الأسد لدبلوماسي أميركي: مزارع شبعا سورية وليست لبنانية
النشرة الدولية –
“اندبندنت عربية” – سوسن مهنا –
تقع مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان التي كانت الحدود اللبنانية – السورية قبل يونيو (حزيران) 1967. واليوم هي الحدود بين لبنان والجزء المحتل من الجولان من قبل إسرائيل. ويمر الخط الأزرق الذي رسمته هيئة الأمم المتحدة عام 2000 على جبل السماق، وشمال قمة جبل روس، حيث يبقى معظم منطقة مزارع شبعا (25 كم مربع تقريباً) جنوباً له.
وعلى الرغم من مطالبة لبنان بممارسة السيادة على عموم هذه المنطقة، لم تفرض الأمم المتحدة حتى الآن الانسحاب منه على إسرائيل، لاعتباره جزءاً من سوريا الخاضع لسيطرة إسرائيلية حسب اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، وتتبع شبعا لمنطقة العرقوب، وتمتاز بموقع جغرافي استراتيجي، باعتبارها حلقة وصل مع المستوطنات الإسرائيلية الشمالية والجولان.
النطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا غير محدد بدقة، مع ذلك يمكن القول إنها تمتد طولياً بحدود 24 كلم، ويتراوح عرضها بين 13 و14 كلم. وتقع المنطقة على منحدرات وتلال وبعض السهول والهضاب، وترتفع 1200 متر عن سطح البحر.
ولعل أبرز ما يدلل على استراتيجية المزارع هو العدد الكبير من المراصد العسكرية الإسرائيلية منذ عام 1967 حتى الآن، أبرزها مرصد الفوار الذي يعد من أضخم المراصد العسكرية بالشرق الأوسط. وتشرف المزارع على جبل عامل والجليل الأعلى والجزء الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الغربية وهضبة الجولان وسهول البقاع وحوران والحولة.
تاريخ المزارع
قبل إنشاء لبنان الكبير عام 1920، كانت منطقة مزارع شبعا تتبع لقضاءي مرجعيون وحاصبيا، وبموجب القرار 318 لسنة 1920 (قرار إنشاء لبنان الكبير) اعتُبر هذان القضاءان من لبنان. ولم يبادر الانتداب الفرنسي إلى رسم خريطة سياسية للبنان، ولم يقم بعملية ترسيم حدود للدولة التي أنشأها، بخلاف الحال مع فلسطين التي ألحقت بمنطقة الانتداب البريطاني، فكان من الضروري أن تجري عملية ترسيم حدود دقيقة لها، وهذا كان إثر اتفاقية ديسمبر (كانون الأول) 1920، التي وضعت موضع التنفيذ باتفاقية “بوليه – نيوكومب”.
وهذه الاتفاقية وقعتها فرنسا وبريطانيا في 1923، وصادقت عليها عصبة الأمم في 1932، فجعلت للبنان حدوداً دولية مع فلسطين. كلفت لجنة عسكرية من “جيش الشرق” حينها، وذلك عام 1934 لوضع الخريطة السياسية اللازمة، وتثبيت خط الحدود عليها، وكان في عداد اللجنة ضباط لبنانيون وسوريون منضوون في جيش الشرق.
واصطدمت تلك اللجنة بعقبات كبيرة، إذ إن القرار الذي حدد لبنان توصيفاً لخط الحدود لم يفصل في الملكيات العقارية للأفراد الذين اختاروا جنسية أحد البلدين، وجاءت عقاراتهم في سيادة البلد الآخر. وبعد فترة من العمل الجاد قرر المفوض السامي الفرنسي في 1936، أن تعتمد اللجنة جنسية السكان معياراً لإلحاق أراضيهم، كما قرر أن يعتمد حدود القرى والملكيات العقارة المدى الجغرافي المقبول للحدود.
نزاع على الملكية
لطالما شكلت قضية مزارع شبعا سبباً لإثارة النزاع السياسي الداخلي وقضية محورية مع السلطات السورية، بسبب عدم تحديد ملكيتها، في الوقت عينه استمرار الاحتلال الإسرائيلي لتلك المنطقة. وعادت إلى الواجهة بعد إعلان الولايات المتحدة اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، الذي يشمل وفق التعريف الدولي والإسرائيلي مزارع شبعا. بالتالي تخضع المزارع للقرار الدولي رقم 497، وتحضر فيها قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك “أوندوف”.
وكان خلاف قد نشأ بين الأفرقاء اللبنانيين حول خضوع المزارع لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242 وليس لـ425، بمعنى أن تحريرها مرتبط بالانسحاب من الجولان السوري.
ولم يتمكن لبنان حتى اليوم من الحصول على اعتراف رسمي من النظام السوري بلبنانية “مزارع شبعا”، أو بترسيم الحدود معه، وهو اعتراف تنتظره الأمم المتحدة، لتثبت لبنانية تلك المنطقة.
ويذكر تقرير أممي، صدر في الـ22 من مايو (أيار) 2000، أن “الأمم المتحدة تلقت خريطة مؤرخة في عام 1966، من حكومة لبنان تعكس موقف الحكومة أن هذه المزارع كانت واقعة داخل لبنان، غير أن في حوزة الأمم المتحدة عشر خرائط أخرى أصدرتها بعد عام 1996، مؤسسات حكومية لبنانية، منها وزارة الدفاع، تضع المزارع داخل سوريا”.
وكان القرار الأممي رقم 1860 الذي صدر في مايو 2006، شجع في أحد بنوده الحكومة السورية على التجاوب مع مطلب نظيرتها اللبنانية الداعي إلى ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين، لا سيما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها.
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد قال إنه “بعد تحرير الجنوب عام 2000، جرى تغيير الخرائط في الجنوب من قبل ضباط سوريين بالاشتراك مع ضباط لبنانيين، فاحتللنا مزارع شبعا، ووادي العسل نظرياً”.
“اندبندنت عربية” تواصلت عبر الواتساب بالمستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان التي ردت بأنها تعتذر “لأن المواضيع المطروحة ليست من اختصاصها”. كذلك تعذر الحصول على موقف من الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية.
بشار الأسد: مزارع شبعا سورية
في مقال نشرته مجلة NewLines Magazine الأميركية للدبلوماسي الأميركي فريدريك هوف، في السابع من أبريل (نيسان) الحالي، يسرد فيه لقاءه مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في قصر تشرين في الـ28 من فبراير (شباط) 2011، يقول “صدمتني صراحة الأسد وعدم تردده في إخبار دبلوماسي أميركي بصراحة أن الأرض المعنية (مزارع شبعا) التي تعتبر الأساس في مكانة “حزب الله” المزعومة كحركة (مقاومة لبنانية) هي أرض سورية لا لبنانية”.
وأبدى الأسد استعداده لحل علاقة سوريا العسكرية مع إيران، وإلزام لبنان بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وإخراج “حزب الله” من نشاطات المقاومة برمته، مقابل معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل تستعيد سوريا بموجبها جميع الأراضي التي خسرتها في حرب يونيو 1967.
يضيف السفير هوف، في مقالته “في الواقع كان توضيح الأسد حول ملكية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا جزءاً صغيراً من محادثة بدت، في ذلك الوقت، كإضافة (الأوكتان) الذي تشتد الحاجة إليه عندما بدأت وساطة السلام تتلاشى”.
وأثار حديث الأسد عن مزارع شبعا وامتدادها الشمالي الشرقي المعروف باسم تلال كفرشوبا اهتماماً أميركياً في تلك الفترة، فالمناطق المذكورة احتلتها إسرائيل عام 1967 كجزء من مرتفعات الجولان السورية، وهي ذات كثافة سكانية منخفضة، وتتعامل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان معها، باعتبارها أراضي سورية محتلة.
يذكر أن السفير فريدريك هوف دبلوماسي مقيم في كلية “بارد” في الولايات المتحدة. وشغل منصب سفير ومستشار خاص للمرحلة الانتقالية في سوريا في عهد الرئيس باراك أوباما، وأيضاً زار لبنان عام 2012 ورسم الخط (خط هوف) الذي اقترح من خلاله أن يجري تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل عند الحدود البحرية الجنوبية.
القرى السبع بالون اختبار
ويكتب هوف أنه جرى فصل سبع قرى شيعية في شمال فلسطين عن المجتمعات ذات الصلة في لبنان من خلال ترسيم الحدود الأنجلو – فرنسية لفلسطين ولبنان الكبير، الذي اكتمل في 1924. وفي عام 1948 جرى طرد القرويين من فلسطين إلى لبنان، بواسطة هجوم عسكري إسرائيلي.
وأضاف هوف “سبق أن وجهت سؤالاً لرئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم الحص عام 2000، حول القرى السبع، فبدا حائراً ومحرجاً. بعد عام 2000، أكد “حزب الله” ضرورة تنفيذ انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية. فلو لم يستمر الاحتلال فضد من كان يقاوم “حزب الله”؟ ومن دون مقاومة كيف كان لإيران أن تحافظ على ميليشيات مسلحة في لبنان مستقلة عن القوات المسلحة اللبنانية؟ فلجأ “حزب الله” أولاً إلى بالون اختباري أول اسمه القرى السبع”.
ويواصل، “تابعت وتعمقت وكتبت حول الجدل على مزارع شبعا منذ ابتداعها كمشكلة، ففوجئت (وسعدت) ليس فقط برفض الأسد المطالبة اللبنانية بالمنطقة، وإنما اعتراف حكومته بها أيضاً. أما بالنسبة إلى المحادثات المحتملة مع لبنان حول التعديلات الحدودية، فقد جرت بالفعل مفاوضات ثنائية رسمية قبل خسارة مرتفعات الجولان، ولم تتنازل سوريا عن أي شيء لجارتها اللبنانية. ومع ذلك لم يصدر عن الدولة اللبنانية شيء حيال احتلال أي من أراضيه عام 1967، إلا أن خرج الادعاء بذلك بعد 33 عاماً. كانت المنطقة التي يطلق عليها اسم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت الإدارة السورية حتى يونيو 1967 عندما احتلتها إسرائيل”.
سوريا والضغط بورقة المقاومة
ويتابع هوف “أرادت سوريا استمرار (المقاومة) للضغط على إسرائيل، فسارعت وجارت ادعاء “حزب الله”. وجاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي عنان أنه (في اتصال هاتفي أجريته مع وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع، في الـ16 من مايو 2000، قال إن سوريا تدعم موقف لبنان). والتزمت الحكومات اللبنانية المتعاقبة بهذه المطالبة، إذ ألزمتها إيران ممثلة بـ”حزب الله” بذلك”. وأكد الدبلوماسي الأميركي أن “جميع الخرائط تقريباً، بما في ذلك واحدة مطبوعة على العملة اللبنانية، أظهرت أن مزارع شبعا ومنحدرات جبل الشيخ خارج نطاق الولاية اللبنانية”.
وزاد، “أكد لي الأسد خلال اللقاء يوم 28 من فبراير 2011، من بين أمور أخرى، أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، سيصفي منظمته المقاومة، ويتماشى مع أحكام معاهدة السلام اللبنانية – الإسرائيلية التي ستبصر النور تلقائياً بعد توقيع الاتفاق السوري الإسرائيلي”.
ويستكمل هوف “سألت الأسد عما إذا كان تخلي نصر الله عن (المقاومة) سيتطلب أولاً أن تقوم سوريا بنقل مزارع شبعا والأراضي المرتبطة بها رسمياً إلى لبنان. وجاء جوابه دون أي لبس: (لا، لا. الخرائط تظهر بوضوح أن المنطقة المعنية سورية. بمجرد استعادة دمشق أراضيها من إسرائيل، ستكون هناك محادثات مع بيروت حول التعديلات المحتملة على الحدود هنا وهناك، وحول صكوك ملكية الأراضي ومن أصدرها). وقال الأسد (إن الأرض سورية)”.
ويختم هوف بأن قرار الأسد، في ربيع 2011، بقتل المتظاهرين السلميين بدلاً من السعي لتحقيق السلام مع إسرائيل يؤكد الأرجح “ديمومة خسارة هذه الأراضي. ومع ذلك، يبقى أن الأسد أسقط ادعاء “حزب الله” بمقاومة إسرائيل لتحرير الأراضي اللبنانية، مسجلاً للتاريخ. نظرة الأسد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل كانت واضحة، إنها سورية”.