رجاء لحلو: في لوحاتي أحاول دعوة المتلقي إلى السفر عبر الزمن واستجواب الذات

النشرة الدولية –

يتواصل حتى الثالث من يوليو المقبل برواق “ليفينغ 4 آرت” بالدار البيضاء معرض “مرآة الروح” للفنانة التشكيلية المغربية رجاء لحلو، وهو المعرض الثاني لها بالرواق ذاته بعد معرضها الأول “الطريق إلى الذات” المنجز في العام 2019.

وقال الرواق في ورقة تقديمية حول المعرض إنه يضم حوالي ستين لوحة فنية أنجزتها لحلو على امتداد العامين الماضيين، ومن خلالها سيستمتع زوار المعرض بالصور الظلية المختلفة التي تشكلها أعمال هذه الفنانة، مضيفا أن أعمالها تتميّز بكونها “توقظ المشاعر وتحيي اللهب المنطفئ، والعاطفة الساكنة، لتجعل المتلقي يغرق في عالم تشكيلي يعكس عناصر مختلفة، لكنها توحّد الأحاسيس جميعها”.

وتجمع لوحات الفنانة المغربية بإحساس شفيف بين الواقع والخيال والفكر والتفكّر مدفوعة برغبة غريزية في الانفصال عن كل تشويه للواقع المعيش، باعتباره انعكاسا خالصا للذات، والذي ينبع من العديد من المشاعر الإنسانية، مع خلق توازن بين ذاتها كفنانة وبين من يقرأون لوحاتها.

وتأثّرت لحلو منذ سن مبكرة ببيئة مدينة فاس، مسقط رأسها، وكانت دائما مهتمة بالفن بأشكاله المختلفة، شغوفة بالروايات والموسيقى والسينما والشعر، لكنها وجدت راحتها في ممارسة الرسم الذي اقتحمها صدفة، أو اقتحمته هي بالصدفة،  ذلك أنها في سنة 2002 سقطت إحدى اللوحات في منزلها فقامت برتوشات عليها لإصلاحها، فتبيّنت أنها تتقن فن الرسم، وكانت الانطلاقة.

وعن أعمالها تقول لحلو “أحاول من خلال اللون والرسم أن أترجم ما بداخلي من تساؤلات متواصلة عن مكانة الإنسان والطبيعة والحيوان في عالم أصبحت تعمّه الفوضى، وتتداخل فيه قيم الخير والشر”، مؤكّدة أن ما ترسمه، غالبا، ما يكون عبارة عن تصوير داخلي لمسيرة البحث عن الذات وعن السعادة الأبدية، مانحة المتلقي بطاقة مفتوحة لسبر عوالم الذات والكشف عن أسرارها.وتنتمي أعمال الفنانة المغربية إلى المدرسة التجريدية التي بواسطتها تعبّر بكل حرية عمّا في الروح، ورغم بساطة طرحها الفني لا تبدو لوحاتها ساذجة، بل هي معقّدة وغامضة، حيث يجد كل شخص فيها حقيقته الخاصة، لأن أعمالها تسرد رحلة، أو نوعا من السفر الذي يسمح لكل فرد بالالتقاء مع نفسه والنظر في أعماقه وروحه، كمرآة أو صدى بعيد.

فكل كل لوحة من لوحاتها تروي قصة، حيث يستطيع المُشاهد لأعمالها أن يرى إعجابها الداخلي بالحياة والسكينة. وهي التي تعبّر بألوانها عن أفكارها دون تكلّف أو مواربة، حيث تتناول ريشتها مواضيع متعددة مثل المشاعر المكبوتة، والمثابرة، والرغبة في النجاح، والخيارات والقرارات التي يمكن أن يتّخذها المرء ووقع نتائجها عليه وعلى محيطه، وكأنها تقدّم لكل فرد على حدة، ولنفسها حتى، دروسا في الحياة بألوان آسرة.

وهو ما تؤكّده الفنانة ذاتها بقولها “أسعى دائما من خلال أعمالي أن أمنح المتلقي منظورا جديدا للحياة، وأدعوه إلى السفر عبر الزمن واستجواب الذات”.

رجاء الحلو فنانة تشكيلية تتساءل في لوحاتها عن سلوك الإنسان وعلاقته بنفسه  والآخرين

وتتّسم أعمال لحلو بالتنوّع في الأشكال، حيث تسودها ألوان زاهية وأخرى قاتمة، ألوان تنبثق من كل لوحة من لوحاتها. لتغدو أعمالها جزءا من بحث جاد ومتواصل هدفه الأساسي الجمال الحسّي والروحي.

وتعدّ اللوحة وسيلة فعّالة لديها لإحياء العلاقات الإنسانية والعواطف المكبوتة وعلاقة الإنسان بالطبيعة، وهي التي تستمد مواضيعها من محيطها لتتساءل عن سلوك الإنسان وعلاقته بنفسه وعلاقته مع الآخرين ومحيطه الطبيعي.

لوحات لحلو تجمع بين الواقع والخيال والفكر والتفكّر، مدفوعة برغبة غريزية في الانفصال عن كل تشويه للواقع المعيش

وتصرّ الفنانة المغربية كثيرا على المشاعر، وهي التي تدرك وزن ذلك على القرارات وخيارات الحياة، حيث تدعو الجمهور إلى التأمل والتفكير الإيجابي بهدف السيطرة على أي تفكير سلبي، وخلق نوع من الانسجام بين المهام اليومية وطبيعة العمل.

وعلى الرغم من عصاميتها، إلاّ أن الفنانة تُعطي عملها تناسقا متناغما لدرجة أنها تريد خلق توازن ذكي بين الموضوع والألوان. وهو ما يتشكّل عندها وفقا لمواضيع واقعية في بعض الأحيان ومثالية في أحيان أخرى، مستوحاة من الأساطير والميثولوجيا، ما يدل على هدوء رؤيتها، دون أن تغرق في متاهة الخيال المفتعل، إلاّ بما يثري اللوحة ومفرداتها الحسّية والبصرية معا.

وتعوّدت الفنانة أن تمنح أعمالها التجريدية كلمات مفاتيح تُسهم ولو بشكل بسيط في فكّ بعض شفرات منجزها الفني، ككتابتها “الغابة تحت مياه البحر هي مكان سلمي يتجنب مشاكل الحياة اليومية. تسمح لك نباتات وصوت البحر بالاختباء من نفسك.. السلاسل الأرضية ليس لها مكان في ملاذ هذا السلام”.

شاعرية الكلمات ونسقية الألوان يمنحان لوحاتها إشباعا خالصا بالجمال، والذي يُترجم بصريا من خلال تراتبية الألوان وترتيب الأشكال إن أفقيا أو عموديا، أو في مزجهما معا، ممّا يمنح أعمالها خصوصية متفرّدة تسبح ضد التيار المتداول والمتّفق عليه ضمن المدارس الفنية المكرّسة.

وتدعو لحلو إلى تقبّل الذات وتقبل الحياة كما هي، وفي ذلك ترى أن النجاح لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يكون مرادفا للدمار أو الكراهية أو الخيانة، فالإنسان في سعي دائم نحو التطوّر المستمر والارتقاء والسعادة الأبدية، كما أن الفشل والأخطاء والانتكاسات كلها جزء من الحياة، ولكل بداية نهاية. ومع ذلك تقرّ بأن “كل نهاية لا يمكنها سوى أن تكون أفضل بداية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى