“حزب الله” والاتهام..”الظالم”!* فارس خشّان

النشرة الدولية –

يريد “حزب الله” أن يطبّق اللبنانيون، في تعاملهم معه، كلّ المبادئ المثالية، وفي مقدمها عدم جواز توجيه أيّ اتهام إليه، في أي جريمة يُشتبه بأنّه وراءها، كاغتيال المفكر السياسي لقمان سليم، من دون توفير الأدلة الثبوتية.

إنّ هذا المطلب، من حيث المبدأ، صحيح، فتوجيه الاتهامات، من دون توافر الأدلة، خطأ، ولذلك فهذا موضوع، بما أنّه يحتاج إلى قدرات احترافية، وإلى أجهزة مختصة، وإلى مراجع مسؤولة، يُعهَد به إلى القضاء المختص.

ولكنّ إلزام المواطنين بالمبادئ السامية، يحتاج إلى تكامل، بمعنى أنّه لا يمكن فرض قاعدة محدّدة عليهم، فيما يتم استهدافهم بخرق كل القواعد الأخرى. بكلام آخر، إنّ “حزب الله”، حتى يكون طلبه هذا مشروعاً، يجب أن يكون وجوده كما أداؤه، ملتزماً بالقواعد السامية.

ومن القواعد التي يخرقها “حزب الله”، على سبيل المثال لا الحصر، في تعامله مع اللبنانيين أنّه يُهدّد من يشاء، ساعة يشاء، وكيفما يشاء، من دون أن يلتفت إلى أيّ رادع أخلاقي أو قانوني أو مبدئي. ومن البديهي أن تنصب على من يستسهل تهديد الناس الاتهامات، عندما يتم اغتيال هؤلاء.

وفي مطلق الأحوال، فإنّ المبادئ السامية التي تُعنى بحقوق الإنسان، لا يمكن اجتزاؤها، فهي وُجدت لتطبّق في الدول الطبيعية، حيث هناك دولة يحكمها دستور، وتحتكر السلاح، وتوفّر الاستقلالية لقضائها والحيادية لأجهزتها الأمنية.

ولأنّ “حزب الله” يتحمّل مسؤولية إخراج لبنان من قائمة الدول التي تتمتّع بهذه المواصفات الطبيعية، فإنّ ادّعاءه المظلومية، كلّما وجه إليه المواطنون اتهامات اغتيال من كان قد سبق له أن هدّدهم، يُثير السخرية هنا والسخط هناك.

إنّ على “حزب الله” حتى تستقيم مطالبته اللبنانيين بالالتزام بمبدأ اقتران الاتهام بالدليل، وقبل أن يُكثر من إلقاء دروسه في العلم الجنائي، أن يتخلّى ليس عن الترهيب الذي يمارسه بكل الوسائل المتاحة له، فحسب بل أن يتخلّى، أيضاً، بإعلان صريح، عن مبدأ اللجوء إلى العنف، المعنوي والمادي، تحقيقاً لأهدافه، ويسارع إلى تسليم أعضاء أجهزته الأمنية غير الشرعية الذين اتهمهم أو حكم عليهم القضاء، بدءاً بأكثرهم شهرة سليم عيّاش.

إنّ معارضي “حزب الله” أمام سطوته على الدولة وسلطاتها ومؤسساتها، على اختلافها، لا يملكون، في هذه المواجهة غير المتكافئة، إلّا ألسنتهم، علّهم يوفّقون، بمشاركة بعض وسائل الإعلام، إلى إقامة توازن معنوي، من شأنه أن يضع بعض العوائق، أمام تفلّت آلة القتل التي يعتقدون أنّ هذا الحزب، صاحب الأسبقيات، يتحكّم بها.

في العام 2005، ظنّ اللبنانيون أنّ البديل عن القضاء المحلي هو القضاء الدولي، ولهذا كان أبرز الشعارات التي حملتها التظاهرة المليونية في الرابع عشر من مارس 2005، المطالبة بالعدالة الدولية.

وحالياً، بعد 16 سنة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، و6 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، وأسبوع على اغتيال لقمان سليم، إنّ العدالة الدولية نفسها لم تعد تشكّل ملاذاً لحماية من يُخشى أن يتعرّض لهم “حزب الله”.

ومن يدقّق في ردات الفعل يُدرك أنّ هذا الخيار سقط من قائمة المطالب، وبات من يرفضون، أساساً، هذا الخيار أكثر قوة في رفضهم له، لأنّ الانطباع الشعبي الغالب في لبنان، بالاستناد إلى مجريات ملف اغتيال الحريري، يجنح نحو اعتبار أنّ النتائج المرجوّة من القضاء الدولي لا تستحق كلفته.

القلّة التي لا تزال تؤمن بخيار القضاء الدولي، تعتبر أنّ الانطباع العام في لبنان لا يتطابق مع الحقيقة، ذلك أنّ “المحكمة الخاصة بلبنان”، بغض النظر عن حجم النتائج التي كان يؤمل أن تنتهي إليها، قدّمت للبنانيين والعالم ما لم يكن يُمكن للقضاء المحلي أن يفعله، فهي، بما تملكه من صلاحية تجاه الأفراد حصراً، وفي ظل حرمانها من أي صلاحية تجاه التنظيمات والدول، نجحت، من خلال تجريم سليم عيّاش، في توجيه الأنظار إلى أدوات القتل التي يعتمدها “حزب الله” ويتبادل، من خلالها، الخدمات مع نظام بشّار الأسد.

وفي اعتقاد هؤلاء إنّ “المحكمة الخاصة بلبنان” وضعت، بقرار دولي، أوّل أسبقية رسمية، في سجل “حزب الله” الإجرامي، الأمر الذي يُعطي توجيه الاتهامات الشعبية لـ”حزب الله” عن اغتيالات له مصلحة فيها وقدرة عليها، قوة دفع تحتاج إليها.

ولكن، على الرغم من كل ذلك، فإنّ اللجوء إلى القضاء الدولي لم يكن يهدف إلى تدوين حقيقة رسمية بل إلى توقيف القتلة، من جهة وتوقيف الاغتيالات، من جهة أخرى.

وهذا ما لم يتحقق أبداً، لا بل بدا أنّ الجهة التي أدينت بجريمة بحجم اغتيال الحريري، بدل أن تضعف قويت، وبدل أن يحجّمها القضاء الدولي حجّمته، وبدل أن ينتفض عليها الضحايا، أحكمت الإمساك بهم.

وبناء عليه، إنّ “حزب الله” الذي يستقوي على الجميع في لبنان، خارج إطار المبادئ، لا يملك مشروعية مطالبة الآخرين، بخدمته، من خلال إلزامهم بالتقيّد بعدم رفع آخر ما تبقى لهم في مواجهته: أصواتهم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى