل مثل National Science Foundation (ناشيونال ساينس فاونديشن)، تخصيص الأموال حصريا لمثل هذا البحث.
وتساعد التطورات العلمية أميركا والعالم في مواجهة التحديات العالمية الرئيسة، بما في ذلك جائحة كوفيد19 المستمرة وتغير المناخ، ومن خلال تمكين أفراد المجموعات الممثلة تمثيلا ناقصا للاستفادة من مواهبهم، فإن التقدم نحو التكافؤ العرقي والجنسي في العلم من شأنه أن يسرع من وتيرة التقدم، مما يعود بالفائدة على الجميع.
* أستاذة مساعدة في علم الحشرات والدراسات الإفريقية الأميركية في جامعة إلينوي، في أوربانا شامبين.