الشعب يُريد حصته من الفساد* صالح الراشد

النشرة الدولية –

ابتعدت الحكومات المتعاقبة في بلاد العرب كثيراً عن النهج الصالح في إدارة شؤون الدول، وأصبح الفساد غاية يسعى إليها كل صاحب قرار “إلا من رحم ربي”، وهؤلاء الأشراف قلة قليلة يقبضون على الجمر لينهض الوطن، فيما الفاسدون وذرياتهم يرتعون في المال الحرام، ليعتادوا على الطعام الحرام والتعليم الحرام ليقفز اولادهم وأحفادهم على مناصب بالحرام لتدور حياتهم في فلك الحرام الذي أصبح اللغة السائدة بين كبار القوم “إلا من رحم ربي”، فيما المواطن البسيط يبحث عن رزقه فلا يجده بعد أن أصبح المال والوظائف بيد مجموعة نحتار في وصفهم ونعجز عن تحديد ولائهم.

وهنا نستغرب من عدم إلقاء القبض على كبار الفاسدين ومحاكمتهم بعد أن نهبوا البلاد وأثروا من خيراتها وافقروا الشعوب، وقد شاهدنا مسرحيات هزلية لم تكتمل فصولها في محاسبة هؤلاء اللصوص، حيث ينتهي العرض بعد إنتهاء الجمهور من التصفيق بحرارة لأبطال الحكومات الوهميين، وعندها يُسدل الستار ويخرج الجمهور وقد دفع ثمن المُشاهدة من قوته، ليفرح لساعات قبل أن يكتشف أن الضرائب تتزايد والأسعار ترتفع والحياة صعبة في ظل اختفاء الطبقة الوسطى وانحدارها صوب الطبقة الفقيرة، وهنا يتحول فرح الجمهور وضحكه على المسرحية إلى بكاء هستيري على الوطن والذات، ويدرك متأخراً أن التلاعب به ونقله من حالة لأخرى لن يوفر له الحياة الكريمة، وأن لصوص المسرحية غادروا الوطن على أول طائرة ووصلوا إلى الملاذ الآمن للحاق بالأموال المنهوبة قبل أن يصل المشاهدون إلى بيوتهم .

وتتشدد الحكومات في معاقبة ومحاسبة صغار اللصوص، وتفرض عليهم القيود وتزجهم في السجون فيما لا تقترب من كبارهم، متناسين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”، فهل نحن على طريق الهلاك حيث كبار لصوصنا في لندن وباريس والأحياء الراقية في العواصم العربية وصغارهم في السجون، وهنا نعتقد جازمين بأن الفساد العربي قائم على المصالح المُشتركة والمنافع المتبادلة بين عِليَةِ القوم لتوفير الطرق المناسبة والتشريعات القانونية التي تُسهل لهم طرق الإستيلاء على ثروات الأوطان، وربما تحويلها إلى مزارع على طريقة الولايات المتحدة في العصور الوسطى حيث البقية عبيد لا يملكون من أمرهم شيئا، وعليهم فقط أن يأكُلوا ويشربوا ويتكاثروا ويسبحوا بحمد أصحاب المال قبل التسبيح باسم الله.

اليوم أقولها بكل صراحة بعد أن أُغلقت أبواب الطعام الطيب أمام الشعوب، نريد حصتنا من الفساد، نعم ونريد حصتنا من الواسطة والوظائف، فنحن أبناء الشعوب الكادحة لسنا بأقل من كبار الفاسدين في شيء إلا في الفساد الذي تحصنوا به ونظموا عصابات تحميهم وتدافع عنهم، لذا نُريد حصتنا من هؤلاء الفاسدين ونُريدُ مقاسمتهم المناصب والأموال التي نهبوها وسينهبوها، وحتى أكون أكثر منطقية ودعماً للفساد والفاسدين وبفضل قوتكم وصوت الشعوب المرتفع سنشرعن الفساد ونجعله قانوني حتى لا نودع نحن أبناء الفقر في السجون، أما أنتم فمحميون ولا تستطيع الأيادي الوصول إليكم، وبالتالي لن نكون بحاجة إلى نائب مفسد فاسد يعين أقاربه وينسى البقية أو عين يرى بإتجاه مصالحة وعينه الأخرى مُغلقة أو وزير يعتقد أنه الآمر باسم الله ويعبث بالوطن باسم الشيطان.

وهنا نتساءل، هل آن الوقت لنمزق كل كتب الفضيلة في عالم أصبح الفساد طريقة، أم حان الوقت لنصبح شركاء في سرقة المال العام ونهب مقدرات الأوطان، فالبلاد ليست لكم وحدكم أيها الفاسدون بل للجميع، لذا فإننا كشعوب وفي ظل عدم قدرة الحكومات على مكافحة الفساد واسترداد المال العام المنهوب وعجز الشعوب عن الوقوف أمام الفاسدين ومواجهتهم بحقيقة أمرهم وأن حظيرة خنزير أطهر من أطهرهم، نريد حصتنا كاملة غير منقوصة من الفساد، وعليكم أيها اللصوص الفاسدين أن تعلموا أنه في شريعة اللصوص والقراصنة يتساوى إبن الغفير وإبن الوزير، ويقف إبن رئيس الوزراء كإبن كبير الفقراء، ففي شريعة الغاب يكون عهد اللصوص أقوى من القانون والدستور، ففي قانون الغاب الفرد للصوص واللصوص للفرد، وهكذا يعمُ الخير على الجميع في بلد كثير الخيرات أفقره الفاسدون والقراصنة واللصوص القادرين على تحويل ترابه إلى ذهب، وعندها سيعيش الجميع برغد وأمان، لذا أكررها نريد حصتنا من الفساد كاملة غير منقوصة فيكفيكم ما سرقتم ونهبتم، ويكفيكم أن سيف القانون لم يطالكم، لذا فلنكن شركاء في نهب مقدرات الأوطان بعد أن وضعتم ألف سد أمام عودة المجتمع للفضيلة ومنعتم الرزق الحلال، لكن ورغم ذلك سيبقى طفل تربي على العزة والكرامة وعشق الوطن يهتف ويقول: “لعنكم الله بكفركم ولعن من يقف معكم ومن يتستر عليكم”، ليكون هذا الطفل هو الأمل الأخير لطريق الخير والحب والجمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى