فقاعات وهوس .. إلى أين تمضي وول ستريت؟

النشرة الدولية –

كلما مضى متسلق في رحلة صعوده أحد الجبال، زاد اعتقاده بأن نهاية المغامرة باتت قريبة وأن الوصول إلى القمة أصبح وشيكًا، لكن ليس هذا ما يعتقده المغامرون في وول ستريت الذين يواصلون رهاناتهم بل ويزيدونها ثقةً في تحقيق مكاسب جديدة والوصول إلى قمم أعلى.

صحيح أن مواصلة مؤشرات الأسهم الأمريكية تحقيق مستويات قياسية جديدة يأتي مدعومًا ببيانات وسياسات مشجعة خاصة على صعيد الاقتصاد الكلي، لكنها أيضًا تأتي وسط تصدعات واهتزازات عدة في أركان السوق.

سوق الأسهم الأمريكي يشهد بالفعل بعض الفقاعات، بجانب التقييمات المرتفعة، ودرجة كبيرة من التقلبات، وشهدت الأشهر الماضية تحذيرات جمة من مؤسسات استثمارية ومحللين ومستثمرين من أن التصحيح الحاد قد يكون على الأبواب.

الآن وبعد تطمينات الفيدرالي، وحزمة التحفيز من الرئيس “جو بايدن” إلى جانب خطة دعم البنية التحتية الضخمة، يبدو أن سوق الأسهم لديه أسبابه المقنعة لتجاهل المخاوف، ليمضي في طريقه نحو مستويات أكثر ارتفاعًا، والتي ربما تعني أن التصحيح– حين يحدث – سيكون أكثر عنفًا وفوضوية.

فهل يُفسح الربع الأول الصاخب من عام 2021 المجال لمزيد من الفقاعات في قطاعات من سوق الأسهم الأمريكية، إلى جانب الزيادات الحادة في تكاليف الاقتراض التي يغذيها ارتفاع عائدات السندات، أم ستمضي الأمور على نحو هادئ في الربع الجديد والذي يليه والذي يليه؟

لا يبدو أن أحدًا يمكنه التنبؤ بمزيد من الفقاعات، لكن المستثمرين لم يظهروا أي إنزعاج من إشارات التحذير التي أطلقتها قضية “Archegos Capital Management” الأسبوع الماضي، عندما أجبرت مصارف استثمارية الصندوق على بيع أسهم بقيمة 30 مليار دولار لفشل رهاناته.

يمكن للآثار المتتالية للانهيار الداخلي لمكتب إدارة ثروات العائلات الذي يديره “بيل هوانغ”، أن تشكل ضربة قيمتها 10 مليارات دولار للبنوك التي كانت جزءًا من سلسلة من الرهانات المعقدة القائمة على قدر هائل من الأموال المقترضة، وفقًا لـ”جيه بي مورجان”.

قال مصرفا “كريدي سويس” و”نومورا” إنهما يتوقعان تكبد خسائر بسبب تقلبات السوق التي يُعتقد أنها مرتبطة بـ”أركيغوس”، حتى “ويلز فارغو” الذي يعاني من مشكلة سمعة، كان منخرطًا في الصفقات المعقدة لكنه صرح بأنه لا يتوقع خسائر بسبب إلغاء الرهانات.

ذكرت تقارير أن المؤسس “هوانغ” أجرى باستمرار مراهنات مركزة داخل محفظته، مما جعل عائداته متقلبة بشدة وأنه يحب التركيز على الأسهم التي بيعت على المكشوف بشكل كبير، أو تلك ذات المستوى المرتفع من الرهانات الهبوطية.

اتضح من هذه القصة، أن المكاتب العائلية أصبحت جزءًا أكثر خطورة من السوق، حيث تتبنى استراتيجيات استثمار استخدمت في العقود السابقة من قبل صناديق التحوط الأكثر عدوانية. أقيم 69% من هذه المكاتب على مدار العقدين الماضيين في ظل تكثيف التدقيق على صناديق التحوط.

قال تقرير منفصل من “جي بي مورجان” بتاريخ 30 مارس إن انفجار أزمة”أركيغوس” يثير الدهشة، وكتب المحللون: تثير أحداث أركيغوس تساؤلات حول الرافعة المالية في النظام المالي.

خلص المصرف إلى أن الرافعة المالية لصناديق التحوط، على وجه الخصوص، ارتفعت مرة أخرى منذ عام 2017 وتقف حاليًا عند أعلى مستوى منذ عام 2007، لكنها تشير إلى أن مستويات الأموال المقترضة لا تزال أقل بكثير من المستويات المرتفعة التاريخية حول أزمة “إل تي سي إم” في التسعينيات.

جاءت مشكل “أركيغوس” بالتزامن مع هوس “جيم ستوب” أو ما يعرف بـ”أسهم الميم”، حيث يحرك جحافل من المستثمرين الأفراد أسعار الأسهم (وأحيانًا السلع) عن طريق الاتفاق على شرائها، من خلال تواصلهم عبر منصة “ريديت”، الأمر الذي بدا جنونيًا في السوق.

أشار تقرير في أواخر مارس إلى أنه على مدى الخمسين يومًا الماضية، بلغ متوسط التحركات المئوية اليومية في أسهم “جيم ستوب” 21%، مقارنة بمتوسط 3.6% لعملة بيتكوين في نفس الفترة، أي أن تقلبات الأول كانت 6 أمثال الثانية.

مؤشر “بافيت” لقياس حجم سوق الأسهم مقابل الاقتصاد سجل 123% مؤخرًا متجاوزًا مستوى 121% المسجل خلال فقاعة “دوت كوم”. إذا تجاوز 100% فإن ذلك بمثابة دليل على التقييم المبالغ فيه للسوق.

مع ذلك، يقول محللون إن السوق لا يبدو منزعجًا لأنه في وضع جيد للتعامل مع كل هذه الأشياء بفضل السيولة التي يوفرها الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي لا ينظر إلى “جيم ستوب” أو “أركيغوس” باعتبارهما مخاطر نظامية، وكان من الممكن استشعار الخطر فقط حال توسعت هوامش الائتمان.

أصبح المستثمرون أكثر قلقًا بشأن الاحتياطي الفيدرالي والتضخم والتوقعات الاقتصادية، من اهتمامهم بالانفجارات الشبيهة لصناديق التحوط أو تحركات الجموع التي تقودها منصات التواصل؛ الشي الوحيد الذي لم تشهده الأسواق منذ فترة هو التضخم وهذا كل ما يشغل البال.

سجل مؤشرا “داو جونز” و”إس آند بي 500″ مكاسب للربع الرابع على التوالي بنهاية مارس، وبالنظر إلى أبريل يريد المستثمرون دليلًا ملموسًا على أن التعافي الاقتصادي سيتواصل بقوة، ويريدون أيضًا أن يروا ذلك في أرباح الشركات، كما يتطلعون إلى الأخبار المتعلقة باللقاح وإعادة فتح الاقتصاد.

تكثيف عمليات التطعيم بجانب حزمة التحفيز الفيدرالية الجديدة يجب أن تمنح المستهلكين الأمريكيين مزيدًا من الثقة للخروج وإنفاق المزيد من الأموال، وبناءً على ذلك ستستفيد أسهم المطاعم وشركات السفر والترفيه والفنادق، وقد بدأت هذه القطاعات تشهد نوعًا من التحسن بالفعل.

كشف الرئيس “بايدن” نهاية الشهر الماضي عن حزمة لتطوير البنية التحتية تتجاوز تريليوني دولار، والتي سيتم مراقبة النقاش السياسي حولها عن كثب، حيث سيصبح الإنفاق الضخم هذا محور تركيز كبير للسوق، والذي لا يبدو مهتمًا بزيادة الديون والضرائب المحتملة نتيجة هذه الخطة.

تبقى المشكلة العالقة والتي ستحدد اتجاهات السوق إلى حد كبير، هي التضخم، ورغم تقليل الفيدرالي من مخاطره، فإن الأسواق تضمر حتى الآن خوفًا كبيرًا من ارتفاعه بشكل يدوم طويلًا ويجبر البنك المركزي على رفع الفائدة والحد من الوصول إلى السيولة الوفيرة والرخيصة.

هناك احتمالية ضعيفة جدًا أو معندمة في الواقع لرفع الفائدة في اجتماع الفيدرالي أواخر هذا الشهر، ومع ذلك، سيراقب المستثمرون هذا اللقاء عن كثب، بحثًا عن أي تلميح حول رفع أسعار الفائدة في المستقبل، إذ يمكن القول بصراحة تامة أن السوق بأكمله يدور في فلك الاحتياطي الفيدرالي الآن.

من المتوقع أيضًا استمرار الاتجاه الذي بدأ منذ أشهر، المتمثل في التحول من أسهم النمو إلى أسهم القيمة، والتي قدمت أداءً أفضل من الأولى هذا العام بأكبر هامش منذ عام 2001.

بشكل عام، إذا امتصت الأسواق المخاوف حول التضخم والفائدة ونجح الفيدرالي في الحفاظ على هدوئها، فإنها ستمضي بنفس النسق خلال الأشهر القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى