بعد 18 عاماً من السقوط يترحمون عليه!!* حمزة عليان
النشرة الدولية –
غريب أمر أولئك الناس الذين يترحمون على حكم صدام حسين! قد يكون هذا الكلام ضربا من الخيال، لكن الواقع المرير والبائس الذي يعيشون فيه بعد 18 سنة من سقوطه في الحفرة جعلهم يقارنون بين ذلك العهد الدكتاتوري وبين حالة الضياع والتوهان التي وصلوا إليها. كان هناك حاكم استبدادي اسمه صدام حسين يمارس استبداده تحت راية حزب البعث، ما جرى بعده، عملية استبدال فقط، ذهب الحاكم الأوحد الاستبدادي وأتى بمجموعة حكام مستبدين وتلك هي الكارثة.
أبسط تعبير تسمعه اليوم وعلى مدى 18 عاماً “يا محلى أيام صدام”؟ كلام مهين ومؤلم أن تتم المقارنة بين استبداد مذهبي وآخر بعثي، وكان الأجدر والمنطق أن تجري المقارنة مع أنظمة ديمقراطية متطورة لا العكس.
بعد 18 عاماً، ما زال البلد يعيش تحت ظل “تدوير الأزمات” من حكومة إلى أخرى والعنف والقتل والتدمير لم يتوقف، فلا الاستقرار حصل ولا الخدمات توافرت، بل مزيد من التهجير والفلتان وكل يوم تسمع بمجزرة بعد أن تحول العراق إلى ساحة حرب وتصفيات بين الأميركيين والإيرانيين والأتراك، الكل ينهش بجسده من جهة!
قبل 18 عاماً أقدمت الإدارة الأميركية على تفصيل “بدلة سياسية” تناسب التركيبة الاجتماعية والقوميات والمذاهب، وارتأت أن تنشئ نظاما جديدا أشرف على هندسته الحاكم بول بريمر فكانت صيغة حكم جديدة تقوم على أساس دولة ذات هويات مذهبية متنوعة، تخالف تماماً هوية الدولة العراقية التي أنشئت عام 1921. دولة فُصّلَتْ على مقاس الأكراد والشيعة والسنّة، ووضع لها دستور عام 2005 بعد احتلالها من قبل أميركا والحلفاء، وأدى إلى سقوط بغداد عام 2003، يومها قيل إنه ستولد دولة ونظام جديدان، فماذا حصل؟
فشل النموذج السياسي الذي فصّلته الإدارة الأميركية بإدارة الدولة والذي ارتكز على تقاسم السلطة أو ما بات يعرف “بالديمقراطية التشاركية” والأسباب واضحة، فبقي الأكراد خارج حسبة الهوية الوطنية وهم يعانون الشح المالي ونقص الخدمات ومهمشون عن المركز بالرغم من نيلهم منصب رئاسة الدولة! والشيعة أصبحوا منقسمين بين أحزاب دينية دعوية وتيارات أخرى وتجاذب على السلطة، وبالتناغم مع طهران في ظل سطوة الأحزاب والتجمعات الدينية، أما السنّة فهم مشتتون وتائهون بين بقايا البعث وزعامات فاقدة للشرعية والشعبية. كل هذا تحت عجز حكومي دائم وتناحر قائم وغياب الخدمات والأمن الذي بات الجميع ينشده ويتمناه!
نموذج الحكم في العراق وصل إلى نهايته أو كاد أن يموت بالسكتة الدماغية نتيجة الأعراض المتراكمة والمزمنة التي ولدت معه وهي:
- غياب مبدأ التوزيع العادل للثروات.
- شمولية مذهبية دينية إقصائية.
- استبداد سياسي متعدد الأطراف.
- محاصصات سياسية طائفية.
- تقسيم الأرض والنفوذ بين الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب والمركز والسنّة بين المدن والعاصمة.
ليس الباقي هو الحديث عن تشخيص العلل والأمراض التي يعانيها هذا البلد العظيم فقط بل عن الفساد السياسي الذي يفوق الفساد المستشري في بعض دول الخليج، وفي الحالة اللبنانية على سبيل المثال، فالتقارير الموثقة والدولية تشير إلى أنه خسر 500 مليار دولار على مدى السنوات الـ18 الماضية واحتل “الصدارة” بمؤشرات الفساد “حصل على المركز 160 في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم” في أعمال النهب والحرمنة والصفقات المشبوهة، وفي بلد فيه خيرات وموارد تكفي سكانه وتجعلهم من الأغنياء والميسورين وأفضل حالاً من بقية الشعوب العربية وحتى الخليجية.
ليس صعباً العثور على رجال فاسدين، بل الصعب العثور على رجال شرفاء، على حد تعبير عضو هيئة النزاهة العراقي رحيم الدارجي، والذي فضح المستور بقوله “جميع العقود التي اطلعت عليها خلال فترة عملي في لجنة النزاهة طوال عامين، كانت مزورة” والباقي عليكم!