فرسان البر وأمراء البحار: المنافس ينتحر* سمير عطا الله

النشرة الدولية –

في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول)، أطلق فريق سكوت النار على آخر خيوله، وكان في بداية طريقه الجليدية، وبدأ أعضاؤه يجرون زلاجاتهم بأيديهم، فيما أطلق الفريق النرويجي النار على 22 من كلابه في مكانٍ متقدم، وكان ما زال معه ما يكفي من الكلاب لتجر له الزلاجات طيلة المسار.

ومع اقتراب الشهر من نهايته، كان البريطانيون يجتازون 21 كلم يومياً من دون أي حيوانات، فيما كان النرويجيون يجتازون 24 كلم يومياً مع الكلاب، ولم يعلم البريطانيون بوجودهم إلا حين اقتربوا من القطب، ووجدوا آثارهم على الثلج، فأدركوا أن فريقاً آخر قد سبقهم إليه. ويكتب هنري بوارز في مذكراته: «لقد وصلنا إلى القطب، وإن استطعنا التكلم عن رحلة أتمت بصدقٍ وبعرق الجبين، نتكلم عن رحلتنا».

وفي طريق العودة من القطب، توفي أعضاء فريق سكوت الواحد تلو الآخر: الأول كان تاف إيفانز، رفيق سكوت العتيق في الرحلات القطبية، الذي توفي من جراء انخفاض حرارة جسمه في بعض الهوات الجليدية التي مر الفريق بها. من بعدها، لقي تيتوس أواتس حتفه بقرار منه بعد أن خرج من الخيمة إلى العاصفة الثلجية، وذلك لأنه رفض أن يستمر بتأخير الفريق من جراء تجمد رجله. أما سكوت وصديقاه بوارز والدكتور إدوارد ويلسون، فعانوا من عدة مشكلات، منها انقطاع الوقود والإمدادات، ما أدى إلى وفاتهم. ولكن دراساتٍ أجريت على مذكراتهم تؤكد أن فرصهم في العودة سالمين كانت كبيرة لو لم تفاجئهم أحوال الطقس القاسية الغريبة وغير المتوقعة في الوقت ذلك. فتوفوا ببطءٍ وكان آخرهم سكوت، الذي تشهد كتاباته على قوة عزمه وروحه المثابرة. وفي أيامه الثمانية الأخيرة، عاش سكوت في الظلام الدامس، من دون أكل ولا شربٍ ولا دفءٍ ولا ضوء. فقصته من أهم قصص الشجاعة وسط الصعوبات في التاريخ.

يجدر الذكر أن رحلة سكوت أتت بتقدمات علمية مهمة، تخطت بأشواط المعلومات المجموعة من رحلات أنتاركتيكا في النصف الأول من القرن العشرين كلها. أما أموندسن، فأمضى بقية عمره مريراً، يبحث باستمرار عن نجاحاتٍ جديدة. لم يغفر أبداً لأحد شركائه في الرحلة القطبية، الذي انقلب عليه وأهانه لسنوات، ما أضاف سبباً على الأسباب التي دفعت أموندسن للانتحار.

وفي النهاية، كيف نظر فريق أموندسن إلى رحلة فريق سكوت؟ يقول هيلمر هانسن أحد أهم أعضاء الفريق: «لا أقلل من شأن فريقنا حين أؤكد أن إنجاز فريق سكوت أعظم بكثير من إنجازنا… فقط أتخيل كيف سحبوا زلاجاتهم بأنفسهم ذهاباً وإياباً، فيما كان يرافقنا 52 كلباً! إنه فعلاً تُرفع له القبعة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى