إشراك الناس في مسألة اللقاح* فاي فلام

النشرة الدولية –

من المريب للغاية تلك النصيحة الصادرة عن خبراء الصحة العامة بتلقي أي لقاح متاح على الرغم من أن بعض اللقاحات لديها أرقام فاعلية أكثر جدية من غيرها. ومن المفهوم أنَّ الناس يريدون الحصول على أفضل اللقاحات المتاحة. ولقد اعتاد المواطن الأميركي على فكرة اختيار المستهلك فيما يتعلق بالمستحضرات الدوائية – وإلا فما الداعي لوجود كثير من الدعاية الموجّهة مباشرةً إلى المستهلك؟ ولكن درءاً للصخب واللغط، فإن هناك أمراً واحداً مستحقاً للأهمية: يبدو أن اللقاحات الثلاثة المصرح بها من إدارة الأغذية والأدوية الأميركية تعمل بصورة جيدة للغاية على قدم المساواة – بما يقرب من نسبة 100%– في الحيلولة دون الدخول إلى المستشفيات أو الوفاة.

ولقد تلاشى معنى هذه الرسالة في خضمّ التقارير الصادرة من هنا وهناك حول أرقام الفاعلية الخاصة بمختلف اللقاحات. إذ جاءت أرقام الفاعلية ذات الصلة بلقاحات «موديرنا»، و«فايزر» بنسبة 95% تقريباً، في حين بلغت نسبة لقاح «جونسون آند جونسون»، المعتمد مؤخراً، نحو 72% الأقل إثارة للإعجاب في الولايات المتحدة، وحتى في البلدان الأخرى كذلك. وكما يقول السيد بيتر ساندمان، خبير اتصالات المخاطر: «يتذكر الناس من أيام الدراسة الأولى أن نسبة 95% هي الأولى بالاحترام، وأنَّ نسبة 72% تأتي في المرتبة المتأخرة اعتياداً».

تكمن المشكلة الآن في أن الأرقام التي يجري الترويج لها في قياس مستوى الفاعلية تقيس الأعراض المصاحبة بدرجات مختلفة، فضلاً عن الاختبار الإيجابي للإصابة بالفيروس – وهي معايير يختلف بعضها عن بعض من تجربة إلى أخرى، إذ إنها لا تقيس المعيار الأولى بالأهمية: أي الوقاية من الدخول إلى المستشفيات أو الحماية من الوفاة.

وعلى النحو المذكور، فإن اللقاحات الثلاثة المذكورة ممتازة للغاية. ومن ثم، فإنَّ لدى خبراء الصحة العامة ما يبرّر لهم الإشارة على الناس بتعاطي اللقاح الأول المتاح أمامهم.

لا يعتري الناس القلق من الوفاة جراء فيروس «كورونا» فحسب، وإنما يساورهم القلق الشديد أيضاً من الإصابة بما يُسمى فيروس «كورونا» ممتد الأجل، أو نقل الإصابة بالمرض إلى أناس آخرين حتى بعد الحصول على التطعيم المناسب. وليست هناك بيانات متاحة بصورة أو بأخرى حول ما إذا كان التطعيم يقلل بالفعل من مخاطر الإصابة بفيروس «كورونا» ممتد الأجل بالنسبة لأولئك الذين يصابون بالمرض، غير أن جميع اللقاحات المتاحة يبدو أنها تقلل من عدد الأشخاص الذين يُصابون بالمرض الخفيف أو حالات الإصابة من دون أعراض واضحة. وعليه، فمن المحتمل أن تقلل اللقاحات من انتقال العدوى بين الناس.

وفي حين أن لقاحات شركتي «موديرنا» و«فايزر» تعمل بنفس الطريقة، فإن لقاح «جونسون آند جونسون» يعمل باعتبار آلية مختلفة تماماً. إذ يستخدم اللقاحان الأوليان «الحمض النووي الريبي المرسل»، ويستخدم اللقاح الثالث «الحمض النووي» المعتاد، والذي يجري نقله إلى نواة الخلايا مع نوع مختلف من الفيروسات يُعرف باسم «الفيروس الغدّي المعدل» بحيث لا يمكنه استنساخ (تكرار) نفسه ويسبب المرض. وتحتوي اللقاحات الثلاثة جميعها على بيانات الأمان الجيدة، وكلها تحفز الجسم على إنتاج الخلايا التائية التي تحتفظ بنوع من ذاكرة البروتين وتقوم بالهجوم فوراً.

ومن بين أسباب الاختلاف الواضحة في أرقام فاعلية اللقاحات أن التجارب الإكلينيكية قد أُجريت على مجموعات متباينة تماماً من الناس. ولقد أدرجت تجربة شركة «جونسون آند جونسون» الإكلينيكية المزيد من الأشخاص المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري، وفيروس نقص المناعة البشرية، فضلاً عن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً، تماماً كما تقول الدكتورة مونيكا غاندي طبيبة الأمراض المُعدية لدى جامعة كاليفورنيا. ولقد جاءت نتائج شركة «جونسون آند جونسون» أيضاً من الاختبارات التي أُجريت على الأشخاص في جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية في وقت كانت هناك سلالات جديدة من الفيروس منتشرة بالفعل. والأمر الجدير بالذكر، كما تقول الدكتورة غاندي، هو أن الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح خلال التجارب الإكلينيكية –لأي عدد من الجرعات المتخَذة– لم يدخل أحد منهم المستشفى جراء الإصابة بفيروس «كورونا» المستجد. ولم يُتوفى أحد منهم بسببه كذلك. كما لم تتدهور حالة أي منهم الصحية على الإطلاق لدرجة خطيرة تستدعي التدخل الطبي المباشر.

ويبدو أن عدم الدخول إلى المستشفيات أو الوفاة في تجارب شركة «جونسون آند جونسون» الإكلينيكية كانا أكثر إثارة للإعجاب مع اعتبار أن المتطوعين كانوا من بين فئات الأشخاص الأكثر عُرضة للوفاة بسبب الفيروس. وتقول الدكتورة غاندي إنها تعتزم نصيحة والديها اللذين يبلغان من العمر 80 عاماً أو نحوه، بالحصول على جرعة اللقاح إن كانت هي المتاحة أمامهم في المقام الأول.

وفي وقت سابق من العام الجاري، كان البروفسور روبرت هيشت، عالم الأوبئة في جامعة «يال»، قد أخبرني في مقابلة شخصية بأنه يعتقد بإمكانية إنقاذ المزيد من الأرواح عن طريق تطعيم المزيد من الناس، فيما يُطلق عليها المناطق الساخنة للإصابة بالفيروس حيث تتراكم هناك أعباء الإصابة بالمرض بصورة كبيرة وغير معتادة. ولقد اتصلت به مرة أخرى بعد ذلك للسؤال عما إذا كانت الجرعة الواحدة الكافية من لقاح «جونسون آند جونسون» تجعله الخيار الأفضل والمناسب للتوزيع في تلك المناطق الساخنة، فوافق على ذلك الرأي فوراً، رغم أنه أبدى قلقه من التصور الشائع أنه لقاح من الدرجة الثانية، الأمر الذي ربما يثير النعرات الاجتماعية بشأن عدم المساواة العنصرية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية.

وعليه، يتصارع عدد من الخبراء المعنيين راهناً حول هذا التساؤل الشائك نظراً لأن لقاح شركة «جونسون آند جونسون» هو أرخص سعراً من اللقاحات الأخرى المعتمدة، ولا يتطلب سوى الحقن بجرعة واحدة فقط، كما أنه لا يتطلب سوى أساليب التبريد العادية، بدلاً من التخزين فائق البرودة. وهذا ما يجعله من الخيارات العملية في تطعيم الأشخاص الذين بلا مأوى، وأولئك الذين يقطنون المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها. لكن، ومرة أخرى، لا يزال الخبراء يتجادلون بشأن تصورات عدم المساواة الشائعة هناك.

غير أن هذه المخاوف لا أساس لها، على اعتبار التفسير المناسب للبيانات المتاحة. حتى تصور عدم الإنصاف في حد ذاته قد يُلحق قدراً من الأضرار. فإن منح الناس المقدرة على اختيار اللقاح ربما يساعد الأشخاص الأكثر تردداً منهم على الإحساس بمزيد من التحكم والسيطرة والإقلال من الإكراه والإجبار – مع أن ذلك ربما يطيل من أمد انتشار الوباء بينهم عن غير قصد.

إنَّ الحصول على لقاح واحد فقط في أسرع وقت ممكن مع التركيز على المناطق الساخنة الأكثر إصابة بالفيروس، من شأنه أن يؤدي إلى إنقاذ المزيد من الأرواح ثم العودة إلى مستوى معين ومقبول من الحياة الطبيعية المنشودة. والأمر في ذلك متروك حالياً لمجتمع الصحة العامة في البعث بالرسالة الواضحة إلى الناس وإشراكهم في المسؤولية.

 

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى