كويتيات يحاربن التحرش الجنسي… حملات الإنستغرام تكسر الصمت
النشرة الدولية –
كانت أبرار الزنكوي تسير باتجاه الشاطئ في مدينة الكويت عندما رأت رجلا في مرآتها الخلفية يلوح ويبتسم لها.
في الكويت، يعتبر التحرش روتين مزعج وغالبا ما يتحول إلى خطر.
توقف الرجل بجانبها، واقترب منها، وأخيرا اندفع نحوها. انقلبت سيارة الزنكوي التي كانت تقل بنات أخيها وأختها وصديقتها، لست مرات.
قالت الزنكوي البالغة من العمر 34 عاما إن “الوضع يعتبر طبيعيا هنا”، مشيرة إلى أنه “دائما ما يقود الرجال سياراتهم على بعد مسافة قريبة من سيارات الفتيات لإخافتهم.
وأشارت الزنكوي وهي التي قضت شهورا في المستشفى بعد إصابتها بالعمود الفقري عقب الحادث، إلى أن التحرش يصل إلى ملاحقة النساء نحو منازلهن، وأثناء ذهابهن لعملهن “لأجل المتعة فقط دون أن يفكروا في العواقب”.
لكن هذا الروتين قد يتغير؛ لأن النساء يتحدن بشكل متزايد ضد المجتمع الذكوري في الكويت.
في الأسابيع الأخيرة، كسر عدد متزايد من النساء حاجز الصمت وتحدثن عن آفة التحرش والعنف التي ابتليت بها شوارع الدولة الخليجية والطرق السريعة ومراكز التسوق، تماما كما حدث في حركة MeToo (أنا أيضا) العالمية.
وفتحت إحدى صفحات “إنستغرام” المجال أمام تدفق شهادات نساء سئمن من التعرض للترهيب أو الاعتداء في بلد لا يُعرِّف فيه القانون الجنائي التحرش الجنسي، ويضع تداعيات قليلة على الرجال الذين يقتلون قريباتهم بسبب أفعال يعتبرونها غير أخلاقية.
وتناولت مجموعة متنوعة من البرامج الإخبارية والحوارية موضوع التحرش للمرة الأولى، فيما استخدم أحد الصحفيين كاميرا خفية لتوثيق كيفية معاملة النساء في الشوارع.
ربما تكون الشرارة قد أتت من المدوّنة المتخصصة في مجال الأزياء والموضة، آسيا الفرج، التي أفصحت لمتابعيها في تطبيق سناب تشات عن رجل طاردها في سيارة.
قالت الفرج لوكالة أسوشيتد برس: “إنه أمر مرعب، نشعر في كل الأوقات بعدم الأمان”. المسؤولية تقع علينا دائما (…) لا بد أن تكون الموسيقى في السيارة صاخبة جدا أو نوافذنا مغلقة”.
من جهتها، سعت شيماء شمو، وهي طبيبة تبلغ من العمر 27 عاما، إلى اقتناص زخم فيديو الفرج، من خلال إنشاء صفحة على إنستغرام بعنوان “لن أسكت”.
كان غضب شمو يتصاعد منذ أسابيع. ففي ديسمبر، تعرضت موظفة في البرلمان الكويتي للطعن حتى الموت على يد شقيقها البالغ من العمر 17 عاما، لأنه لم يكن يريدها أن تعمل حارسة أمن.
وكانت هذه ثالث حالة من نوعها – توصف على أنها “جرائم شرف” – تتصدر عناوين الصحف في غضون عدة أشهر.
ولم يقدم مجلس الأمة المكون بالكامل من الرجال، على الرغم من وجود عدد قياسي من المرشحات في الانتخابات الأخيرة، التعازي لوفاة تلك الموظفة.
قال شمو: “كان الصمت يصم الآذان. اعتقدت أن ذلك يمكن أن يحدث لي أيضا، ويمكن لأي شخص أن يفلت من العقاب”.
على عكس دول الخليج العربي الأخرى الغنية بالنفط، تملك الكويت سلطة تشريعية تتمتع بصلاحيات حقيقية بوجود المعارضة السياسية.
لكن القيود لإبطاء انتشار الفيروس التاجي، منعت شمو من تنظيم احتجاج وأجبرتها على نقل مظالمها عبر الإنترنت، كما فعلت النساء في الدول الأكثر قمعية في المنطقة مؤخرا.
دفع حساب “لن أسكت”، الذي كان يكتنفه الخجل لفترة طويلة، القضية في دائرة الضوء.
وانتقل الحديث إلى الإعلام التقليدي، إذ خرجت صحفية معروفة في جريدة القبس التابعة للدولة ليلا بكاميرا خفية والتقطت راكبي دراجات نارية يحاولون بتهور لفت انتباهها، ورجال يصرخون بألفاظ جنسية في الشارع.
نجيبة حياة، فتاة ساعدت في تنظيم حملة “لن أسكت”، وحثت أيضا سائقي الحافلات على الإبلاغ عن التحرش، ونظمت حملة إعلانية لزيادة الوعي وإنشاء تطبيق يسمح للنساء بإبلاغ الشرطة دون الكشف عن هويتهن.
قالت حياة: “كل فتاة احتفظت بهذا في صدرها لفترة طويلة”.
ومع اكتساب الحركة زخما، سارع المشرعون إلى الرد. قدم 7 سياسيين، من إسلاميين محافظين إلى ليبراليين أقوياء، تعديلات على قانون العقوبات الشهر الماضي من شأنها أن تحدد التحرش الجنسي وتعاقب عليه، بما في ذلك تشريعا دعا إلى غرامة قدرها 10 آلاف دولار وسجن لمدة عام.
وقال عبد العزيز الصعقبي، وهو نائب محافظ من بين السبعة: “قانون العقوبات الكويتي لا يغطي التحرش، هناك فقط بعض القوانين التي تغطي الفجور والتي تتسم بالغموض بحيث لا تستطيع النساء الذهاب وإبلاغ الشرطة المحلية”.
لكن نشطاء حقوق المرأة، الذين لم يطلب المشرعون مساهمتهم، يشككون في أن المقترحات ستؤدي إلى تغيير كبير، خاصة في خضم أزمة مالية بسبب تداعيات الوباء ومع تعليق البرلمان حاليا بسبب التجاذبات السياسية مع الحكومة.
على مدى سنوات، كافحت الناشطة نور المخلص هي ونساء أخريات لإلغاء قانون يصنف قتل الزانيات على يد آبائهن أو إخوانهن أو أزواجهن بأنه جنحة، ويحدد العقوبة القصوى بالسجن 3 سنوات.
ولا يزال هذا التساهل شائعا في أنحاء الخليج، وجرمت الإمارات “جرائم الشرف” في الخريف الماضي.
وقالت المخلص: “في الكويت، لا يمكن أن يكون هناك تغيير قانوني دون تغيير ثقافي، ولا يزال هذا مقبولا ثقافيا”.
في أغسطس، أصدر البرلمان قانونا يفتح ملاجئ لضحايا العنف الأسري.
لكن نشطاء يقولون إن التقدم يحدث خارج الدوائر الرسمية، ففي الأسابيع الأخيرة، ظهر عدد متزايد من المجموعات النسائية حضوريا وافتراضيا.
وتحولت النساء أيضا إلى تطبيق الغرف الصوتية “كلوب هاوس”، لإجراء مناقشات حول الاعتداء والتحرش الجنسي بهن.
وربما يكون أفق المساواة بعيد المنال، لكن نشطاء يقولون إن طموحاتهم متواضعة على المدى القصير.
قالت حياة، أحد منظمي حملة: “في الوقت الحالي، تعتبر محاولة القتل مجرد مغازلة. نريد فقط أن نعامل مثل البشر، وليس كفريسة”.