هكذا يصنع الإنسان تاريخه المُشرف* صالح الراشد

النشرة الدولية –

يبحث الإنسان عن صناعة الصورة الأفضل له في دنياه، والتي تصاحبه بعد وداع هذه الحياة، وتختلف صناعة الصورة من شخص لآخر فمنهم من يبنيها بكل أمانة وعمل دؤوب واجتهاد، ومنهم من يبحث عن الطرق الأسهل للقفز على المناصب والظهور في الصورة حتى لو سرق ونهب جهدود الآخرين، وهذه النوعية المريضة من الأشخاص تتواجد في المجتمعات ويكتشفها الآخرون بعد فترة من الزمن، لذا فإن الصورة التي تصاحب البعض في الدنيا تتغير لتصاحبهم الصورة السيئة بعد موتهم أو رحيلهم إلى منطقة أخرى وربما بعد مغادرتهم مناصبهم، وهذا ما شهدناه في الأردن حيث لا يتم الترحم على البعض بعد موتهم، ويتم لعن أصحاب المناصب السابقة الذين هربوا بأموال الأردنيين للخارج وتكشفت مصائبهم  بعد فرارهم، والغريب في اللصوص ان بعضهم يشتمون من سبقوهم من اللصوص ويكيلون لهم التهم ويحملونهم جميع الأوزار، ويهددون بمقاضاتهم وربما سحلهم في الشوارع، لكن الأغرب أن اللصوص الجدد ينتظرون الفرصة المناسبة للحاق باللصوص القدامى وتلقي الشتائم.

ونستغرب كيف يُقبل بعض هؤلاء على الحياة بكل قذارة، فيما يتحدى آخرون المستحيل لبناء الذات والأسرة، لنتساءل هل هي أفعال المرء في الدنيا الأهم أم كيف يتذكره الآخرون بعد رحيله، فالكثير من الرجال يلعنهم البشر ويعتبرونهم مجرمين، فيما تم وصفهم خلال وجودهم على أنهم أبطال اسطوريين كهتلر وموسوليني والحجاج وستالين، فيما أُعتبر البعض بأنهم خارجين عن القانون، ليظهر بعد سنوات أنهم أبطال حقيقيين كونهم بحثوا عن التغيير السليم للنهوض بالمجتمعات، ومنهم الأنبياء جميعاً والعلماء وفي مقدمتهم العالم غاليليو وابن رُشد وابن سينا وابن المقفع وكل منهم واجه عقوبة الموت بسبب فكره ورؤيته، فيما هناك شخصيات تم تخليد ذكراها بعد موتهم وفي حياتهم بسبب أفعالهم العظيمة التي قاموا بها لبلادهم والإنسانية جمعاء، ومنهم نلسون مانديلا وغاندي والعالم الفرنسي لويس باستور الذي يُعتبر العالم الأكثر تأثيراً على مر العصو،ر والفرنسية ميري كوري وابن خلدون وابن بطوطة وابن الهيثم وابن النفيس.

ويعتبر البحث عن الخلود أحد أصعب ما يعانيه البشر، فنابليون بونابرت يعتبر أنه لم يحصل على حقه في التمجيد، فيما بحث جلجامش عن ماء الحياة وسرها لكنه فشل في نهاية الأمر واكتشف بأن “الحياة التي يجِدُ البشر في إِثرها لن ينالها أحد أبدًا، لأن الآلهة في معتقده عندما خلقت البشر جعلت الموت من نصيبهم، واستأثرت بالخلود نصيبًا لها وحدها”، فيما تركز الأديان السماوية على ان هناك حساب خاص بعد الموت حيث لا تخفى على الله خافية، لتبقى الحياة هي السر الأصعب في الوجود، فالجميع يُردون الحياة برفاهية وأن يتم تخليد ذكراهم، ويستطيع الكثير منهم الحصول على الشرط الأول فيما يعتبر الثاني في علم الغيب.

وفي نهاية الأمر فإن الخلود الذي يبحث عنه البشر يكون بصناعة الفكر وحماية البشرية وليس بقتلها واحتلال أراضيها ونهب خيراتها، لذا نجد أن الابطال الذين تروج لهم الدول لن يكون لهم مكان إلا في أجندات تلك الدول، فهم أبطال في بلادهم مجرمون في البلاد التي احتلوها وقتلوا أهلها، لكن حين نتحدث عن العلم فإن الجميع يستفيد منه وينعكس بصورة إيجابية على حياة البشرية، لذا يرتقي الذين يحمون البشرية فوق الأعناق، ويتم تخليدهم كأبطال حقيقين ينظر العالم لهم جميعاً بالتقدير والإعجاب، كما حصل مع توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي والذي يعتبر أساس نهضة العالم، لذا طافت شهرة  كل من عمل على إختراع الكهرباء من أمثال أندرية أمبير والساندروا فولتا، لذا على من يبحث عن صناعة الإسم والتاريخ أن يترك ورائه إرثاً يساهم في تحسين حياة الأجيال عدا ذلك تبقى الذكرى وهم زائل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى