أزمة عديمو الجنسية في الكويت بلا حل تصل لحد انتحار طفل (11 عاما) من فئة البدون

النشرة الدولية –

الحرة – نهى محمود –

على تطبيق كلوب هاوس، حيث تكثر غرف الكويتيين، حاول بعضهم التوصل إلى مقاربة حول “معنى أن تكون بدون في الكويت”. وجاءت هذه المحادثة بعد أيام من انتحار طفل (11 عاما) من فئة البدون.

وكغيره من حوادث البدون السابقة، فإن موجة الغضب والتعاطف التي أثارتها الواقعة الأخيرة توقفت عند مواقع التواصل الاجتماعي وسط صمت رسمي يختلف المحللون بشأن تفسيره، فهل الحكومة راضية عن أوضاع البدون أم لا حل لديها للأزمة؟

وينحدر البدون أو عديمو الجنسية من أصول ومذاهب متباينة ويعيشون في الكويت منذ ما يقارب نصف قرن، ويقولون إنهم كويتيون، لكن السلطات لا تعترف بهم وترفض منحهم حق المواطنة.

 

تقول هديل بوقريص، الناشطة الحقوقية، لموقع “الحرة”: “أوضاع البدون من سيء لأسوأ خاصة بعد تولى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين غير القانونيين مهامه”.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن الجهاز “حرم فئة البدون بشكل متواصل وممنهج من حقوقهم (…) من خلال حرمانهم من وثائق الهوية الضرورية”.

وفي بيان في نوفمبر الماضي، أوضحت المنظمة أنه “بدون هذه الوثائق، يحرم عشرات البدون من الحصول على وظيفة أو الذهاب إلى المدرسة أو الحصول على الرعاية الصحية. ويُحكم عليهم بالعيش على هامش المجتمع في ظل الفقر والمشقة”.

وتأسس الجهاز عام 2010، بمرسوم أميري، بهدف حل قضية البدون، لكنه يرى أن جميع البدون تقريبا “مقيمون غير قانونيين” دخلوا الكويت بشكل غير قانوني، ويزعمون زورا أن أصلهم كويتي، بينما يخفون جنسياتهم “الحقيقية”، بحسب المنظمة.

وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي عام 2012، فإن 105 آلاف من فئة البدون يعيشون في البلاد.

وتقول بوقريص: “بعد مراقبة عمل الجهاز أصبحنا متأكدين أنه لم يتأسس ليعالج أوضاع الكويتيين البدون، بل ليعقدها ويضعهم في خانة لا إنسانية وهو ما وصلنا إليه اليوم”.

وبحسب مراقبة المنظمات الحقوقية ونشطاء المجتمع المدني، فإن الحلول التي يطرحها الجهاز المركزي لا تختلف كثيرا عن الوثيقة السرية الصادرة عام ١٩٨٦ والتي سربت مؤخرا، وكشفت خطة للضغط على البدون لاستخراج جوازاتهم المخبأة.

وفي هذا العام، أجرت الكويت إحصاء لتسجل أعداد المقيمين في الدولة من مواطنين وبدون ومقيمين شرعيين ومقيمين غير شرعيين.

ويقول الجهاز إن نحو 71 ألفا من “البدون” في الكويت يحملون جنسيات من دول أخرى، من بينها إيران والعراق والسعودية وسوريا.

وفي يناير ٢٠٢٠، قالت وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية بالوكالة مريم العقيل: “بعد التدقيق في سجلات بعض تلك الفئة ثبت أن عددهم قبل الغزو عام 1990 كان 220 ألف فرد، لكن العدد تقلص بعد تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي في عام 1991 إلى 120 ألفا، وأن العدد قد وصل إلى 85 ألف فرد مقيم بصورة غير قانونية، وذلك في نهاية عام 2018”.

وأوضحت خلال إلقاء كلمة الكويت أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن “أعداد الذين عدلوا أوضاعهم منذ إنشاء الجهاز المركزي من عام 2010 إلى أبريل 2019 بلغ 14042 فردا، منهم 8710 تم تعديل وضعهم، من خلال استخراجهم وثائقهم وجنسياتهم الأصلية، والباقي يجري متابعة تعديل وضعهم حيث تم تحديد جنسياتهم الأصلية”.

وكان رئيس الجهاز المركزي صالح الفضالة، قال في تصريح يعود لعام ٢٠١٢ “إن على من يرغب في منحه الجنسية أن يبرز وثائق هويته السابقة”، لكن بوقريص تقول إن الواقع مغاير لذلك.

“تلفيق جنسيات”

وتضيف بوقريص، قائلة: “قضية تلفيق الجنسيات أصبحت من الأمور الظاهرة للحكومة الكويتية إلا أنها لم تحرك ساكنا”.

واتهمت بوقريص الجهاز المركزي بـ”تلفيق جنسيات لبعض البدون دون امتلاك أي وثائق تثبت ذلك”.

وأضافت “عندما نصل إلى محكمة التمييز يتم طلب ورقة تثبت أن هذا الشخص يحمل جنسية دولة أخرى، إلا أن الجهاز المركزي يفشل في إبراز أي وثيقة رسمية من البلد الذي يدعي أن هذا البدون ينتمي إليه، ومع ذلك يفلت من عقاب التزوير”.

وتساءلت: “إذا كان لدينا جهاز رسمي يزور وثائق ويفلت من العقاب، فهل يبدو أن الحكومة الكويتية تحاول حل قضية البدون أم تزيد من تعقيدها؟”

ومنذ ١٩٨٦ وحتى ٢٠٢١، لم تتوصل الحكومة لحل. وتقول بوقريص: “لا توجد خطة بالأساس للحل؛ ما حدث خلال السنوات الماضية ويحدث الآن هو فقط تطبيق لهذه الوثيقة”.

وأضافت “أصبحنا اليوم نتعامل مع حل قضية البدون بشكل عشوائي، بغض النظر عما ورد بتلك الوثيقة، والدليل على ذلك أن الجهاز المركزي يلفق جنسيات لهؤلاء الأشخاص بغض النظر عن الوثائق التي يحملونها”.

الانتحار ليس ظاهرة

وكشفت قصة انتحار الطفل علي الشمري عن جوانب من المأساة التي يعيشها البدون.

ونقلت صحيفة “الرأي” الكويتية عن والد علي أن ابنه طلب 12 دينارا (40 دولارا) لتسلم لعبة بلاي ستيشن من ورشة التصليح، لكن هذا المبلغ لم يكن متوفرا، فرد علي، قائلا: “أعلم يا أبي أنك تعمل وتتعب من أجلي وإخوتي، ودائما ما تذكر أن العوز كسر ظهرك، لكن بإذن الله لن أدعك تحتاج أحدا”.

ثم قام علي بتقبيل رأس أبيه وأمه قبل أن يذهب لغرفة نومه. ولم يعلم الأبوان أن هذه ستكون آخر اللحظات التي تجمعهما مع ولدهما، فقد وجداه منتحرا في ساعات الصباح الأولى.

وكانت صحيفة “القبس” الكويتية، نقلت عن وزير الداخلية ثامر العلي قوله إن “عدد حالات الانتحار من فئة المقيمين بصورة غير قانونية منذ تاريخ انشاء الجهاز المركزي الخاص بهم حتى 2020 بلغ 9 حالات”.

وأكد أنه “لم يتم تشكيل لجنة لدراسة أسباب الانتحار كونها حالات لا تشكل ظاهرة”.

وتعلق بوقريص، قائلة: “الكويت دائما تنكر وجودهم، ولا تعترف بهم، بل تحاول طيلة هذه الفترة الادعاء بأنهم أشخاص يزعمون أنهم عديمو الجنسية حتى لا تضطر للعمل بوثائق الأمم المتحدة التي تحدد وتضع قانونا خاصا بمن لا يحمل جنسية”.

وتحدثت بوقريص عن استراتيجيات حكومية قائمة على “التجهيل، وتعمد انتشار البطالة بين شباب البدون، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية المتمثلة في التعليم والعمل والصحة، فضلا عن حق العيش الكريم الذي من المفترض أن يكون من أسس العيش في الدول النفطية”.

وأوضحت قائلة: “البدون لا يقبلون بأي حل حكومي لأن الكويت من الدول التي ترفض الاعتراف بأنهم عديمي الجنسية، لذلك تعتبرهم (مقيمين غير قانونيين، غير كويتيين، بدون، غير محددي الجنسية)، وغيرها من المصطلحات، إلا أنهم لا يقبلون بالتسمية الأممية التي تحدد وتضع قانونا خاصا بمن لا يحمل جنسية”.

وتقول الأمم المتحدة إن اتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية واتفاقية 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية بمثابة “صكوك قانونية رئيسية في حماية الأشخاص عديمي الجنسية حول العالم، والعمل على خفض حالاتها”.

ولم ترد الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو الجهاز المركزي على اتصالات موقع “الحرة” للتعليق.

وفي غرفة كلوب هاوس، تحدث بعض الكويتيين عن مشاركة عدد من البدون في الجيش الكويتي في حرب الخليج الثانية، صدا للغزو العراقي.

وفي 2012، ذكرت الداخلية الكويتية، عقب مظاهرات ضخمة، أن سعيا قائما لتجنيس “أربع شرائح” هي: العسكريون، ومن يثبت وجودهم في الكويت أثناء إحصاء عام 1965، وأقرباء الكويتيين، وأبناء المطلقات الكويتيات.

“فشل ذريع”

وإذا كان عدد من البدون انضموا لأقوى مؤسسات الدولة دفاعا عن أرض الكويت، ما الذي تخشاه الحكومة لتجنسيهم؟

يقول عبد الحكيم الفضلي مؤسس جمعية “مواطنون” في الكويت للدفاع عن البدون، لموقع “الحرة” إن الحكومة تخشى تغيير التركيبة السياسية في البلاد، مضيفا “الكل متخوف من دخول البدون في الحياة السياسية والانتخابات”.

وأضاف “هناك أطراف من المعارضة تدعي التعاطف لكنها في حقيقة الأمر لا تريد للبدون مركزا قانونيا جديدا. كذلك طبقة التجار ورجال الأعمال وأعضاء غرفة التجارة يرفضون انضمام مجموعة جديدة من المواطنين الأصليين إلى البلاد”.

وانتقد الفضلي الجهاز المركزي، قائلا: “فشل فشلا ذريعا ومنذ تأسيسه لم يحصل أي بدون على الجنسية الكويتية”، قائلا إن البدون يحصلون على هويات مؤقتة من الجهاز، وأن بعضا ممن انتهت صلاحية هوياتهم طلب منهم الجهاز التوقيع على ورقة بيضاء ليكتشفوا في نهاية الأمر أنهم وقعوا على وثائق تزعم أنهم يحملون جنسيات دول أخرى.

وفي ظل عدم امتلاك الدولة لأي خطة، يطالب الفضلي بمنح جميع البدون المسجلين في جهاز المعلومات المدنية عام ١٩٨٦، الجنسية فورا ما لم يحوز أحدهم جنسية واضحة وتم الاستدلال عليها بشكل صحيح.

لكن نجم الشمري، المحلل السياسي الكويتي، لا يتفق مع الفضلي في طرحه فيما يتعلق بتأثير البدون على التركيبة السياسية أو الاجتماعية أو الطائفية في الكويت.

وحسب إحصائيات رويترز في ٢٠٢٠، فإن عدد سكان الكويت يبلغ 4.77 مليون نسمة، منهم 1.43 مليونا من المواطنين بواقع 30 في المئة، والباقي من الوافدين، بينما يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب 568 ألفا منهم 294 ألفا من الإناث و274 ألفا من الذكور.

وقال الشمري لموقع “الحرة”: “البدون لا يريدون المشاركة السياسية بل الحقوق الأساسية مثل الهوية؛ الجهاز المركزي يمنحهم هويات مؤقتة تنتهي وتتجدد”.

وأضاف “أزمة البدون أرهقت الدولة، وكان من الممكن أن يساهم حلها في تنمية البلد، خصوصا وأن بعضا منهم يمتلك وثائق رسمية كويتية تعود لسبعين عاما”.

وأشار الشمري إلى تصريح لرئيس مجلس الأمة السابق قال فيه: “كيف تطلبون من البدون أن يخرجوا جنسياتهم الأصلية وأنتم معترفون بهم ككويتين وفقا لإحصاء 65 الذي قدم للأمم المتحدة لكي يزيد عدد الكويتيين”.

وعلق الشمرى على أداء الجهاز المركزي، قائلا: “أتصور أنه جاء برؤية تتطابق مع رؤية سياسية أعلى، الجهاز المركزي لم يدرس الحالة لحلها بل لتأجيلها، وفق مرئيات سياسية عليا”.

لكنه تساءل قائلا: “هل هناك رؤية سياسية أم تجاهل مزاجي أم تجاهل غير واضح المعالم؟”

وأضاف “هم يعتبرون قيمة وثروة لكن الدولة تجاهلتهم حتى وصل الحد بهم إلى الانتحار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى