أنتوني بلينكن وقفاز الدبلوماسية الخشنة* مرح البقاعي

النشرة الدولية –

فور أن شطبت واشنطن اسم تنظيم الحوثي من قائمة الإرهاب وشرّعت الباب واسعا لرفع العقوبات عنه، استعادت الميليشيات الملحقة بالحرس الثوري الإيراني العابر للحدود زخم حراكها العدائي وأخذت حبّات سبحتها الجهنمية تتساقط على محيطها العربي واحدة تلو أخرى.

فتارة هجوم على المدنيين في مطاري أبها وجدّة في المملكة العربية السعودية تزامن مع حملة شعواء على مدينة مأرب أودت بحياة العشرات من المدنيين في اليمن، وطورا التخطيط لمؤامرة تستهدف سفارة الإمارات العربية المتحدة في إثيوبيا في اختراق سافر للأعراف والاتفاقات الدولية التي تحصّن البعثات الدبلوماسية على الأراضي الأجنبية.

وأخيرا اعتداء إرهابي منظّم شنّته إحدى أذرع ولاية الفقيه المسلّحة في العراق على مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، واستهدف المدنيين من العراقيين والأجانب بالصواريخ، إلى جانب قاعدة عسكرية تستخدمها قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

العالم والولايات المتحدة لا بد أنهما تعلما درسا قاسيا من الاستخفاف بالتهديد الإيراني للأمن والاستقرار العالميين

وقد كشفت التقارير الاستخباراتية الأميركية أن إيران قد باشرت بتنشيط خلاياها النائمة في القارة الأفريقية، وبدأت تلك المجموعات المستترة بجمع المعلومات عن سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في أديس أبابا في محاولة لشن عمليات الثأر لمقتل مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد، واغتيال العالم محسن فخري زاده نائب وزير الدفاع الإيراني لشؤون الأبحاث في ضواحي طهران.

هذا في حين أعلنت إثيوبيا رسميا عن إحباطها لهجوم يجري التحضير له في ليل مستهدفا سفارتي دولة الإمارات في أديس أبابا والخرطوم. وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية في تقرير لها أن جهاز المخابرات اعتقل 15 شخصا بتهمة التآمر على البعثات الدبلوماسية بتوجيهات من شخصيات أجنبية.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعرب عن “الغضب” في بيان رسمي أدان الهجوم على إربيل. وغضب الوزير بلينكن هو حد أدنى من رد الفعل الأميركي المنتظر، فالمستهدف كان قاعدة للتحالف الدولي فيها جنود وخبراء أميركيون، أي أن الهدف هو الولايات المتحدة مباشرة؛ كما أن الهجوم قد شُنّ بأربعة عشر صاروخا موجها لا يكاد يغيب عن معرفة أحد من يملكها، بل ومن يوجهها إلى مواقع نفوذ واشنطن أينما حلّت.

إلا أن الغضب الرسمي الأميركي لن يكون كافيا لاستيعاب ولجم أجندة تصعيدية تعتمدها حكومة الولي الفقيه في طهران بعد فترة من الكمون أصاب ميليشياتها التي أجّلت الانتقام لمقتل سليماني ومحسن زاده إلى حين، ويبدو أنها وجدت ضالاتها للعودة إلى مشروعها العنفي طويل الأجل في إعلان إدارة الرئيس بايدن عن رغبتها في تحفيز العمل الدبلوماسي لتعديل سلوك طهران كبديل للعقوبات الاقتصادية وسياسات العزل التي مارستها الولايات المتحدة بحزم في السنوات الأخيرة.

لا نعرف إذا كانت قيادة الحرس الثوري التي تسير بهدي برنامج صارم وضعه الولي الفقيه لإثارة البلبلة ونفث نار الفتنة من أجل المزيد من السيطرة على العواصم الحيوية في المنطقة، ستتمكّن من التعامل بلغة عصرية مع اليد الممدودة لها من واشنطن من أجل العودة إلى لغة الحوار الحضري لا القتل البربري، وقواعد التفاهم لا باطنية الغدر! فالمؤشرات والأحداث التي يديرها ملالي طهران تشير إلى أن معدّل تفهّمهم أو تجاوبهم مع سياسات بايدن ورأس دبلوماسيته بلينكن قد يكون صفريا!

ولا يخفى على العارف بالسياسات الأميركية أن الصبر الأميركي في مواقع القرار العليا، سواء في البيت الأبيض أو الخارجية أو البنتاغون، وبغض النظر عمّن يتبوأ سدة الحكم ديمقراطيا كان أم جمهوريا، ينفد بسرعة تضاهي سرعة صواريخ إيران الباليستية حين يتوجه التهديد مباشرة أو بصورة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة أو أحد حلفائها. وما الهجوم على أبها السعودية وكذلك المؤامرة على سفارة الإمارات في إثيوبيا إلا «خط أحمر» أميركي بمفهوم زمني وظرفي جديد، ولن يُسمح بتجاوزه، وذلك خلافا لما كان عليه الحال في إدارة باراك أوباما و”خطوطه الحمر”.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لم يقف مكتوف الأيدي حيال هذا التصعيد الذي تمارسه إيران في سبرها لمدى صبر الإدارة الأميركية الجديدة على مغامراتها العسكرية، وسارع بالاتصال بنظيره العراقي جمعة سعدون، مشدّدا على التزام واشنطن بدعم الشراكة الإستراتيجية للبلدين وتمكين حكومة العراق من الدفاع عن السيادة الوطنية.

تكاد مناورات حكومة الملالي المعزّزة بمشاريع ذراعها العسكرية التوسعية تنبني على عقيدة “الذبح بالقطنة”، وهو مثل شعبي فارسي معروف يُقصد به استنزاف الخصم وإراقة دمه ببطء حتى لا تُسجّل على الجاني آثار الجريمة أو بصمة دماء الضحية.

إيران باشرت بتنشيط خلاياها النائمة في القارة الأفريقية، وبدأت تلك المجموعات المستترة بجمع المعلومات عن سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في أديس أبابا

إلا أن الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس بايدن، والتي لم يمض عليها أكثر من شهر واحد في مواقع صنع القرار، لن تغفل عن تلك الأحابيل والطلاسم السياسية التي غدت بؤرة لإشاعة الخوف وتقويض الأمن في المنطقة والعالم؛ ولا بد لرأس الدبلوماسية في واشنطن، بلينكن، من التعامل معها بقفّاز خشن يناقض ذلك القفاز الناعم الأبيض الذي دأب نظيره جون كيري على ارتدائه في فترة حكم باراك أوباما.

فالعالم والولايات المتحدة لا بد أنهما تعلما درسا قاسيا من الاستخفاف بالتهديد الإيراني للأمن والاستقرار العالميين ومن الاعتقاد الساذج والبعيد عن الصواب بأن مارد التغوّل الإيراني عاد حبيسا إلى قمقمه منذ توقيع اتفاق فيينا النووي في العام 2015.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى