لم يبق للبنانيين إلّا… الغضب* فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي –

عندما تنهار دولة ويفقر شعبها وتضمحل وارداتها وتفقد جاذبيتها وتسودها الفوضى، تبرز الحاجة الى معرفة المسؤول عن هذه الكارثة.

في لبنان، هذا مستحيل، فالجميع يصرخون: براءة!

رئيس الجمهورية الذي لا يترك، شاردة وواردة إلّا ويتدخّل بها، رافضاً هنا، مساوماً هناك، معرقلاً هنالك، ناشراً محازبيه وأهل البيت، في كل مفصل من مفاصل الدولة، يستجمع، كلّما لاحت ساعة الحساب، ما تبقّى من قوة في رئتيه ويصرخ: لا صلاحيات لدي.

رئيس الحكومة والوزراء، بدل أن يُقادوا الى المساءلة عن الكوارث التي وقعت في زمنهم العاثر، يطالبون بالأوسمة، لأنّهم، على الرغم من أنّهم كانوا قد استقالوا، لا يبخلون بجهدهم العظيم ولا وقتهم الثمين، في ممارسة الخدمة العامة، بالحد الذي يسمح به مفهوم تصريف الأعمال.

الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، على الرغم من أنّه عائد الى سلطة كان قد خرج منها، على وقع “ثورة 17 أكتوبر”، يؤكّد أنّ “لا حول له ولا قوة”، فهو قام بواجبه، باقتراح مشروع حكومة “إنقاذ”، رفضها غيره، و”كان الله يحب المحسنين”.

“حزب الله”، على الرغم من أنّه يفرض الرؤساء فرضاً، ويشترط شكل الحكومات، ويفصّل قانون الإنتخاب، ويعلن امتلاكه للأكثرية، ويستتبع لبنان لمصلحة إيران وحروبها، لا يتوقف عن غسل يديه من غبار الكارثة اللبنانية، ليُعلن، كل دقيقة، بلا خجل ولا وجل، أنّه يستحق أن يضع على صدره كل الأوسمة المتاحة، مصدّقاً الإدّعاء بأنّ لولاه لكان لبنان مستوطنة إسرائيلية أو إمارة “داعشية”.

القضاة، يزعمون أنّهم كانوا يريدون أن تتجاوز قدراتهم قدرات زملاءهم الفرنسيين الذين حكموا ضد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، بجرم محاولة رشوة قاض بمنصب رفيع، ولكن “ما باليد حيلة”، فتارة يجمّدون تشكيلاتهم، وتارة يتكوكبون ضد قاض “عظيم” منهم ويطيحون به.

مصرف لبنان، الذي لم يصدُقْ وعد واحد من الوعود الوردية لحاكمه المكلّل بجوائز “المجلّات المالية”، يشكو من عدم منحه صفات العظمة، في ظل الإنهيار العام، لأنّ أحداً ممّن “سايرهم” و”خدمهم” و”ضحك معهم” و”طابت لقاءاته بهم”، لم يسمع نصائحه ولم يتوقف عند تحذيراته.

أمّا المجلس النيابي الذي يرتكز عليه النظام اللبناني، فلا تظهر فاعليته، إلّا من خلال “زعيق” ايلي الفرزلي ورصاصات حرسه التي تستهدف كل متظاهر يقترب من أسواره، وتحويل مقرّه العريق الى مركز تلقيح “خاص جداً”. وفي كل ما عدا ذلك، فهذا المجلس غير مسؤول عن شيء، فهو حتى صلاحياته في المساءلة والمحاسبة والمحاكمة، لا يمارسها.

وحيث يكثر المسؤولون وتنعدم المسؤولية، تنتهي الدولة، وتصبح كياناً فوضوياً، وتتحوّل الى ولّادة مآسي.

المجتمع الدولي الذي يدعوه البطريرك الماروني الى مساعدة لبنان على إنقاذ نفسه، سبق أن نفض يده منه، فهو بات يخشى على أصابع يده إنْ مدّها لهؤلاء، فهم يكذبون عليه كما يتنفّسون، ولديه “أطنان من الأدلّة”. آخر من اختبر سحر السياسيين اللبنانيين، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. دخل الى لبنان ب “الطبل والزمر”، ولم يعد يعرف كيف ينقذ نفسه من سياسييه الذين إن وعدوا اخلّوا، وإن تعهّدوا نكسوا، وإن تكلموا حرّضوا، وإنْ أقدموا أجرموا.

في دولة الإنحلال المؤسساتي، لا يبقى من منقذ للشعب إلّا نفسه.

غضبه وحده يُجدي، لأنّه يزلزل الأرض، يكسّر الكراسي، يحقّر المناصب، يذم الألقاب، ويُساوي بين الجميع.

غضبه مثله مثل محراث الأرض، يقلب التراب، ينشر البذار، يستثمر المطر، وينتظر الحصاد.

غضبه لن يُفاجئ أحداً. الجميع ينتظرونه. هدوؤه هو المفاجأة، وهو الحدث، وهو الظريف المستغرب والمستهجن.

يعظم الداء الوطني، عندما يصبح المسؤول غير مسؤول، وحينها لا يبقى من دواء ناجع إلّا الغضب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button