النظام السوري… خطورة المعلومات المضللّة
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
رئيس مجلس الشعب الذي أعلن فوز بشار بن حافظ الأسد رئيساً لولاية رابعة، تنتهي في عام 2025، نتيجة تصويت 13 مليون ناخب، أي بنسبة 95.1 في المئة، أم المعارضة التي تشكّك روايتها في صحّة أعداد الناخبين، وتقول إن أعداد الذين يُقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا تتجاوز الـ 9 ملايين نسمة، بعد تهجير 8 ملايين خارج سورية، فيكون الذين أدلوا بأصواتهم لصالح “القائد إلى الأبد” لا يتعدّون الـ 4 ملايين مواطناً؟
نتائج الانتخابات هذه فتحت “الصندوق الأسود” الذي قوبل بالكثير من التّعليقات السّاخرة؛ وأكثرها فكاهة تلك القائلة بأنّ النظام أبدى استياءه من النتيجة، وقرّر تشكيل “لجنة محايدة” لمعرفة مصير أصوات الـ 4.5 في المئة من الناخبين!
خطورة نشر المعلومات المضلّلة باتت ظاهرة في عالمنا اليوم؛ والتضليل بات نشاطاً اعتيادياً للأنظمة كما للأفراد الذين “يغرّدون” عبر وسائل التواصل الاجتماعي من دون حسيب أو رقيب، بل تحوّل هذا “الوحش” إلى آفة تهدّد أمن واستقرار المجتمعات والدّول.
المشكلة اليوم لا تتمثّل في”المخادعين بلغة الأرقام”، ولا في المتلاعبين بعقول البشر، بل تكمن في وسط المعلومات الناقصة، وفي جهود تشويه الصورة عند الحديث بشأن قضايا حيوية تمسّ حياة النّاس والمجتمعات.
في خلال أزمة “كورونا”، انقلب الهرم رأساً على عقب، بعد أن تدفّقت “المعلومات المضروبة” بشكل مخيف، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى يد أناسٍ غير متخصّصين.
أتذكّر اعترافاً لأحد رجالات السّاسية المصريين (يشغل منصباً قياديّاً في وزارة الخارجية)، قبل سنوات، كان يتمحور حول إدارة المفاوضات في ملف نهر النيل، حيث قال: “لقد شاركت في مفاوضات لمدة تناهز الـ 6 سنوات، ضمن فريق متكامل من الخارجية والموارد المائيّة، فكانت مرجعيّة أغلب الوفود تتركّز في يد فرد لا تتوفّر لديه المعلومات الكافية”.
ثمّة أمر آخر مشابه: عضو في الوفد الفلسطينيّ المفاوض أثناء اتفاقيّة أوسلو، في عام 1993، وكانت تجري بقيادة ياسر عرفات، أجرى مقارنة حول أسلوب التفاوض وإدارته بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني، فقال: “كنّا نُفاجأ في كلّ جلسة كيف كان فريق التفاوض الإسرائيلي مستعداً لكلّ الاحتمالات، وكانت لديه مجموعات من المتخصّصين والفنيّين والخبراء في رسم الخرائط الجغرافية، في حين كان وفدنا المفاوض يعتمد على الذاكرة!”.
في هذا السياق، يُطرح السؤال: إلى من نَحتكم؟
في الواقع، إنّ حريّة تدفّق المعلومات والتحكّم بها وبمدى صحّتها، ليست حكراً على الأنظمة السياسيّة، إذ هناك جمعيّات وهيئات وظيفتها تبيان الحقائق وكشف المتلاعبين والمزوّرين.
وكما يكون للعملة وجهان، يبقى الوجه الإيجابي الأكثر نفعاً في عدد من المواقع الإلكترونية، التي تتولّى فضح المزوّرين والمضلّلين وسارقي المعلومات؛ وهؤلاء واجهة المجتمع المدنيّ أصحاب الصّوت الراجح في الفصل بين الكذب والحقيقة.
الظّاهرة تنسحب على الجسم الإعلامي؛ فهناك منتحلو صفة “المحلّلين” و”الخبراء الاستراتيجيّين”، وهؤلاء يسقطون بعد أوّل مناظرة أو مواجهة.. فقد امتهنوا سرقة الأفكار مثلما امتهنوا السّطو على المعلومات وحقوق الآخرين.
من أخطر الأسلحة المستخدمة في عصر “ثورة الاتصالات” سلاح المعلومات. فمن يملك وسيلة التأثير، لا نقلها فقط، بل صناعتها، بمقدوره أن يغسل أدمغتنا ويوجّهها كيفما يشاء.
ما زال العالم حتى اليوم يجهل من أين أتى “فيروس “كوفيد – 19″، وما هو مصدره؛ ويجهل أيضاً إن كانت مختبرات ووهان الصينيّة هي المصدر أم جرى “تخليق الفيروس” على يد علماء محترفين آخرين!
يبدو أننا أمام حالة مستعصية، اختلطت فيها المقاييس، وتغيّرت معالم الصّراعات، وازدادت أعداد “المضلَّلين” في حروب التجارة والاقتصاد والسياسية والهيمنة، وهذا بيت القصيد!
عودة إلى الأصل، من أين نستقي المعلومات، وأيّ المصادر هي الموثوقة؟ وكيف يُمكننا فرز ما هو حقيقة ممّا هو مضلّل؟
قد لا تنتهي الأسئلة وسط بحور من المعلومات المتدّفقة من دون فلاتر، إلّا أنّ المهم أن تبقى النوافذ مفتوحة، وألّا نكتفي بنافذة واحدة، أو بقناة واحدة، أو بزعيمٍ أوحد ولباسٍ موحّد.. فلربما يدخل الهواء النقي إلى الغرف المغلقة!