الكونغرس يقدم محاكمة ترامب بالألوان
النشرة الدولية –
العرب الدولية –
أثارت محاكمة عزل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مجلس الشيوخ إعجاب البعض واستغراب البعض الآخر في الشارع الأميركي. فالتركيز لم يكن على الأدلة والبراهين، بل على عبارات نارية تثير خيال المستمع وتسجيلات فيديو بإخراج هوليوودي تشد بصر المشاهد، حتى بدت الجلسات وكأنها حلقات من مسلسلات تلفزيون الواقع المنتشرة هذه الأيام.
وهذا ليس خطأ غير مقصود أو محض صدفة، فهدف المحاكمة سياسي أولا وآخرا، وفريق الادعاء الذي يُسمى بـ”مدراء العزل” يتوجه إلى الرأي العام الأميركي قبل أن يتوجه إلى أعضاء مجلس الشيوخ الذي يُلقى على عاتقه التصويت والحكم على الرئيس السابق.
ويعرف فريق الادعاء حقا ما يستمتع المواطن الأميركي بمشاهدته على شاشات التلفاز. فمنذ المحاكمة الشهيرة للاعب كرة القدم الأميركية أو جي سمبسون في العام 1994، انتشر تلفزيون الواقع البوليسي والقضائي في الولايات المتحدة ولاقى إقبالا منقطع النظير.
وفي مثل هذه الحالة يستطيع المشاهد تقمص دور القاضي وتكوين آرائه حول القضية المطروحة بما يناسب اعتقاداته وتجاربه الشخصية، ثم أتت وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح المشاركة والحوار حول هذه القضايا وسيلة للتسلية وطرح الرأي على الملأ.
وهنا تكمن المعضلة الحقيقية، فالرئيس الأميركي السابق لن يستطيع الاكتفاء بإقناع ما يكفي من أعضاء مجلس الشيوخ بالتصويت لصالحه وإنقاذه من العزل فحسب، بل أصبح مرغما على الدفاع عن نفسه أمام ما يزيد عن 300 مليون مواطن أميركي يتابعون محاكمته باهتمام وشغف، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المشاهدين حول العالم.
وعلى الرغم من فشل فريق الادعاء في تحقيق هدف العزل تحت قبة مجلس الشيوخ، إلا أن الهدف الأكبر والأهم كان أساسا اغتيال صورة ترامب على شاشات التلفاز في غرف الجلوس.
ومع أن هذا الأسلوب ليس جديدا، حيث استعمله الجمهوريون بجدارة خلال محاكمة عزل الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون حتى أصبح اسمه مقترنا برداء مونيكا لوينسكي الأزرق الذي استعمله الادعاء يومها كدليل دون كلل، إلا أن محاكمة ترامب مختلفة بشكل لا يقبل الشك.
فالأدلة ضد ترامب، إن صحت تسميتها ذلك، اقتصرت على أدلة ظرفية تستند على تفسيرات محدودة الإطار لعدة تصريحات في خطاباته وبضعة تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي لا تكفي في نظام مبني على فكرة أن الإدانة تصح فقط عندما يتبين ذنب المتهم بشكل لا يقبل الشك.
ومع أن الرئيس الجمهوري الخامس والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة لم يعد في السلطة وليست لعزله ضرورات آنية تبرر هذا الاستعجال، خصوصا في هذه الفترة الصعبة التي يواجه فيها المواطنون الأميركيون ضغوطا اقتصادية واجتماعية لا حصر لها بسبب جائحة كورونا، إلا أن التوقيت كان ضروريا لسند حجج الديمقراطيين ضد ترامب.
فحجة الادعاء المبنية على فيديوهات لأنصار الرئيس السابق، وهم منهمكون بتدنيس حرمة مبنى الكونغرس (الكابيتول) بعدما اقتحموه في السادس من يناير الماضي، والموجه أساسا إلى الشارع الأميركي، تحتاج إلى أن تكون متضمنة لصور حادثة الاقتحام، والتي ما تزال جلية في ذاكرة المواطن الأميركي.
وما يتخوف منه المتابعون للشؤون الأميركية لا علاقة له بشخص ترامب في حد ذاته أو مصيره، فليس للرؤساء الأميركيين تاريخيا دور كبير في السياسة بعد خروجهم من البيت الأبيض مهما كانت ظروف ذلك الخروج، لكن من الصعب استشراف ما قد تؤدي له هذه المحاكمة من تداعيات مستقبلية على الحياة السياسية الأميركية.
وفي ضوء ذلك، تقفز العديد من التساؤلات تتمحور حول ما إذا كان العزل، أو التلويح به، سيصبح سلاحا سياسيا تستخدمه الأحزاب لفض نزاعاتها على الملأ بعد أن كان حقا دستوريا لا يستخدم إلا فيما ندر؟ وهل انتقلت فعلا سلطة المشرع الأميركي الذي يمثل الناخب في مركز القرار إلى الناخب ذاته في زمن وسائل التواصل الاجتماعي والتغطية التلفزيونية المباشرة؟
والجواب على هذه الأسئلة قد يستغرق سنوات ليظهر بوضوح، لكن الجميع يتفق على أن السياسة والحوكمة لن تستثنيا من التغيير الذي يفرضه التقدم التقني والتحول الاجتماعي اليوم.