مسعى أخير لتشكيل الحكومة وأربع أخطاء قاتلة ارتكبها لودريان* أكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر نيوز –

في ٢٧ نيسان الماضي زار نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف العاصمة الفرنسية، وكان لقاؤه الأبرز مع مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل، وتم الاتفاق على ابلاغ الأطراف اللبنانية رسالة انزعاج البلدين من تأخير تشكيل حكومة إنقاذ، من الاختصاصيين برئاسة سعد الحريري، تلتزم تحقيق الإصلاحات، وفقاً للمبادرة الفرنسية.

جاءت زيارة وزير خارجية فرنسا الأخيرة إلى بيروت، فقط لأبلاغ المعنيين فحوى هذه الرسالة، لكن السيد لودريان ارتكب جملة أخطاء ، أفقدت الزيارة معناها وأجهضت أهدافها ،وأبرز هذه الأخطاء التي تؤخذ على الوزير الفرنسي هي:

١- عدم التنسيق الكافي مع اللاعب الأساسي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك أوراق القوة ووسائل الضغط الحقيقية، على عدة أطراف داخل وخارج لبنان . كما لم يحظَ الموقف الفرنسي بدعم الشركاء الأوروبيين، فبدت فرنسا وحيدة وغير قادرة على ممارسة أي ضغط فعلي لبلورة حل في لبنان . كما كان واضحاً أيضاً عدم وجود دعم أو رضى سعودي ولا إيراني عن المسعى الفرنسي .

٢- مهد لودريان لزيارته بتهديد المسؤولين اللبنانيين، ومن اسماهم بمعرقلي تشكيل الحكومة ، بإصدار جملة عقوبات بحقهم ، ثم تبين سريعاً أن هذه العقوبات أشبه بفقاعة صابون ، لن يلتزم بها الاتحاد الاوروبي ، وتفتقد إلى أساس قانوني أو وسائل فاعلة لتنفيذها ، وتكاد تقتصر على التأنيب المعنوي فقط .

لم يُدرك لودريان أن التهديد دون القدرة على تنفيذه يضر بصورة مطلقيه، أكثر بكثير من الضرر الذي يُلحقه بالشخص الذي يتم تهديده . ففي عام ٢٠٠٢ رفضت الصين الحرب على العراق، وعندما سُئل مندوبها في مجلس الأمن عن سبب عدم استخدام الصين حق النقض الفيتو ضد القرار ١٤٤١ قال: « إن من يستعمل حق النقض يتوجب عليه حمايته» . بمعنى أنه يتوجب عليه منع وقوع الحرب ولو بالقوة، وهذا ما لم تكن الصين مستعدة لفعله في العراق.

٣- تجاهل لودريان خلال زيارته القوى اللبنانية الأساسية القادرة على الحل والربط في الموضوع الحكومي، كما تجاهل قوى الوسط ومرجعيات مهمة من أصدقاء فرنسا، والتي لا علاقة لها بعرقلة تشكيل الحكومة، كالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع وغيرهم، مما أثار استياء هذه القوى من عنجهية فرنسية غير مبررة . وزاد الأمور تعقيداً عدم زيارة لودريان للرئيس المكلف سعد الحريري، الذي عقد معه لقاء في قصر الصنوبر، فشكّل ذلك خرقاً بروتوكولياً غير مسبوق في التعامل الدبلوماسي بين الدول ، ولم يكفي التسريب الذي صدر لاحقاً، عن أن الحرير هو من أنهى اللقاء مع لودريان ، لانقاذ الموقف وحفظ ماء الوجه.

فكيف تستطيع فرنسا المساهمة في ايجاد حل ، اذا كانت ترفض الحوار مع هؤلاء الأطراف الذين يمسكون بالسلطة الفعلية وفقاً للدستور ؟ .

٤- اجتمع لودريان مع بعض المعارضين وممثلي المجتمع المدني، محاولاً توجيه رسالة تعاطف مع الشعب اللبناني وأن هؤلاء سيكونون البديل عن السلطة الحالية ، أو أنه يُراهن عليهم لتغيير الوضع . وكأن لودريان لا يعلم أن هؤلاء الذين استقبلهم ليسوا أكثر من هواة في السياسة ، سقطوا جميعاً في أول امتحان ، وتفرّقوا شراذم صغيرة ، وليس لديهم أي تمثيل شعبي حقيقي ، ولا يحملون مشروعاً انقاذياً ، ومعظمهم يلهث خلف إطلالة تلفزيونية أو منصب صغير . وبمراجعة بسيطة لنتائج الانتخابات التي جرت عام ٢٠١٨ ، نجد أن من يدّعون أنهم ثوار وينطقون باسم الشعب اللبناني ، لا يمثلون أكثر من ١٪؜ من أصوات اللبنانيين. وعندما تأتي الانتخابات القادمة ،سيتفرق هؤلاء الثوار مجدداً، ولن يغيّروا في المعادلة السياسية في البرلمان شيئاً . فكيف يجوز لمن يدّعي المعرفة بالشأن اللبناني ، ويريد أن يتولى دور راعي التسوية والإنقاذ، أن يرتكب خطأ كهذا ؟؟؟

لقد رحل لودريان معلناً حرده على المسؤولين اللبنانيين، لتسببهم بفشل المسعى الفرنسي، ولأن هذه النتيجة لن تصب في مصلحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية القادمة، فبدى وكأنه كان يريد فقط تسجيل نقاط لصالح الإدارة الفرنسية، ولو كان يريد إنقاذ لبنان لما تخلّى طبعاً عن السعي لإنجاح المبادرة الفرنسية.

ربما الإيجابية الوحيدة في زيارة الوزير الفرنسي، أن المسؤولين اللبنانيين شعروا بأن لا أحد يهتم لأمرهم، ولا بمصالح بلدهم، وأنه ليس أمامهم سوى الاتكال على أنفسهم، واستئناف الحوار لإيجاد تسوية ما . وانطلافاً من ذلك بادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى إعادة اطلاق الاتصالات مع كافة الأطراف ، خاصة حزب الله الذي يمكنه التواصل مع حليفه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وكذلك تشمل اتصالات رئيس المجلس؛ الرئيس المكلف سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في محاولة أخيرة للوصول إلى صيغة توافقية على قاعدة حكومة ال ٢٤ وزيراً.

يُرجّح مرجع سياسي مطّلع أن تُثمر الاتصالات الجارية عن تسوية ما ، لكنه يستدرك قائلاً: أن لا احد يريد تلقّف كرة النار التي باتت قريبة جداً، مع قرار رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية الذي بات شبه حتمي، والذي يُشكّل السبب الرئيسي لتأخير تشكيل حكومة جديدة ، ولا علاقة للأسباب الخارجية كما يُشاع .

وعن امكانية اعتذار الرئيس المكلف يقول المرجع : إن ذلك إذا حصل سيكون خطيراً جداً . أولاً لأنه سيكرس معادلة جديدة في النظام اللبناني، بأن المجلس النيابي لا يستطيع تسمية رئيس للحكومة لا يرضى عنه رئيس الجمهورية، وأن الكلمة الفصل في اختيار رئيس الوزراء هي لرئيس الجمهورية وليست للمجلس النيابي كما ينص الدستور ، وهذا سيكون بمثابة عرف جديد ينسف اتفاق الطائف برمته .

وثانياً أنه في حال اعتذار الرئيس المكلف سيظهر مهزوماً أمام قاعدته الشعبية، كون رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر رفضا تكليفه وأجبراه على الاعتذار ، ولن يسعه بعدها الموافقة على أي حكومة ستُشكّل ، وهذا سيفتح الباب امام انقسام حاد في البلد، يصعب معه تشكيل أي حكومة جديدة، وندخل في انهيار شامل، سيكون مدمراً على كافة الصعد ، السياسية والاقتصادية والمالية وربما الأمنية.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى