معاناة المصريات المستقلات مع المجتمع والجيران و”البواب”
النشرة الدولية –
الحرة
تداولت وسائل الإعلام المصرية على مدار يومين 5 روايات مختلفة على الأقل تحيط بحادث “ضحية دار السلام”. المعلومات الأكيدة، أنها سيدة مصرية لها 3 أبناء، تعيش وحدها في الحي الشعبي بالقاهرة، وأنها تعرضت لتعد على خصوصيتها من جيرانها ومالك العمارة التي تسكنها، وأنها سقطت إثر هذا التعدي من شرفتها وتوفيت.
تضاربت الأنباء حول باقي التفاصيل، وحول مهنة السيدة، وظروفها الاجتماعية، إلى أن جاء بيان النيابة وقال إن التحقيقات تشير إلى أن 3 أشخاص على الأقل ضالعين في الجريمة، وأنهم استخدموا حبالا لتوثيق رجلا كان بصحبة القتيلة، وأنها قد تكون سقطت من الشرفة أثناء هروبها.
حيث أُخطرت «النيابة العامة» يوم الحادي عشر من شهر مارس الجاري من «وحدة مباحث قسم شرطة السلام أول» بوفاة امرأة -ربة منزل…
Posted by Egyptian Public Prosecution النيابة العامة المصرية on Sunday, March 14, 2021
ورغم أن القوانين المصرية لا تجرم استقبال النساء لزوار في بيوتهن، ركزت الصحف المصرية على أن القتيلة كانت بكامل ملابسها حين لقت مصرعها، ما أثار شجونا بين السيدات على وسائل التواصل الاجتماعي، حول أحقية المجتمع بالتلصص على السيدات وحياتهم الخاصة. واتفقت آرائهن أن ماحدث لضحية دار السلام ليس نتيجة لحادث فردي، بل نتيجة ثقافة مجتمعية ترى في كل امرأة تعيش وحدها هدفا سهلا للتلصص وفرض الرقابة الأخلاقية، وهو ما يظهر جليا في شهادات نساء تحدثوا لموقع “الحرة”.
سلوى.. ابتزاز يومي من “البواب”
تقول سلوى* (٢٩ سنة) إنها انفصلت عن زوجها منذ 7 أعوام. ونتيجة لبعد بيت أهلها عن عملها، قررت البقاء في نفس منزل الزوجية السابق، بعلم وموافقة أبويها، لتبدأ معاناتها كامرأة تعيش وحدها دون زوج أو أطفال.
تقول: “أنا لا أسكن في الأحياء الشعبية تفاديا لأي مشاكل وسوء فهم مع الجيران وسكان العمارة”، إلا أن ذلك ليس كافيا للحفاظ على خصوصيتها. تضيف سلوى: “وجدت نفسي مضطرة لتغيير مكان سكني ثلاثة مرات خلال تلك السنوات السبع العجاف”.
#طفله_المعادي #طبيبة_السلام #متحرش_المترو
أرحموا النساء
فأنهم يحسون كما تحسون
ويتألمون كما تتألمون
ويبكون كما تبكون ولكن بغير دموع
مع الأعتذار للكاتب محمد لطفي المنفلوطي من كتابه الرحمه— أخلاقك أهم من دينك (@hamdyso66833332) March 14, 2021
وتضيف: “كنت أحرص على أن تكون علاقتي مع سكان العمارة سطحية منعا للقيل والقال، غير أن بعضهم كان يصر على حشر أنوفهم في حياتي الخاصة والتدخل فيما لايعنيهم، وفي مقدمتهم “البيه البواب” (حارس العقار) الذي يريد أن يعرف من هم ضيوفي أو صديقاتي اللواتي يحضرن لزيارتي”.
وتتابع: “في بداية تجربتي بالسكن لوحدي كنت غرة وساذجة نوعا ما، وكنت أقبل أن أدفع بعض النقود للبواب كلما طلب تفاديا للمشاكل معه، رغم أنه لم يكن يتدخل في شؤون بعض الشبان العزاب الذين يسكنون في شقة مجاورة لي وكان يرحب بالنساء اللواتي يحضرن لزيارتهم”.
وتشير إلى أنها اضطرت في إحدى المرات أن تواجهه في أحد أيام شهر رمضان بعد أن دعت بعض الأصدقاء والصديقات إلى وجبة إفطار في منزلها وحاول أن يقتحم الشقة بحجة أنهم أنه يريد أن يعرف من هم ولماذا أتوا، وعندما هددته باستدعاء الشرطة انصاع صاغرا وخرج”.
وختمت بالقول رغم أني أسكن في حي راق فإن لا أخلو من نظرات التحرش من صاحب كشك أو بعض زبائن قهوة عند الناصية، ومع ذلك ساتابع حياتي ولن أسمح لأحد بأن يملي علي كيف أعيش وماذا أرتدي وأين أعمل”.
شيماء.. الجارة اقتحمت الشقة بحثا عن رجال
أما طبيبة الأسنان، شيماء (39 سنة) فرغم أنها تعمل في مهنة مرموقة تحظى بتقدير المجتمع وتسكن في شقة خاصة بها في حي “أكثر من راق”، فإن حياتها لا تخلو من المتلصصين على أدق شؤون حياتها، وذلك فقط لأنها امرأة تسكن لوحدها.
وتقول شيماء: “بعد وفاة والدي ووالدتي أجبرتني الظروف على أن أسكن وحدي في شقتي التي أملكها في حي راق جدا بالقاهرة، ورغم أني لا أقدم على أي تصرفات قد تثير ريبة أو حفيظة الناس في مجتمعنا المحافظ، أتعرض للعديد من المضايقات والتحرشات عند دخولي وعودتي إلى المنزل”.
الجهل لا يشبع من دماء النساء
حسبنا اللّٰه ونعم الوكيل
مفيش أي مبرر لا ديناً ولا قانوناً يبيح التهجم على واحدة فبيتها بحجج فارغة وظن أبعد ما يكون عن الحقيقة، لو واحد مكانها مكانش حد اتكلم ولا عبره عشان مجتمع عقيم وضع الشرف للست بس يا معدومي الشرف أنتوا مجرمين وسفاحين#طبيبة_السلام— ℝ (@AMIRAsan11) March 14, 2021
ومن المواقف المزعجة التي اعتادت عليها أن مهندسا يقطن معها في نفس البناء يصر دائما على أن يسألها عندما يلتقي بها في المصعد أو عند مدخل البناء عن أشياء خاصة جدا، كأن يقول: “ليلة أمس عند الساعة الواحدة ليلا لم أشاهد سيارتك مركونة أمام العمارة.. أو هل فعلا طبيعة عملك تفرض عليك أن تعودي متأخرة؟”.
أما جارها المتشدد دينيا فكان يصر على الخروج إلى شرفة منزله (البلكونة) ليبدأ بالصراخ وافتعال مشاكل معها مستخدما ذرائع واهية مثل أن سقف منزله يدلف الماء من حمام بيتها، وعندما تحاول التحدث إليه بهدوء يخاطبها بالقول: “لا أتحدث مع النساء أريد أرجلا أتكلم معه”.
وحين ترد:”ولكني يتيمة وليس عند أحد”، يتابع الجار باستهزاء: “ليس مشكلتي.. تزوجتي أو احضري ابن عمتك أو خالتك للتحدث معه، وعليك العودة مبكرة لأننا نغلق البوابة الرئيسية ليلا”، وهنا تعلق ضاحكة: “كان غاضبا جدا لأن معي مفتاح البوابة الرئيسية مثل بقية السكان”.
ولكن ثالثة الأثافي، كما تقول الطبيبة الأنيقة التي تبلغ من العمر 39 عاما، كانت مع جارتها الجامعية التي تعمل محاسبة، “فقد اقتحمت شقتي مرات عدة بحجة البحث عن رجال غرباء ربما يختبئون في مخدعي أو الحمام.. وهنا طفح الكيل فاضطررت أن أرد على تهديداتهم وقلة أدبهم بأنني لدي معارف مهمين من مرضاي في الجيش والشرطة قادرين على وضع حد لكم، وكان ذلك العلاج ناجعا نوعا ما إذا ارتحت من مشاكلهم و(ووجع الدماغ)”.
وبشأن مخاوفها بعد ما سمعت بقصة “ضحية مدينة السلام”، أجابت: “شعرت بحزن شديد وقهر أكثر من الخوف، ولم أستطع النوم إلا بعد أن تناولت بعض المهدئات، وهذا أمر نادر جدا ما أفعله”.
نسمة.. ومأساة البحث عن سكن
أما الممرضة نسمة، 26 سنة، والتي بدأت شق طريقها المهني مؤخرا بعد أن أنهت دراستها الأكاديمية في جامعة المنصورة، فتقول إنها تشعر بالخوف لأنها مضطرة للسكن لوحدها، رغم أنها اختارت حيا راقيا في المنصورة بمحافظة الشرقية، مضيفة: “من المفروض أن يكون البيت ملاذي الآمن بعد التحرشات والمضايقات التي قد نتعرض لها كنساء في سواء في الشارع أو العمل”.
و نلقي فين الاحساس بالامان لما البنات برا البيت بيتسحلوا لحد الموت و جوا البيت بيتقتلوا .. #طبيبة_السلام
— Yassmine (@YassmineSalah1) March 14, 2021
ولكن، والكلام ما زال لنسمة، “بات شعور الخوف يلازمني أكثر فأكثر خاصة بعد أن سمعت بقصة تلك السيدة المسكينة التي ألقوها بعض غلاط القلب من علو شاهق دون أن يرف لهم جفن”، على حد قولها.
وتتذكر نسمة كيف أنها كانت تعاني مع صديقاتها من صعوبة في إيجاد شقة للسكن خلال دراستهم الجامعية، بسبب حادثة جرت معها عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، إذ استأجرت شقة مع 9 فتيات جامعيات لتكون على مقربة من مكان دراستها ولتأمن على نفسها بالعيش في حي يقطنه أناس ميسوري الحال.
وتضيف: “بعض الفتيات سبقنني في السكن وأنا التحقت بهن فيما بعد وكنا نعاني من نظرات الريبة من الناس والشك لأن إحدى القاطنات معنا جاء خطيبها ليعطيها باقة ورد فلحق به أحد العاملين في المتجر (سوبرماركت) أسفل البناء ومنعه من الدخول”.
وتزيد: “ومنذ ذلك الوقت ونحن نتعرض للمضايقات في قضية لا شأن لنا بها ولم نقبل بها”، وتتابع قصتها بخفة دم ممزوجة بالأسى: “في إحدى المرات جاء أحدهم يقود سيارته واختار أكبر نافذة في الشقة ليقف تحتها ويتعرى ويخرج أمامنا عورته وغيرها من الحركات البذيئة، بعد أن خاصة وأن سكان الحي قد نشروا عنا الكثير من الشائعات المغرضة”.
وتختم قصتها: “معاناتنا كانت صعبة في العام الموالي خلال بحثنا عن شقة جديدة للسكن في نفس الحي القريب من الجامعة، ولكن معظم ملاك العمارات والمكاتب العقارية رفضوا التعامل معنا”.
سارة.. “مكره أخاك لا بطل”
فعملا بذلك المثل، تقول مدرسة اللغة الإنكليزية، سارة (22 عاما) إنها اعتادت خلال تنقلها للسكن في مدينة نصر بمحافظة القاهرة أن تتعرف على الجيران في المبنى الذي تقطن فيه لا لكي يدركوا كم هي “لطيفة وعلى خلق” فقط، ولكن أيضا حتى تعرف الصالح من الطالح وتختار عائلة تلجأ إليها إذا وقعت في مشكلة، خاصة وأن طموحها ودراستها أجبرها على ترك مسقط رأسها في دمياط لتدرس وتعمل في العاصمة.
وتقول: “ألجا إلى هذه الحيلة الاجتماعية للحفاظ على نفسي وأمني والحمدلله دائما ما أحظى بتقدير ومحبة العائلات حيث أسكن إذ أبادر في البداية إلى زيارتهم مع بعض الهدايا أو قالب حلوى (كيك) للتعرف إليهم، فأنا فتاة غريبة في مدينة كبيرة وقد أحتاج إلى حماية من إحدى العائلات الطيبة إذا حاول أحدهم اقتحام مكان سكني على سبيل المثال”.
وتصر هاجر على أنها تضطر أن تكون محافظة في تصرفاتها إلى أبعد الحدود حتى لا تتعرض لأي مضايقات أو استجواب من بواب العمارة، بل أن حتى شقيقها عندما يحضر إلى زيارتها لإحضار بعض مؤونة الطعام لها، يضطر إلى أن “يروي قصة حياته” للبواب حتى لا تأخذه الظنون والشكوك.
وترى هاجر أنه شيء مهين للمرأة ونحن في الألفية الثالثة أن تكون مضطرة للعيش مع رجل فقط لحماية نفسه رغم أنها قادرة على أن تكون مستقلة وليست بحاجة إلى “ظل حيطة أو ظل راجل لتحمي نفسها”.
العلة في “الثقافة المتدنية”
من جهتها، تقول الاستشارية الاجتماعية ومديرة مؤسسة مصر للتنمية، هالة عبد القادر، إن واقعة “ضحية السلام” تعبر عن نظرة دونية للمرأة المصرية من بعض الأوساط المجتمع رغم ما حققته ما تقدم وإنجازات في مختلفة القطاعات.
وتضيف عبد القادر في حديثها لموقع “الحرة”: “لا نستطيع أن نسميها ثقافة ذكورية أو أبوية فقط، بل هي ثقافة متدنية باتت تسيطر على الكثير من الناس وهي لا علاقة لها بالأديان السماوية الذي أعطت المرأة الكثير من الحقوق وحثت على عدم التدخل في شؤون الآخرين وحياتهم الخاصة”.
ولفتت إلى أنه من غير المعقول في هذا الزمن ألا تستطيع المرأة استقبال ضيوف أو زملاء من العمل في بيتها بحجة “عدم وجود محرم”، مردفة: “الزمن تغير ومتطلبات الحياة تغيرت وبالتالي علينا تقبل أي تطورات اجتماعية تدفع المرأة للاعتماد على نفسها والبحث عن استقلاليتها إذا أرادت ذلك.