أزمة سدّ النهضة: الحرب كـ«خيار أخير»؟* محمد خروب

النشرة الدولية –

عكست التصريحات غير المسبوقة التي أطلقها الرئيس المصري في شأن أزمة سد النهضة الاثيوبي، مدى ما تستشعره القاهرة من خطورة مُتدحرجة مع اقتراب الأول من تموز القريب, بما هو موعد الملء الثاني لسد النهضة الذي تصر اديس ابابا على إتمامه، مُبدية (الأخيرة) تشدّداً ورفضاً لأي محاولة لحلّ لهذه المعضلة, التي يواصل فيها رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد لعبة المراوغة وشراء الوقت, في انتهاج حرفي لسياسات إسرائيل العدوانية, وخصوصاً في تعاملها بسياسة الأمر الواقع مع القضية الفلسطينية. سياسات مَنحت تل أبيب المزيد من الأوراق والمؤيدين لروايتها, حتى باتت الأراضي المحتلة عام 67 مجرد أراضٍ مُتنازَع عليها, يكاد مرور المزيد من الوقت أن يجعلها أرضاً لقطعان المستوطنين, وجزءًا من إسرائيل, على النحو الذي وجدناه «طازجاً» بامتناع تقرير الخارجية الأميركية السنوي حول حقوق الإنسان (صدر الثلاثاء30/ 3) عن وصف الضفة الغربية بـ«الأرض المحتلة» من قِبل إسرائيل, حاذياً حذو إدارة ترمب التي تخلّت عن هذا التوصيف في تقاريرها السابقة، مُفسِّرة ذلك (إدارة بايدن) بمزيد من التبريرات المُتهافتة عندما بقولها: «إن الدبلوماسيين الأميركيين فضّلوا الإلتزام بـ«المُحدّدات الجغرافية»..فحسب.

ما علينا..

آبي أحمد أبلغ المبعوث الأميركي للسودان بأن بلاده «مُصمِّمة على الملء الثاني للسد في موعده»، ما عنى فشلاً أميركياً/أوروبياً في”اقناع» اثيوبيا بتأجيله أو حتى مُجرد الإنخراط في وساطة «رباعية» دعت إليها القاهرة والخرطوم، مُتمسكة (اديس أبابا) بوساطة الاتحاد الإفريقي, تلك الوساطة التي لم تنجَح طوال عام كامل في «زحزحة» اثيوبيا عن تصلّبها.

مَن تابعَ السياسات/المقاربات التي انتهجها آبي أحمد حامل جائزة نوبل لـ”السلام»، منذ وصوله الغامض إلى السلطة سواء داخل اثيوبيا أم خارجها, لاحظ أنه «رجل حرب» ومواجهة تنهض على استخدام القوة لفرض اثيوبيا لاعباً رئيسياً في إفريقيا وأحد رؤسائها الكبار، رغم ما تعانيه بلاده من فقر وسوء إدارة وفساد وتمييز عرقي ضد الأقليات. ولم تكن حرب الإبادة التي شنها ضد اقليم تيغراي, سوى ترجمة ميدانية لسياساته الفاشية. إذ أكدت تقارير حقوقية أممية جرائم حرب ارتُكبَت ضد سكان اقليم تيغراي, ناهيك عن مشاركة ارتيريا في هذه الحرب, رغم نفي تدخّل اريتريا فيها, ثم إعلان آبي أحمد شخصياً أن ارتيريا «وافقتْ» على سحب قواتها من تيغراي.

ثمَّة لعبة قذرة أخرى يواصل آبي أحمد العمل عليها, وهي محاولة استمالة/إغراء السودان إلى جانبه, كي تبتعِد عن مصر في موقفهما «شبه المُوحَّد» من الأزمة, بعرضِه على الخرطوم «تأجيل» ملء السد لشهرين في بادرة «حُسن نِية»، ولم يُعرَف بعد موقف القيادة السودانية من عرض كهذا, فيما تُواصل القاهرة إرسال المزيد من الإشارات للخرطوم بأن مَوقفهما «المُوحَّد» هو الضمانة الوحيدة للحؤول دون تغوّل اديس أبابا وفرض الأمر الواقع.

التفاؤل يتراجَع بإمكانية ثَني اديس أبابا عن نهجها, والعبارات التي اختارها الرئيس المصري في تصريحه المُدوّي الأخير, تكشف أن صبر القاهرة قد اوشك على النفاد وأن القادِم أسوأ. فهل تتراجَع اثيوبيا وتبدي مُرونة كافية؟.

…الأيام ستروي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى