مَن يستفيد من غياب الدولة؟* اندريه قصاص

النشرة الدولية –

عندما تكون الدولة ضعيفة أو مستضعفة يكثر المستفيدون من هذا الظرف.

وعندما تغيب مؤسسات الدولة عن الساحة يبرز كثيرون من الذين لا يريدون لهذه الدولة أن تكون موجودة.

وعندما تنهار هذه المؤسسات ويتلاشى دورها نرى كثيرين يسعون إلى الحلول محلها.

وعندما يغيب العمل السياسي الوطني يتنطّح الذين يعيشون في الظلّ ويتصدّرون الساحات.

فبضعف الدولة يضعف المواطن، الذي لا سند له سوى هذه الدولة، وإن ضعيفة أو مغيّبة أو حتى منهارة. فالدولة على رغم ضعفها ووهن مؤسساتها تبقى بالنسبة إلى كثيرين من المواطنين أفضل بألف مرّة من البدائل أو ممن يتوهمون أنهم قادرون على أن يحّلوا محلّ الدولة.

أمّا الآخرون، الذين لا يفوّتون أي فرصة سانحة للعمل على تجريد الدولة مما تبقى لها من هيبة، فيسعون إلى أن يكونوا بالمعايير الإفتراضية مرادفين للدولة بما تعنيه من مفاهيم توحيدية للأرض والشعب والكيان، من دون أن نقصد بالطبع أي جهة محدّدة، ولكن في العموم فإن كل مستفيد من غياب الدولة هو بالتالي مشروع دولة على حجمه ليحلّ، في مكان ما، مكان هذه الدولة.

ثمة أشخاص يدّعون أنهم سياسيون، وهم بالفعل هامشيون لا دور لهم، من حيث طروحاتهم التي تتعارض مع مبادىء الدولة الواحدة الموحدة بمؤسساتها الشرعية، يجدون لأنفسهم مساحة واسعة من الحركة عندما تغيب الدولة، ويعتقدون أنهم في هذه الحال قد حققوا مآربهم، مستفيدين من بعض المؤيدين الضعاف النفوس، الذين إعتادوا على نقل البندقية من كتف إلى آخر، ليزيدهم ذلك تبجّحًا وتوهّمًا بأنه قد أصبحت لهم حيثية، ولو ظرفية.

أمّا المستفيدون الأكبر من هذا الغياب فهم أؤلئك الذين يتحرّكون تحت جنح الظلام لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، خصوصًا أن هذه الظاهرة قد تكاثرت في الآونة الأخيرة. وما إغتيال الناشط السياسي لقمان سليم سوى جريمة من ضمن مخطط جهنمي يستهدف في ما يستهدفه الإستقرار العام في البلاد وضرب هيبة الدولة وقواها الأمنية والتقليل من فعاليتها، الأمر الذي يستدعي توحيد جهود الأجهزة الأمنية بدلًا من تنافسها غير الصحي لغايات لم تعد خافية.

وقد تجد الخلايا النائمة، خصوصًا مع عودة “داعش” إلى الحركة في الإقليم، في غياب الدولة فرصة سانحة لتوجيه ضربة حيث تسطيع إلى ذلك سبيلًا، من خلال تنفيذ بعض العمليات الخاطفة والسريعة في أكثر من منطقة، ولا سيما في الشمال، من خلال تنشيط بعض البيئات المتعاطفة مع هذا التنظيم، الأمر الذي يستوجب تكثيف عمليات المراقبة من قبل تلك الأجهزة الأمنية المطلوب منها تفعيل عملها الأمني الإستباقي، مع العلم أن هذه العمليات أثبتت في السابق نجاحها بعدما أحبطت أكثر من مخطط تدميري كان القائمون به يسعون إلى إحداث فوضى أمنية.

ومن بين المستفيدين من غياب الدولة أولئك الذي يتحكّمون بأسعار الدولار في السوق الموازية، وهم خارج السيطرة، وقد يكونون محمّيين من مافيات الفساد، يُضاف إليهم المتلاعبون بأسعار السلع الغذائية والدواء، الذين يتحرّكون من دون حسيب أو رقيب ويستغّلون هذا الغياب بأفضل الطرق الملتوية.

أمّا المواطن العادي فهو الوحيد المغلوب على أمره، وهو المستفيد الوحيد من عدم غياب الدولة الواجب عليها أن تقف إلى جانبه وتحميه من المافيات والزعران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button